2015-06-06 12:12:00

البابا فرنسيس يحتفل بالقداس الإلهي في استاد كوشيفو


ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت القداس الإلهي في استاد كوشيفو في سراييفو بحضور حشد كبير من المؤمنين وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة استهلّها بالقول: أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، في القراءات الكتابية التي سمعناها ترددت مرات عديدة كلمة "سلام". كلمة نبويّة بامتياز! السلام هو حلم الله، إنه مشروع الله للبشريّة والتاريخ، مع الخلق بأسره. وهو مشروع يلقى على الدوام معارضة من قبل الإنسان ومن قبل الشرير. وفي زمننا أيضًا يتعارض التوق إلى السلام والالتزام في بنائه مع واقع أن هناك في العالم العديد من النزاعات المسلّحة. إنها نوع من حرب عالميّة ثالثة "بشكل مُجزّأ"؛ وفي إطار الاتصالات العالميّة يمكننا أن نشعر بجوّ حرب.

تابع الأب الأقدس يقول: هناك من يريد أن يخلق هذا الجو ويحرّض عليه عمدًا، لاسيما أولئك الذين يبحثون عن التصادم بين ثقافات وحضارات مختلفة، والذين يستغلّون الحروب لبيع الأسلحة. لكن الحرب تعني أطفالاً ونساء ومسنين في مخيمات اللاجئين؛ تعني التهجيرَ القسريّ، تعني منازل وطرقات ومعامل مدمَّرة، وتعني خصوصًا القضاء على حياة العديد من الأشخاص. أنتم تعرفونها جيّدًا، لأنكم اختبرتموها هنا: كم من الوجع وكم من الدمار وكم من الألم! واليوم، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، ترتفع مرّة أخرى من هذه المدينة صرخة شعب الله وجميع الرجال والنساء ذوي الإرادة الصالحة: لا للحرب بعد اليوم!

أضاف الأب الأقدس داخل جو الحرب هذا وكشعاع شمس يخرق الغيوم، يتردد صدى كلمات يسوع في الإنجيل: "طوبى للساعين إلى السلام" (متى ٥، ۹). إنه نداء آنيٌّ على الدوام ويصلح لكل الأجيال. فهو لا يقول "طوبى للمبشرين بالسلام": لأنه بإمكان الجميع أن يعلنوه، حتى بطريقة منافقة لا بل كاذبة. لا. يقول "طوبى للساعين إلى السلام"، أي أولئك الذين يصنعونه. صنع السلام هو عمل حرفيّ: يتطلَّبُ شغفًا وصبرًا وخبرة وحزمًا. طوبى للذين يزرعون السلام من خلال أعمالهم اليوميّة ومواقفهم وتصرفاتهم في الخدمة والأخوّة والحوار والرحمة... فهؤلاء حقًّا "أبناء الله يدعون"، لأن الله يزرع السلام دائمًا وفي كلّ مكان؛ وفي ملء الأزمنة زرع ابنه في العالم لكي ننال السلام! صنع السلام هو عمل ينبغي أن نحمله إلى الأمام يوميًّا، خطوة بعد خطوة بدون أن نتعب أبدًا.

تابع الأب الأقدس يتساءل: كيف يمكن ذلك، كيف يُبنى السلام؟ لقد ذكرنا بهذا الأمر، وبطريقة جوهريّة، النبيّ أشعيا: "ويكون عمَلُ البِرِّ سلامًا" (أشعيا ۳۲، ۱۷)، أو "عمل البِرِّ سلام"، بحسب الترجمة اللاتينية للكتاب المقدس، والذي أصبح شعارًا معروفًا تبنّاه أيضًا بشكل نبوي البابا بيّوس الثاني عشر. السلام هو عمل البِر. وهنا أيضًا ليس البِِرّ الذي يُتغنّى به وينظّر ويُخطّط له... وإنما البِرُّ المُطبّق والمُعاش. ويعلّمنا العهد الجديد أن ملء تمام البِرّ هو محبة القريب حبّنا لنفسنا" (متى ۲۲، ۳۹؛ روما ۱۳، ۹). وكم تتغيّر الأمور عندما نتبع هذه الوصيّة بنعمة الله! لأننا نتغيّر بدورنا! وذاك الشخص وذاك الشعب الذي كنت أراه كعدوّ، لديه في الواقع وجهي وقلبي ونفسي، ولدينا الأب عينه في السماوات. وبالتالي فإن البِر الحقيقيّ هو أن أفعل لذاك الشخص أو ذاك الشعب ما أريد أن يفعله الآخرون لي ولشعبي (متى ۷، ۱۲).

أضاف البابا يقول في القراءة الثانية أشار إلينا القديس بولس المواقف الضروريّة لصنع السلام: "اِلبَسوا عَواطِفَ الحَنانِ واللُّطْفِ والتَّواضُع والوَداعةِ والصَّبْر. اِحتَمِلوا بَعضُكم بَعضًا، واصفَحوا بَعضُكم عن بَعضٍ إِذا كانَت لأَحَدٍ شَكْوى مِنَ الآخَر. فكما صَفَحَ عَنكُمُ الرَّبّ، اِصفَحوا أَنتُم أَيضًا" (كولوسي ۳، ۱۲- ۱۳). هذه هي المواقف لنكون "صانعي" سلام في الحياة اليوميّة وحيث نعيش. ولكن لا نخدعنَّ أنفسنا بأن هذا الأمر متعلّق بنا وحدنا! سنقع في سلوك أخلاقي وهمي. السلام عطية من الله، ليس بمعنى سحريّ، وإنما لأنه بإمكانه، مع روحه، أن يطبع هذه المواقف في قلوبنا وأجسادنا، وأن يجعل منا أدوات حقيقيّة لسلامه. وبالذهاب إلى العمق، يقول الرسول أن السلام عطيّة من الله لأنها ثمرة مصالحته معنا. فقط إن سمح لله بأن يصالحه يمكن للإنسان أن يصبح صانع سلام.

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول: أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، لنطلب من الرب اليوم معًا، بشفاعة العذراء مريم، نعمة أن يكون لدينا قلبًا متواضعًا، نعمة الصبر، نعمة الكفاح والعمل من أجل البرّ، ونعمة أن نكون رحماء ونصنع السلام، ونزرع السلام لا الحرب والخلاف. هذه هي المسيرة التي تجعلنا سعداء، وأهلاً للطوبى.                  








All the contents on this site are copyrighted ©.