2015-08-15 09:57:00

وقفة تأمل حول الإنجيل في عيد انتقال العذراء


وفي تلكَ الأَيَّام قَامَت مَريمُ فمَضَت مُسرِعَةً إِلى الجَبَل إِلى مَدينةٍ في يَهوذا. ودَخَلَت بَيتَ زَكَرِيَّا، فَسَلَّمَت على أَليصابات. فلَمَّا سَمِعَت أَليصاباتُ سَلامَ مَريَم، ارتَكَضَ الجَنينُ في بَطنِها، وَامتَلأَت مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فَهَتَفَت بِأَعلى صَوتِها: "مُبارَكَةٌ أَنتِ في النِّساء! وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطنِكِ! مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي؟ فما إِن وَقَعَ صَوتُ سَلامِكِ في أُذُنَيَّ حتَّى ارتَكَضَ الجَنينُ ابتِهاجًا في بَطْني فَطوبى لِمَن آمَنَت: فسَيَتِمُّ ما بَلَغها مِن عِندِ الرَّبّ". فقالَتْ مريم: تُعَظِّمُ ٱلرَّبَّ نَفسي، وَتَبتَهِجُ روحي بِٱللهِ مُخَلِّصي لأَنَّه عَطَفَ عَلى أَمَتِه الوَضِيعة سَوفَ تُهَنِّئُني جَميعُ الأَجيال لأَنَّ ٱلقَديرَ صَنَعَ إِلَيَّ أُمورًا عَظيمَة، قُدّوسٌ ٱسمُهُ وَرَحمَتُهُ مِن جيل إِلى جيلٍ لِلَّذينَ يَتَّقونَهُ، كَشَفَ عَن شِدَّةِ ساعِدِهِ فَشَتَّتَ ٱلمُتَكَبِّرينَ في قُلوبِهِم، خَلَعَ الأَقوِياءَ عنِ العُروش ورفَعَ الوُضَعاء. أَشبَعَ ٱلجِياعَ مِنَ ٱلخَيرات وَٱلأَغنِياءَ صَرَفَهُم فارِغين، نَصَرَ عَبدَهُ إِسرائيل، ذاكِرًا كَما قالَ لآباءَنا رَحمَتَه لإِبراهيمَ وَ ذُرَّيَّته لِلأَبد". وأَقَامَت مَريمُ عِندَ أَليصاباتَ نَحوَ ثَلاثَةِ أَشهُر، ثُمَّ عادَت إِلى بَيتِها (لوقا 1، 39- 56).

للتأمّل

بالاتحاد مع الكنيسة بأسرها نحتفل بانتقال العذراء بالنفس والجسد إلى مجد السماء. إن انتقال مريم يظهر لنا مصيرنا كأبناء الله بالتبني وأعضاء في جسد المسيح. وعلى مثال مريم أمنا نحن مدعوون لنشارك بشكل كامل في انتصار الرب على الخطيئة والموت ولنملك معه في ملكوته الأبدي. هذه هي دعوتنا. إن "العلامة العظيمة" التي تقدمها لنا القراءة الأولى تدعونا للتأمل بمريم المكللة بالمجد بالقرب من ابنها الإلهي. وتدعونا أيضًا لنتيقن حول المستقبل الذي لا يزال حتى اليوم يفتحه الرب القائم من الموت أمامنا.

أما في القراءة الثانية التي تقدّمها لنا الليتورجية اليوم يؤكد القديس بولس بأن المسيح هو آدم الجديد الذي بطاعته لمشيئة الآب هدم ملكوت الخطيئة والعبودية وافتتح ملكوت الحياة والحرية. فالحرية الحقيقية نجدها في القبول المحب لمشيئة الآب، ومن مريم، الممتلئة نعمة، نتعلم بأن الحرية المسيحية هي أكثر من مجرد تحرّر بسيط من الخطيئة، إنها الحرية التي تفتحنا على عالم روحي جديد، حرية محبة الله والأخوة والأخوات بقلب نقي والعيش بفرح رجاء مجيء ملكوت المسيح.

اليوم وإذ نكرم مريم سلطانة السماء، نتوجه إليها كأم الكنيسة، ونسألها أن تساعدنا لنكون أمناء للحرية الملوكية التي نلناها يوم العماد، وأن تقود جهودنا لتحويل عالمنا بحسب مشروع الله وتجعل الكنيسة قادرة على أن تكون خميرة ملكوته في داخل المجتمع؛ فنحارب سحر المادية التي تخنق القيم الروحية والثقافية الحقيقية وروح التنافس الذي يولِّد أنانية ونزاعات. ونرفض النماذج الاقتصادية اللا-إنسانية التي تخلق أشكال فقر جديدة وتهمش العمال، وثقافة الموت التي تشوّه صورة الله، اله الحياة وتنتهك كرامة كل رجل وامرأة وطفل.

في احتفالنا بهذا العيد نتحد مع الكنيسة بأسرها المنتشرة في العالم وننظر إلى مريم كأم رجائنا، لأن نشيدها يذكرنا بأن الله لا ينسى أبدًا وعود رحمته، فمريم تستحق الطوبى لأنها: "آمنت بتمام ما بلغها من عند الرب". وبها ظهرت حقيقة الوعود الإلهية كلها. وبتكليلها بالمجد تظهر لنا أن رجاءنا حقيقيّ وبأن هذا الرجاء يمتد منذ الآن كمرساة أمينةٍ متينة لحياتنا حيث يقيم المسيح في المجد. هذا الرجاء، الذي يقدمه الإنجيل هو العلاج ضدّ روح اليأس الذي بدأ ينمو كمرض عضال وسط مجتمع يبدو غنيًا من الخارج ولكنه غالبًا ما يختبر من الداخل المرارة والفراغ. وكم من شبابنا يدفعون ثمن هذا اليأس! لنتوجه إلى مريم، أم الله، ولنسألها نعمة أن نفرح بحرية أبناء الله، وأن نستعمل هذه الحرية بشكل حكيم لنخدم إخوتنا وأخواتنا ونعيش ونعمل لنصبح علامات رجاء، ذلك الرجاء الذي يجد كماله في الملكوت الأبدي حيث المُلك هو الخدمة.

 








All the contents on this site are copyrighted ©.