2015-05-24 15:01:00

رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم الإرسالي العالمي ۲۰١٥


بمناسبة اليوم الإرسالي العالمي التاسع والثمانين والذي يُحتفل به في الأحد الأخير من شهر تشرين الأول من كل عام وجه قداسة البابا فرنسيس رسالة كتب فيها: يحتفل باليوم الإرسالي العالمي لعام ۲۰١٥ في إطار سنة الحياة المكرّسة مما يمنحه دافعًا للصلاة والتفكير. في الواقع، إذا كان كلُّ مُعمّد مدعوًا للشهادة للرب يسوع من خلال إعلانه لعطية الإيمان التي نالها، فهذا الأمر يصبح مُلحًا بشكل خاص للشخص المكرّس لأن الرابط بين الحياة المكرسة والرسالة قويّ جدًّا.

تابع الأب الأقدس إن البعد الإرسالي وإذ ينتمي لطبيعة الكنيسة نفسها، فهو   متأصل أيضًا في جميع أشكال الحياة المكرّسة وبالتالي لا يمكنها أن تهمله بدون أن تترك فراغًا يشوه موهبتها. فالرسالة هي جزء من "قاعدة" الإيمان، إنها أمر جوهريّ لمن يضع نفسه في الإصغاء لصوت الروح القدس الذي يهمس له "تعال" و"انطلق". فالذي يتبع المسيح لا يمكنه إلا أن يُصبح مرسلاً، وهو يعرف أن يسوع "يسير معه ويتكلّم معه ويتنفّس معه. ويشعر أن يسوع يعيش معه وسط التزامه الإرسالي" (الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل"، عدد ۲٦٦).

أضاف الحبر الأعظم الرسالة هي شغف ليسوع المسيح وفي الوقت عينه شغف للناس. فعندما نقف مصلّين أمام يسوع نعترف بعظمة محبّته التي تعطينا الكرامة وتعضدنا ونشعر أيضًا أنه يريد أن يستعين بنا ليقترب أكثر من شعبه الحبيب. ففي وصيّته "إذهبوا" توجد جميع السيناريوهات والتحديات الجديدة لرسالة الكنيسة التبشيريّة، والتي دُعي الجميع من خلالها لإعلان الإنجيل من خلال شهادة الحياة؛ والمكرسين، بشكل خاص، ليُصغوا إلى صوت الروح القدس الذي يدعوهم للانطلاق نحو ضواحي الرسالة الكبيرة، بين الناس الذين لم يصل الإنجيل إليهم.

تابع الأب الأقدس إن الذكرى الخمسين لصدور القرار المجمعي "إلى الأمم"، تدعونا لإعادة قراءة هذه الوثيقة والتأمل بها لاسيما وأنها ولّدت دفعًا إرساليًّا كبيرًا في مؤسسات الحياة المكرّسة. إن الرغبة الإرساليّة للعديد من الجمعيات الرهبانيّة والتي انبثقت من المجمع الفاتيكاني الثاني تحققت من خلال انفتاح رائع على الرسالة إلى الأمم والتي اقترنت غالبًا بقبول الإخوة والأخوات القادمين من أراض وثقافة تم اللقاء بهم خلال حمل البشارة، وبالتالي يمكننا اليوم أن نتحدّث عن انتشار تعددية ثقافيّة في الحياة المكرسة. ولهذا الأمر بالذات من الأهمية بمكان أن يعود نموذج الرسالة إلى محوره: يسوع المسيح، مع متطلباته: بذل الذات بالكامل في إعلان الإنجيل؛ ولا يمكن لهذا الأمر أن يقبل مساومات وتنازلات: لأن الذي يقبل الرسالة، بفضل نعمة الله، مدعو ليعيش الرسالة بدوره. وبالتالي يصبح إعلان المسيح بالنسبة لهؤلاء الأشخاص أسلوب عيشهم لإتباعه والمكافأة على تعبهم وحرمانهم.

