2015-06-13 14:07:00

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزَّمان: قال يَسوعُ للجموع: "مَثَلُ مَلَكوتِ اللهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ يُلْقي البَذْرَ في الأَرض. فسَواءٌ نامَ أو قامَ لَيلَ نَهار، فالبَذْرُ يَنبُتُ ويَنمي، وهو لا يَدري كيفَ يَكونُ ذلك. فَالأَرضُ مِن نَفسِها تُخرِجُ العُشبَ أَوَّلاً، ثُمَّ السُّنُبل، ثُمَّ القَمحَ الَّذي يَملأُ السُّنبُل. فما إِن يُدرِكُ الثَّمَرُ حتَّى يُعمَلَ فيه المِنجَل، لأنَّ الحَصادَ قد حان". وقال: "بِماذا نُشَبِّهُ مَلَكوتَ الله، أَو بِأَيِّ مَثَلٍ نُمَثِّلُه؟ إِنَّه مِثلُ حَبَّةِ خَردَل: فهِيَ، حينَ تُزرَعُ في الأَرض، أَصغَرُ سائرِ البُزورِ الَّتي في الأَرض. فإِذا زُرِعَت، اِرتَفَعَت وصارَت أَكبَرَ البُقولِ كُلِّها، وأَرسَلَت أَغْصانًا كَبيرة، حتَّى إِنَّ طُيورَ السَّماءِ تَستَطيعُ أَن تُعَشِّشَ في ظِلِّها". وكانَ يُكَلِّمُهُم بِأَمْثالٍ كَثيرةٍ كهذِه، لِيُلْقِيَ إِلَيهم كلِمةَ الله، على قَدرِ ما كانوا يَستَطيعونَ أَن يَسمَعوها. ولَم يُكَلِّمْهُم مِن دُونِ مَثَل، فَإِذا انفَرَدَ بِتَلاميذِه فَسَّرَ لَهم كُلَّ شَيء (مرقس 4، 26- 34).

للتأمل

تقدّم لنا الكنيسة قراءات هذا الأحد كرسالة رجاء لا سيما في هذه المرحلة الزمنيّة التي نعيشها اليوم، فالإنسان يعاني، تحت تأثير وسائل الإعلام أو بسبب الضغوط السياسيّة الراهنة، من الشعور بالشلل، القلق والإحباط، فيأتي الله ليقول له في القراءات التي تقدمها لنا الليتورجية من سفر حزقيال ومن الإنجيلي مرقس: إن الغصن الأخضر اليافع، لكنّه هشّ، الذي سآخذه من ناصية الأرز العالي، لأغرسه في مكان آخر، لن يموت ولن ييبس ولكنّه سيُنشئ أغصاناً جديدة، ويُعطي ثمراً ويصير أرزاً جليلاً، فيأوي كلّ طائر في ظل أغصانه ويكون الناس بأمان. وفي الإطار عينه يكلمنا مزمور اليوم ويقول الكلام نفسه: "ٱلصِّدّيقَ مِثلَ ٱلنَّخلِ يَزهو وَنَظيرَ أَرزِ لُبنانَ يَنمو، وَٱلمَغروسونَ في بَيتِ ٱلمَولى يُزهِرونَ في دِيارِ إِلَهِنا... لا يَزالونَ في ٱلمَشيبِ يُثمِرون وَيَظَلّونَ يَزهونَ وَيَنضُرون، وَيُعلِنونَ أَنَّ ٱلرَّبَّ مُستقيم وَأَنَّ لا ظُلمَ لَدى ٱللهِ صَخرَتي".

وكأنّ الله يقول لنا: "ثِق بي! إني أنا الرب وضعتُ الشجر العالي ورفعتُ الشجر الوضيع". كما أنشدت العذراء مريم أمام أليصابات نسيبتها: "تُعَظِّمُ الرَّبَّ نَفْسي وتَبتَهِجُ روحي بِاللهِ مُخَلِّصي لأَنَّه نَظَرَ إِلى أَمَتِه الوَضيعة... كشَفَ عَن شِدَّةِ ساعِدِه فشَتَّتَ المُتَكَبِّرينَ في قُلوبِهم. حَطَّ الأَقوِياءَ عنِ العُروش ورفَعَ الوُضَعاء".

