2015-09-02 13:49:00

في مقابلته العامة البابا فرنسيس يتحدث عن مسؤولية العائلة في نقل الإيمان


أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهلّ تعليمه الأسبوعي بالقول: أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، في هذه المرحلة الأخيرة من مسيرة تعاليمنا حول العائلة نوجّه نظرنا إلى الأسلوب الذي تعيش فيه العائلة مسؤوليّة نقل الإيمان إلى داخلها وإلى الخارج. للوهلة الأولى، قد تبادر إلى أذهاننا بعض التعابير الإنجيليّة التي قد تبدو بأنّها تضع علاقات العائلة وإتّباع يسوع في تناقض. على سبيل المثال، تلك الكلمات القويّة التي نعرفها جميعًا وسمعناها: "مَن كانَ أَبوه أو أُمُّه أَحَبَّ إِلَيه مِنّي، فلَيسَ أَهْلاً لي. ومَن كانَ ابنُه أَوِ ابنَتُه أَحَبَّ إِلَيه مِنّي، فلَيسَ أَهْلاً لي. ومَن لم يَحمِلْ صَليبَه ويَتبَعْني، فلَيسَ أَهْلاً لي" (متى ١٠، ٣٧- ٣٨).

تابع البابا فرنسيس يقول إنّ يسوع، بالطبع، لا يريد بقوله هذا أن يُلغي الوصيّة الرابعة، أوّل وصيّة كبيرة تجاه الأشخاص. إنّ الوصايا الثلاثة الأوائل متعلَّقة بالله أما هذه فموجّهة إلى الأشخاص... إنّها وصيّة عظيمة! ولا يمكننا أن نفكّر أيضًا أنّ الربّ، وبعد أن قام بمعجزته الأولى للعروسين في قانا وبعد أن كرَّس الرباط الزوجيّ بين الرجل والمرأة، وأعاد الأبناء والبنات إلى الحياة العائليّة، ها هو يطلب منّا الآن ألاّ نبالي بهذه الروابط! بل على العكس، لأنّ يسوع عندما يؤكّد على أولويّة الإيمان بالله، فهو لا يجد شيئًا أهمّ من العواطف العائليّة ليقارنها بها. ومن جهة أخرى، وفي داخل خبرة الإيمان ومحبّة الله، تتحوّل هذه الروابط العائليّة و"تمتلئ" بمعنى أعمق وتصبح قادرة على الذهاب أبعد من ذواتها لتخلق أبوَّة وأمومة أشمل، وتقبل كإخوة وأخوات حتى أولئك الذين يعيشون على هامش أيِّ رباط. ففي أحد الأيام، أجاب يسوع على الذي قال له أنّ أمّه وإخوته يطلبونه مشيرًا إلى تلاميذه وقال: "هؤُلاءِ هُم أُمِّي وإِخوَتي، لأَنَّ مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ الله هو أخي وأُخْتي وأُمِّي" (مرقس ٣، ٣٤-٣٥).

