2015-12-25 09:52:00

رسالة الأنبا إبراهيم اسحق لعيد الميلاد المجيد 2015


تحت عنوان "الرحمة والحق تلاقيا العدل والسلام تعانقا" وجه بطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسية للأقباط الكاثوليك الأنبا إبراهيم اسحق رسالته بمناسبة عيد الميلاد المجيد 2015 قال فيها: يشرق على العالم عيد ميلاد يسوع المسيح، الله الكلمة الذي تجسد وأخلى ذاته آخذاً صورة إنسان وأشبهنا في كل شيء ما خلا الخطيئة وهو ضياء مجد الله وجوهر طبيعته، يشرق على عالمنا المسخن بالجراح، يمزقه الألم وتطوف به مأساة الحروب واللاجئين الهاربين من الموت والمطرودين من ديارهم وكأننا نسمع صوت الخالق يتردد في صدى التاريخ يخاطب قايين "ماذا صنعت ؟ إن صوت دماء أخيك صارخ إليّ من الأرض، والآن فملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دماء أخيك من يدك (تك 4، 10- 11) كأننا نسمع الصوت الإلهي في أيامنا، ونحن نرى الدماء البريئة تسفك، والدموع الحزينة تسيل، والأسرة البشرية لم يصل إدراكها بعد إلى أنها أسرة واحدة وعائلة واحدة.

تابع بطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسية للأقباط الكاثوليك يقول يفيض الكتاب المقدس بعبارة "الرحمة الإلهية" فالله هو خالق البشر وهو الذي يرحم الجميع وبدون رحمته ومغفرته لا تستقيم الحياة، يصلي داود النبي "أرحمني يا الله كعظيم رحمتك" (مزمور: 50) ويُعلن الله صراحة: أني أريد رحمة لا ذبيحة وأعظم ثمرة للرحمة هي العدل. ووضع لنا المسيح شريعة المحبة مقترنة دائماً بشرعة الحق، لا مغفرة للإنسان إلا إذا غفر لأخيه الإنسان، فالدينونة الأخيرة مقياسها أعمال الرحمة لكل إنسان دون تمييز ولأن المسيح قد أعلن أن الحق يحرر الإنسان (يوحنا 8 : 36) لذا جاء هو الطريق والحق والحياة (يوحنا 14 : 6) ينبوعاً للرحمة لجميع المحتاجين وناصرا للحق. فلا يحق لإنسان أن يدين إنسانا ومن كان بلا خطيئة فليرجم الخاطئ بحجر (يوحنا 8 : 7).

أضاف الأنبا إبراهيم اسحق يقول لقد أعلن قداسة البابا فرنسيس تكريس سنة 2016 يوبيلا استثنائيا، لأفعال الرحمة في كل أنحاء العالم. وتقوم في أن يعيش الإنسان في أسرته رحيماً بها، وفي عمله رحيماً بمن حوله، وفي كل سلوكه رحيماً يسعى إلى الحق. يظن كثيرون ويعلنون أن قضية العالم ومشكلته هي الاقتصاد، نعم ولكن العالم قبل السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا يحتاج إلى الرحمة واحترام الحقوق لكل إنسان في كل نواحي الحياة.

تابع بطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسية للأقباط الكاثوليك يقول لقد أُعلنت سنة 2016 سنة الرحمة، لأن الأسرة البشرية في العالم كافة في أشد الحاجة إلى الرحمة والغفران والتسامح، فالرحمة ليست مجرد عواطف وشفقة لرؤية من يعاني ويتألم، وإنما تقوم في أن أكون أكثر إيجابية وأن أفتح قلبي وعقلي لكل إنسان ولا أتكاسل عن عمل الخير، فالابتسامة رحمة والإصغاء للآخر باحترام رحمة ومساندة الضعفاء والفقراء على المستوى الإنساني والروحي والاقتصادي رحمة، والأمانة والصدق في أي عمل تقوم به رحمة لأنه يساهم في بنيان عالم أفضل. إننا إذا تأملنا بعين الإيمان أحوال عالمنا، غلب علينا الحزن والألم أمام مأساة هذا العالم وبخاصة مأساة منطقتنا العربية، دمار وخراب، لاجئون يهيمون على وجوههم طالبين المأوى والأمان، وكان مشهد العائلة المقدسة اللاجئة الى مصر هربا من بطش هيرودس يتكرر كل يوم. الإنسان يتعذب، فهل نرأف به؟ هل نسقط القسوة والظلم من حياتنا؟ إنها رسالة كل مؤمن حقيقي في هذه الأيام الصعبة أن يخفف آلام من يعانون، وان يكون قناة لرحمة الله، هذا هو معنى سنة الرحمة.

