2016-01-01 17:41:00

البابا فرنسيس: مريم هي أم الرحمة لأنها حملت في أحشائها وجه الرحمة


ترأس قداسة البابا فرنسيس عصر الجمعة القداس الإلهي في بازيليك مريم الكبرى في روما حيث فتح أيضًا الباب المقدس بمناسبة يوبيل الرحمة وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها: ​السلام عليك يا أم الرحمة! ‏بهذه التحية نريد أن نتوجه إلى العذراء مريم في البازيليك الرومانية المكرسة لها باسم أم الله. ‏أنها بداية نشيد قديم  سننشده في ختام هذه الافخارستيا المقدسة، ‏يعود إلى مؤلّف ‏مجهول الهوية وصل إلينا كصلاة تنبثق بعفويه من قلب المؤمنين: "السلام عليك يا أم الرحمة، أم الله وأم المغفرة، ‏أم الرجاء وأم النعمة، أمًًّا ممتلئة فرحًا مقدسًا". بهذه الكلمات القليلة تجد مُلخَّصًا لإيمانها أجيال من الأشخاص حدقت النظر إلى أيقونة العذراء سائلة إياها الشفاعة والتعزية.

تابع الأب الأقدس يقول إنه أكثر من ملائم أن ندعو العذراء مريم في هذا اليوم أولاً أم الرحمة. إن الباب المقدس الذي فتحناه هو في الواقع باب الرحمة. وكل من يعبر تلك العتبة مدعو للغوص في محبة الآب الرحيمة بثقة كاملة وبدون خوف، ويمكنه أن يرجع من هذه البازيليك يملؤه اليقين بأنه ينعم بقرب مريم ورفقتها. هي أم الرحمة لأنها حملت في أحشائها وجه الرحمة الإلهية يسوع، العمانوئيل، منتظر جميع الشعوب، "أمير السلام" (أشعيا ٩، ٥). ‏إن ابن الله الذي صار بشرا من أجل خلاصنا قد أعطانا أمه لكي تسير معنا ولا تتركنا أبدًا وحدنا في مسيرة حياتنا لاسيما في لحظات الشك والألم.

أضاف الحبر الأعظم يقول مريم هي أم الله الذي يغفر والذي يمنح المغفرة ولذلك يمكن القول إنها أم المغفرة. هذه الكلمة - "مغفرة" - والتي أصبحت غير مفهومة في ذهنية العالم تشير إلى ثمرة خاصة ومميزة للإيمان المسيحي. فالذي لا يعرف كيف يغفر هو لم يعرف بعد ملء الحب، وحده الذي يحب حقًا باستطاعته أن يغفر وينسى الإساءة التي تعرّض لها. عند أقدام الصليب، ترى مريم ابنها يقدم ذاته بكليتها فتشهد هكذا على معنى الحب كما يحب الله. في تلك اللحظة تسمع يسوع يتلفظ بكلمات تولد ربما مما علمته إياه في طفولته: "يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لأنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون" (لوقا ٢٣، ٣٤). في تلك اللحظة أصبحت مريم لنا جميعًا أم المغفرة. وهي وعلى مثال يسوع وبنعمته تمكنت من أن تغفر للذين كانوا يقتلون ابنها البريء.

تابع البابا فرنسيس يقول هكذا تصبح مريم أيقونة للكنيسة في أسلوبها لمنح المغفرة للذين يطلبونها. إن أم المغفرة تعلم الكنيسة أن المغفرة التي مُنحت على الجلجلة لا تعرف الحدود. ينبغي على مغفرة الكنيسة أن تتحلّى باتساع مغفرة يسوع على الصليب ومغفرة مريم عند أقدام الصليب. لا وجود لخيار آخر، ولذلك جعل الروح القدس من الرسل أدوات فعّالة للمغفرة لكي يبلغ ما تحقق بموت يسوع كل إنسان في كل مكان وزمان.

وختامًا، تابع الحبر الأعظم يقول، يتابع النشيد المريمي قائلاً: "‏أم الرجاء وأم النعمة، أم ممتلئة فرحًا مقدسًا". إن الرجاء والنعمة والفرح المقدس هم إخوة: جميعها عطايا من المسيح، لا بل هي أيضًا أسماءً له كُتبت في جسده. وبالتالي فالهديّة التي تعطينا إياها مريم من خلال إعطائنا يسوع المسيح هي المغفرة التي تجدد الحياة وتسمح لها بإتمام مشيئة الله مجدّدًا وتملؤها فرحًا حقيقيًّا. هذه النعمة تفتح القلب لينظر إلى المستقبل بفرح من يرجو. إنه التعليم الذي يأتينا من المزمور أيضًا: "قلبًا نقيًّا أخلق فيَّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدِّد في أحشائي... إمنحني بهجة خلاصك" (مز٥۱، ۱۲- ۱٤). إن قوة المغفرة هي الترياق الحقيقي ضد الحزن الذي يسببه الحقد والانتقام. إن المغفرة تفتح على الفرح والطمأنينة لأنها تُحرّر النفس من أفكار الموت أما الحقد والانتقام فيثيران العقل ويمزقان القلب ويسلبانه الراحة والسلام.

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول لنعبر إذًا باب الرحمة المقدّس واثقين برفقة العذراء مريم، والدة الله القديسة التي تشفع بنا. لنسمح لها بأن ترافقنا لكي نكتشف مجدّدًا جمال اللقاء بابنها يسوع، ولنُشرّع أبواب قلوبنا على فرح المغفرة مدركين أننا قد مُنحنا مجددًا الثقة والرجاء لنجعل من حياتنا أداة لمحبّة الله. 








All the contents on this site are copyrighted ©.