أضاف الحبر الأعظم إنّ المعرفة بأنّه لا يمكن شراء العواطف أو بيعها هي الميزة الأفضل للموهبة العائليّة. ففي العائلة نتعلّم أن ننمو في جوِّ هذه المعرفة العاطفيّة، وفيها فقط يمكن تعلُّم "قواعدها وإلاّ يصبح من الصعب جدًّا تعلّمها. وهذه هي بالذات اللغة التي يجعل الله الجميع يفهمونه من خلالها. إنّ الدعوة لوضع الروابط العائليّة في إطار الطاعة للإيمان والعهد مع الربّ لا تزدريها، وإنّما على العكس، تحميها وتحرّرها من سلاسل الأنانيّة وتحفظها من الإنحلال وتنقلها إلى أمان حياة لا تعرف الموت. إنّ انتشار أسلوب عائليّ في العلاقات البشريّة هو بركة للشعوب: يُعيد الرجاء إلى الأرض. وعندما تسمح العواطف العائليّة بأن يتمّ تحويلها إلى شهادة للإنجيل، تصبح قادرة على القيام بأمور لا يمكن تصوّرها، تجعلنا نلمس بأيدينا أعمال الله، تلك الأعمال التي يقوم بها الله في التاريخ، كالأعمال التي قام بها يسوع للرجال والنساء والأطفال الذين التقاهم. وبالتالي فإنّ ابتسامة واحدة إذا انتُزعت بأعجوبة من خيبة طفل متروك، قد بدأ حياته من جديد، تشرح لنا عمل الله في العالم أكثر من ألف دراسة لاهوتيّة. كما وأنّ رجلاً واحدًا أو امرأة واحدة قادران على المجازفة والتضحية من أجل ابن شخص آخر، وليس من أجل ابنهما فقط، يشرحان لنا أمور الحبّ التي لم يعد يفهمها العديد من العلماء. وحيث توجد هذه العواطف العائليّة نجد تصرّفات القلب التي تحدّثنا بشكل أقوى من الكلمات... إنّها تصرّفات الحبّ وهذا الأمر يدفعنا للتفكير.

تابع الأب الأقدس يقول إنّ العائلة التي تجيب على دعوة يسوع تسلِّم إدارة العالم مجدّدًا إلى عهد الرجل والمرأة مع الله. فكّروا بنمو هذه الشهادة اليوم. لنتخيّل أنّ  التاريخ (والمجتمع والإقتصاد والسياسة) قد سُلِّم - أخيرًا - لعهد الرجل والمرأة لكي يحكمانه  بنظرة موجّهة نحو الأجيال القادمة، ستعزف عندها مواضيع الأرض والبيت والإقتصاد والعمل موسيقى مختلفة. وإن أعدنا الدور - بدءًا من الكنيسة - إلى العائلة التي تصغي إلى كلمة الله وتعيشها فسنصبح كالخمر الجيّدة في عرس قانا نختمر كخميرة الله! في الواقع، إنّ عهد العائلة مع الله مدعوّ اليوم ليناقض التصحُّر الجماعيّ للمدينة الحديثة. إنّ مُدننا قد تصحّرت بسبب نقص الحبّ والإبتسامات. هناك العديد من الأمور المسليّة... والعديد من الأمور لإضاعة الوقت والضحك ولكن ينقص الحبّ. ولكنّ الأمر متعلّق بالعائلة، تلك العائلة المؤلّفة من الأب والأمّ اللذين يعملان ومن الأبناء... لأنّ ابتسامة عائلة قادرة على التغلُّب على تصحُّرِ مُدُننا. وهذا هو انتصار المحبّة العائليّة. إذ ما من هندسة إقتصاديّة أو سياسيّة باستطاعتها أن تستبدل إسهام العائلات هذا. فمخطّط بابل يبني ناطحات سحاب بلا حياة لكنّ روح الله يجعل "البريّة جنّةً" (راجع أشعيا ٣٢، ٣٥). وبالتالي ينبغي علينا أن نخرج من أبراج النخبة وغرفهم المُصفّحة لنزور مجددًا البيوت والفسحات المفتوحة للجميع، وعلى محبّة العائلة.

وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول إنّ شركة المواهب - تلك التي يعطيها سرُّ الزواج والتي يمنحها التكرُّس لملكوت الله - هي موجّهة لتحوِّل الكنيسة إلى مكان عائليّ بالكامل من أجل اللقاء بالله. لِنَسِر قُدُمًا في هذه الدرب، ولا نفقدنَّ الأمل، إذ حيث هناك عائلة تعيش الحبّ فتلك العائلة قادرة على تدفئة قلب المدينة بأسرها بفضل شهادة محبّتها. صلّوا من أجلي، ولنصلِّ من أجل بعضنا البعض لكي نصبح قادرين على اكتشاف حضور الله وقبوله. فيحمل الروح "بلبلة" فرح إلى العائلات المسيحيّة وتخرج مدينة الإنسان من إحباطها! 








All the contents on this site are copyrighted ©.