لذلك، أضاف البابا فرنسيس، فإن المنشئين في المؤسسات الإرسالية مدعوون لينشئوا بوضوح وصدق على هذا المنظور للحياة والعمل وليكونوا حازمين في تمييز الدعوات الإرسالية الأصيلة. أتوجه بشكل خاص إلى الشباب الذين لا يزالون قادرين على تقديم شهادات شجاعة وأعمال سخيّة وأحيانًا بعكس التيّار: لا تسمحوا لأحد أن يسلبكم حلم رسالة حقيقيّة وإتباعًا ليسوع يتطلب منكم تقدمة كاملة للذات.

وتابع الحبر الأعظم يقول إن الرسالة اليوم قد وُضعت إزاء تحدي احترام حاجة جميع الشعوب للانطلاق من جذورهم والحفاظ على قيم ثقافاتهم الخاصة. وبالتالي ينبغي معرفة واحترام التقاليد الأخرى والأنظمة الفلسفيّة، والاعتراف بحق كل شعب وثقافة بالحصول على مساعدة تقليدها في فهم سرّ الله وقبول إنجيل يسوع نور الثقافات والقوة التي تحوّلها. لذلك، أضاف البابا لنسأل أنفسنا في إطار هذه الديناميكية المعقّدة: "من هم أول من ينبغي علينا أن نحمل لهم رسالة الإنجيل؟". الجواب واضح ونجده في الإنجيل نفسه: الفقراء والصغار والمرضى والذين غالبًا ما يُنسون ويُستهزأ بهم والذين "ليس بإمكانهم أن يكافئوك" (لوقا ۱٤، ١۳- ۱٤). فأن تكون البشارة موجهة لهؤلاء الأشخاص بشكل خاص هي العلامة للملكوت الذي حمله يسوع إلينا: "هناك رباط لا ينفصل بين إيماننا والفقراء" (الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل"، عدد ٤۸). وهذا الأمر ينبغي أن يكون واضحًا بالنسبة للأشخاص الذين يعتنقون الحياة المكرسة الإرساليّة: فبنذر الفقر هم يختارون إتباع المسيح في خياره هذا، ليس بشكل إيديولوجي، وإنما متشبهين، على مثاله، بالفقراء فيعيشون مثلهم في حياة فقر يوميّة وفي التخلّي عن أي شكل من أشكال السلطة ليصبحوا إخوة وأخوات للأخيرين ويحملوا لهم شهادة فرح الإنجيل وعلامة محبة الله.

وختم البابا فرنسيس رسالته بمناسبة اليوم الإرسالي العالمي التاسع والثمانين بالقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، الإنجيل هو شغف المُرسل. وكما يؤكّد القديس بولس: "الويل لي إن لم أُبشِّر!" (۱ كور ۹، ١٦)، فالإنجيل هو مصدر الفرح والتحرّر والخلاص لكل إنسان؛ والكنيسة تدرك جيّدًا معنى هذه العطيّة ولذلك فهي لا تكلّ أبدًا من أن تعلن للجميع: " ذاك الَّذي كانَ مُنذُ البَدْء، ذاك الَّذي سَمِعناه، ذاك الَّذي رَأَيناهُ بِعَينَينا، ذاكَ الَّذي تَأَمَّلناه، ولَمَسَتْه يَدانا مِن كَلِمَةِ الحَياة" (۱يوحنا ١، ۱). إن رسالة خدام الكلمة – الأساقفة والكهنة والرهبان والعلمانيين – هي بأن يسمحوا للجميع، بدون استثناء، أن يدخلوا في علاقة شخصيّة مع المسيح. ففي حقل عمل الكنيسة الإرسالي الواسع، كل مُعمّد مدعوٌّ ليعيش التزامه بأفضل شكل ممكن وبحسب حالته. وفي هذا الإطار يمكن للمكرسات والمكرسين أن يقدّموا جوابًا سخيًّا لهذه الدعوة الشاملة من خلال حياة صلاة عميقة واتحادهم بالرب وذبيحته التي افتدانا بها.        








All the contents on this site are copyrighted ©.