2015-08-20 11:39:00

رسالة الكاردينال بارولين للمشاركين في لقاء الصداقة بين الشعوب


بمناسبة لقاء الصداقة بين الشعوب والذي يعقد في نسخته السادسة والثلاثين في ريميني في إيطاليا من العشرين وحتى السادس والعشرين من آب أغسطس الجاري وجّه أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين رسالة باسم الأب الأقدس كتب فيها إن موضوع لقائكم هذا يتمحور حول "القلب" الموجود داخل كل فرد منا والذي يصفه القديس أغوسطينوس بأنه "قلب لن يرتاح" لأنه يبحث على الدوام عمّا يجيب على انتظاراته. إنه بحث يُعبّر عنه من خلال أسئلة حول معنى الحياة والموت، الحب والعمل، العدالة والسعادة. ولكن لكي نجد الجواب المناسب ينبغي علينا أن نأخذ بشريتنا بعين الاعتبار معززين دائمًا هذا السعي. وفي هذا الالتزام – يقول لنا البابا فرنسيس – "يمكن اللجوء ببساطة إلى بعض الخبرات الإنسانية المألوفة، مثل فرح لقاء جديد وإخفاقات والخوف من العزلة والشفقة على وجع القريب، وقلة الاطمئنان أمام المستقبل، وانشغال البال على شخص عزيز" (فرح الإنجيل، عدد 155).

تابع الكاردينال بارولين يقول يمكننا أن نرى في هذا الإطار أحد أكبر الأسئلة في عالم اليوم: كيف يمكننا أن نجيب على التساؤلات التي نحملها في داخلنا إزاء العديد من الأجوبة الجزئية التي تقدمّها لنا "المسائل الزائفة" والتي تسبب نوعًا من التخدير؟ كيف يمكننا أن نوقظ ضمائرنا إزاء فتور الحياة؟ تنفتح في هذا السياق أمام الكنيسة درب رائعة، تمامًا كما في بدايات المسيحية، عندما كان الأشخاص يقلقون في الحياة بدون الشجاعة والقوة لطرح الأسئلة القاطعة، كما حصل مع القديس بولس في الأريوباغ، فالكلام عن الله لمن قلّص ونسي تساؤلاته يبدو أمرًا غريبًا وبعيدًا عن الواقع بمأساته ومحنه. لذلك لا يمكن لأي منا أن يبدأ حوارًا حول الله إن لم نتمكن من تغذية تلك الشعلة المتقدة في القلب، بدون الحكم على أحد، وإنما بقبول الجميع والإصغاء إليهم. لأن رسالة المسيحيين – كما يكرّر البابا فرنسيس – هي إطلاق عمليات أكثر من ملء مساحات (راجع فرح الإنجيل، عدد 222). وأول خطوة هي في استعادة معنى النقص الذي يملأ القلب وغالبًا ما يرقد تحت ثقل التعب وخيبات الأمل. لكن القلب موجود وهو في بحث وسعي دائم.

أضاف أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان تقوم مأساة اليوم على خطورة رفض هوية وكرامة الشخص البشري. إنه "استعمار" إيديولوجي يقلّصُ من حاجات القلب الحقيقيّة ليقدّم أجوبة محدودة لا تأخذ بعين الاعتبار السعي الحقيقي إلى الحب والحقيقة والجمال والعدالة الموجود في كل فرد منا. جميعنا أبناء هذا الزمن ونعيش تأثير ذهنيّة تقدم قيمًا وفرصًا جديدة ولكن يمكنها أيضًا أن تؤثر على القلب وتحده وتفسده من خلال اقتراحات تُطفئ فيه العطش إلى الله. لكن القلب لا يرضى بهذه البساطة لأنه، وكما قال البابا بندكتس السادس عشر للشباب في سان مارينو، "نافذة منفتحة على المُطلق". لماذا ينبغي علينا أن نتألم لنموت في النهاية؟ لماذا وُجد الشرّ والتناقض؟ هل الحياة أهل لأن نعيشها؟ هل بقي هناك معنى للحب والعمل والتضحية والالتزام؟... إنها أسئلة يطرحها الجميع، شباب وبالغون، مؤمنون وغير مؤمنين بسبب صعوبات أو أحداث سعيدة أو خلال التفكير حول مستقبل الأبناء وضرورة العمل. حتى الشخص الذي يصرُّ في رفضه لكل شيء ليس باستطاعته أن يقتلع هذه الأسئلة من حياته. فالحياة ليست رغبة مبهمة، والنقص ليس علامة بأن ولادتنا مجرد خطأ بل على العكس لأن هذه الأسئلة هي الإنذار بأن طبيعتنا قد خُلقت لما هو أسمى.

لذلك، تابع الكاردينال بارولين يقول، فالله، السر المطلق، قد انحنى على فقرنا المتعطش له وقدّم الجواب الذي ينتظره الجميع بدون أن يتوقعوه، فيما هم منهمكون في البحث عنه في النجاح والمال والسلطة وجميع أشكال تحقيق الذات الزائلة. وحدها مبادرة الله الخالق بإمكانها أن تملأ القلب، وقد جاء الله إلينا وسمح لنا بأن نلتقيه كمن يلتقي بصديق فنستريح هكذا،  بالرغم من العاصفة، لأننا واثقين بحضوره بيننا. فقد قال البابا فرنسيس في هذا السياق: "حتى وإن كانت حياة الإنسان نوعًا من الكارثة تدمّرها الرذائل والمخدرات أو أي أمور أخرى، يبقى الله في حياته... حتى إن كانت حياة الإنسان أرضًا مليئة بالأشواك والأعشاب السامة تبقى هناك على الدوام فسحة صغيرة يمكن للبذار الصالحة أن تنمو فيها، يكفي فقط أن نثق بالله". وبالتالي ومع الموضوع الذي اخترتموه لهذا العام يمكن للقائكم أن يساهم في مهمة أساسيّة في الكنيسة أي "ألا يُقبل باكتفاء أحد بالقليل، بل أن يستطيع القول تمامًا: "فلست أنا حيًّا بعدُ، بل المسيح يحيا فيّ" (فرح الإنجيل، عدد 160)، لأن بشرى يسوع "هي البُشرى التي تناسب التعطش إلى المالانهائي الموجود في كل قلب بشريّ" (فرح الإنجيل، عدد 165). فيسوع قد جاء ليُظهر لنا محبة الله بشكل مرئي... كحب حقيقي وفعال... حب يشفي يسامح ويرفع. حب يقترب من الآخر ويعيد إليه كرامته. كرامة يمكننا الحصول عليها بأشكال وأساليب مختلفة، لكن يسوع يصر على إعطائنا إياها من خلال بذل حياته من أجلنا. وهذه هي المساهمة التي يقدمها الإيمان المسيحي للجميع والذي يمكن للقائكم هذا أن يشهد له من خلال حياة الأشخاص الذين يشاركون فيه.

وختم أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين رسالته للمشاركين في لقاء الصداقة بين الشعوب بالقول لذلك يتمنى الأب الأقدس لمنظمي ومتطوّعي هذا اللقاء أن يسيروا قدمًا للقاء الجميع تدفعهم الرغبة ليقدّموا بقوة وبساطة البشرى السارة لمحبة الله الذي لا يزال اليوم أيضًا ينحني على نقصنا ليملأه من ماء الحياة الذي يتدفّق من يسوع القائم من الموت. كما ويسألكم أن تصلوا من أجل خدمته ويمنحكم فيض بركته الرسولية.                








All the contents on this site are copyrighted ©.