2015-07-03 14:03:00

رسالة المجلس البابوي لراعوية المهاجرين والمتنقلين بمناسبة اليوم العالمي للسياحة 2015


بمناسبة اليوم العالمي للسياحة والذي يحتفل به هذا العام في السابع والعشرين من أيلول سبتمبر المقبل تحت عنوان "مليار سائح، مليار فرصة" وجّه عميد المجلس البابوي لراعوية المهاجرين والمتنقلين الكاردينال أنطونيو ماريا فيليو رسالة تحدث فيها عن التحديات التي يولّدها نمو السياحة في جميع القطاعات التي تطالُها هذه الظاهرة العالميّة.

كتب الكاردينال أنطونيو ماريا فيليو نحن في مرحلة تحوّل يتغيّر فيها أيضًا أسلوب التنقّل وبالتالي خبرة السفر أيضًا. فالسائح هو أكثر فأكثر في بحث دائم عن اتصال مباشر مع كل ما هو مختلف بروعته. وبالتالي فقد بدأ يضعف مفهوم "السائح" بينما يتعزز مفهوم "المسافر"، مولِّدًا مفهومًا جديدًا وهو "مواطن من العالم". يدعونا البابا فرنسيس في رسالته العامة الأخيرة للاقتراب من الطبيعة "بانفتاح على الذهول والاندهاش" متكلّمين "لغة الأخوّة والجمال في علاقتنا مع العالم" (كن مسبَّحا، عدد 11). هذا هو أسلوب الاقتراب الصحيح الذي ينبغي تبنّيه إزاء الشعوب والأماكن التي نزورها.

تابع عميد المجلس البابوي لراعوية المهاجرين والمتنقلين مشيرًا إلى أنه ينبغي على شركات القطاع السياحي أن تلتزم أولاً في تحقيق الخير العام، إذ أن مسؤوليتها كبيرة وينبغي عليها أن تتيقّن لهذا الأمر، وأكّد أن الهدف النهائي لا ينبغي أن يكون الربح وإنما تقديم دروب للمسافر ليبلغ خبرة الحياة التي يبحث عنها. وفي هذا الإطار قال الكاردينال فيليو إن الجماعات المحليّة مدعوة أيضًا لفتح حدودها لاستقبال كل الذين يصلون من بلدان أخرى يدفعهم عطش المعرفة. فالاستقبال يسمح أيضًا بالاستفادة من المقومات البيئية والاجتماعية والثقافية ولخلق أماكن عمل جديد وتنمية الهوية الشخصية وإعادة اكتشاف قيمة المنطقة. ففي الجماعات المحليّة "يمكن أن يولَدَ قدر أكبر من الشعور بالمسؤولية، وحسٌّ جماعيٌّ قويّ وقدرة خاصة على الالتزام، وإبداع سخيٌّ وحبٌّ عميق للأرض وهنا يتمُّ التفكير أيضًا بما سوف يُترك للأبناء والأحفاد" (كن مسبَّحا، عدد 179).

أضاف الكاردينال أنطونيو ماريا فيليو في السفر تختبئ أيضًا الرغبة بالأصالة التي تتحقق في عفويّة العلاقات وفي السماح للجماعات التي نزورها بأن تطالنا وتلمسنا، فتولد الحاجة بالابتعاد عن العالم الافتراضي – القادر على خلق مسافات ومعرفة غير شخصيّة – والرغبة بإعادة اكتشاف أصالة اللقاء مع الآخر. إن السياحة تشكّل مليار فرصة أيضًا لرسالة الكنيسة التبشيريّة إذ أنه ما "من شيءٍ إنسانيٍّ حق إلا وله صداهُ في قلوبهم" (فرح ورجاء، عدد 1). وبالتالي من الضروري أن تخرج الكنيسة وتقترب من المسافرين لتقدم لهم جوابًا مناسبًا وفرديًّا لبحثهم الداخليّ؛ فإذ تفتح القلب على الآخر يمكن للكنيسة أن تجعل اللقاء مع الله أكثر أصالة، لذلك ينبغي في هذا السياق تعميق معنى الاستقبال في الجماعات الراعوية وفي تنشئة الموظفين السياحيين الدينية.

إن دور الكنيسة أيضًا هو التربية على عيش الوقت الحر، كما يذكّرنا الأب الأقدس بأن: "الروحانية المسيحية تدمج بين قيمة الراحة والعيد. فالكائن البشري يميل إلى اختزال الراحة التأمليّة داخل إطار ما هو غير منتج وغير نافع، ناسيًا أنه بهذا التفكير يجرِّد العمل الذي يقوم به من أهمّ شيء: من معناه. إننا مدعوون إلى إدخال بُعد مُنفتح ومجّاني في تصرُّفاتنا وهو يختلف عن الخمول الصرف" (كن مسبَّحا، عدد 237). كما ولا ينبغي علينا أن ننسى دعوة البابا فرنسيس للاحتفال بالسنة المقدّسة للرحمة، وبالتالي ينبغي علينا أن نتساءل حول إمكانيّة أن تصبح راعوية السياحة والحج مكانًا "لاختبار محبة الله الذي يعزّي ويغفر ويعطي الرجاء" (وجه الرحمة، عدد 3). والعلامة المميزة للسنة المقدسة ستكون الحج، لأنه رمز المسيرة التي يجتازها كل شخص في وجوده (راجع وجه الرحمة، عدد 14).

تابع عميد المجلس البابوي لراعوية المهاجرين والمتنقلين مليار فرصة للبيئة أيضًا، "فالعالم الماديّ بأكمله هو لغة محبّة الله، وعطفه علينا الذي لا يقاس. فالتربة والمياه والجبال هي الأسلوب الذي يدللنا الله من خلاله" (كن مسبَّحا، عدد 84)، وبالتالي فالسياحة والبيئة مرتبطان ارتباطًا وثيقًا. ولكن غالبًا ما نتصرّف كما وأننا لم نرى المشكلة. "هذا السلوك المراوغ يسمح لنا بالحفاظ على نمط الحياة والإنتاج والاستهلاك الذي اعتمدناه" (كن مسبَّحا، عدد 59). ومن خلال تصرفنا لا كأسياد وإنما "كمدبرين مسؤولين" (كن مسبَّحا، عدد 116)، تظهر الواجبات التي ينبغي على كل منا أن يجسّدها في أعمال ملموسة بدءًا من التشريع المُحدّد والمنسّق وصولاً إلى التصرفات اليومية البسيطة، مرورًا ببرامج تربويّة مناسبة ومشاريع سياحية مستدامة ترتكز إلى الاحترام. "فالروحانية المسيحية تقترح نموًا في الرزانة وقدرة على التمتّع بالقليل" (كن مسبَّحا، عدد 222).

وختم عميد المجلس البابوي لراعوية المهاجرين والمتنقلين الكاردينال أنطونيو ماريا فيليو رسالته بمناسبة اليوم العالمي للسياحة يمكن للقطاع السياحي أن يشكل فرصة لا بل مليار فرصة حتى في بناء دروب للسلام. مليار فرصة لتحويل السفر إلى خبرة وجوديّة. مليار فرصة لنصبح صانعي عالم أفضل، متيقنين للغنى الذي يحمله كل مسافر في حقيبته. مليار سائح ومليار فرصة لنصبح "أدوات الله الآب لكي يصبح كوكبنا مثلما حلم به الله عندما خلقه ويتجاوب مع مشروعه للسلام والجمال والكمال" (كن مسبَّحا، عدد 53).

 








All the contents on this site are copyrighted ©.