أضاف الأنبا إبراهيم اسحق يقول نصلي دوماً "أرحمنا يا الله" (وهذا معنى كلمة كيرياليسون). إن كان الله أرحم الراحمين  فأنه القدوس العدل، والعدل يؤدي إلى السلام. إن تجسد الكلمة دليل إلهي على قيمة الإنسان والحياة الإنسانية، والله يحب ويحترم كل إنسان خلقه على صورته ومثاله، فليس إنسان يكون موضوعا للاحتقار، وليس من حق أي إنسان أن يدوس على حقوق الإنسان الآخر. إن تنوع الجنس البشري في أديانه ولونه وتقاليده وثقافاته لا يلغي وحدة جنسه فآدم هو أبو البشرية والمسيح آدم الثاني جاء من أجل كل البشرية. يقول القديس أغوسطينوس لو مات الناس جميعاً ما عدا نفس بشرية واحدة لتجسد المسيح من أجل هذه النفس ، فأي قيمة أعظم من قيمة الإنسان في هذا الوجود! وما يحدث في أنحاء العالم من حروب جراء  الصراع السياسي أو الديني أو المذهبي إنما هو صراع من عمل الشيطان عدو الخير، فالبشر أسرة واحدة شاءوا أم أبوا هكذا خلقنا ولا نهضة حقيقية أو تنمية شاملة إلا إذا تعانق العدل والسلام. من أجل هذا ولد المسيح، كلمة الله، ومحبة الله للبشر، ليعيد صياغة علاقة الحب بين الله والإنسان، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، العدل يثمر السلام، والسلام يشيع الأمن والاستقرار، وتبنى الحضارات على مبادئ الرحمة والحق والعدل والسلام التي جسدها المسيح في حياته منذ مولده في بيت لحم وحتى قيامته من الموت. إننا مدعون كبشر جميعاً لأن نبني تقدمنا ومستقبلنا على هذه  المبادئ السامية، والعالم اليوم وفي المستقبل في حاجة دوماً أن يتذكرها وبخاصة يوم ميلاد المسيح حين اتحدت السماء والأرض في أنشودة خالدة: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة".

وختم الأنبا إبراهيم اسحق بطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسية للأقباط الكاثوليك رسالته بمناسبة عيد الميلاد المجيد بالقول متحدين مع قداسة البابا فرنسيس، الذي يصلي دوما من أجل شرقنا العزيز، ومع إخوتنا بطاركة وأساقفة كل الكنائس ومن كنيستنا هذه نرفع صلاتنا باسمكم جميعاً من أجل أن يعود العدل و السلام المفقودان في العالم، وأن يشملنا الله برحمته ويغمر قلوبنا بالرحمة تجاه بَعضُنَا البعض. نصلي من أجل أمن مصر وأمانها وأن تكون كما كانت على الدوام صاحبة الرسالة المميزة في تاريخ الحضارات وصانعة سلام وجسرا للحوار وواحة للقاء، ومن أجل عائلاتنا حتى تستمر في الحفاظ على وحدتها وكي يسود حياتنا الغفران والرحمة والاحترام المتبادل، فننبذ كل عنف وإهانة ولامبالاة ويكون الإصغاء والحوار في احترام متبادل هو أداتنا الأولى والأساسية في التعامل فيما بيننا.

 

 

 








All the contents on this site are copyrighted ©.