إنّ ملكوت الله ليس كالمُلك الأرضي، الّذي تُقاس أهمّيّته بقوّة الأسلحة ومتانة السوق الاقتصاديّة.  فوجود ملكوت الله في وسائل الإعلام شبه معدوم ولا يتمّ قياسه عن طريق الإحصائيّات والميزانيّات؛ لكنّه ينمو داخل القلوب. إنّه لا يفرض نفسه، كأرزةٍ شامخة، على رؤوس الجبال. فهو لا يظهر غالباً إلا كحبّة خردل، ليست أكبر من رأس الدبوس؛ لكنّها تخفي في داخلها قوّة نموّ ديناميكيّة وإمكانيّات لا محدودة. لا تأسف من واقع أنّه ليس لديك إمكانيّات شجرة أرز على قمّة جبل؛ لا تشعر بالمرارة لأنّك لست إلاّ شُجيرة صغيرة في قعر الوادي. هل تعتقد أنّ الله يُفضّل شجرة الأرز على وردة صغيرة تختفي بين الأوراق؟ وبدلاً من أن تعيش الأسى والخيبة، كُن أفضل شُجيرة مختبئة في قعر الوادي. يقول القديس بولس في قراءة اليوم: "إنّنا نطمح، سواءً قمنا في هذا الجسد أم هجرناه، - أن ننال رضى الرب".

لذلك لا تقلق كثيراً من أجل معرفة متى سيُعطي البذار ثماره، ومتى سيكون أوان الحصاد. فذلك ليس بعد أربعة أشهر. إرفع عينيك وسترى الحقول وقد ابيضّت للحصاد. وبدلاً من أن تدَع الضغوطات والإحباطات تشلُّ حركتكَ، أقطُف ثمر كلّ يوم. "أزهِر حيث تزرع!". ولتكن لديك الثقة بحضور الله الخفيّ وملكوته. إعمَل، هنا واليوم، بكلّ الإمكانيات الّتي لديك. هناك بذرة عالم أفضل تنمو، نهاراً وليلاً، إن كنتَ ساهراً أو نائماً. إنّها تنمو في الاحترام الّذي تُبديه للآخرين، في إخلاصكَ لعملكَ، في الحبّ الذي تُحبّ به عائلتكَ وبلادكَ. إنّ قراءات اليوم تحمل رسالة على قدرٍ كبير من الرجاء لهذا العالم الواقع تحت المِحَن.

لقد احتفلت الكنيسة يوم الجمعة بعيد قلب يسوع الأقدس؛ وفي هذا الإطار يمكننا أن ننظر، كجواب على مخاوفنا، إلى رسالة هذا "الّذي طعنوه". إنّ حبة الحنطة الّتي وقعت في الأرض لتحمل ثمراً كثيراً، تقول لنا، من أعلى الصليب: "تعالوا إليّ جميعاً أيها المُرهقون المٌثقلون، وأنا أُريحكم". فالسبيل الوحيد لكي ينمو ملكوت الله ولكي تُرفَع الشجرة الوضيعة وتأتي الطيور من كلّ لون، لتجد الأمان تحت ظلّها، هو أن نعيش، بالرغم من كلّ العنف والدمار، بقلب مفتوح ويدين مفتوحتين. وبالتالي فلا يمكن إلا لقوّة الحبّ أن تجعل أُمّةً تنتصب واقفةً، وترفعُ الشجرة الوضيعة، وتمنح الظلّ للمهمومين والمُحبطين. فإذا عشنا "بوداعة وتواضع القلب" فسيكون ملكوت الله هنا في وسطنا!








All the contents on this site are copyrighted ©.