2015-03-08 10:28:00

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


اقتَرَبَ فِصحُ اليَهود، فصَعِدَ يسوعُ إِلى أُورَشَليم، فَرَأَى في الهَيكَلِ باعةَ البقَرِ والغَنَمِ والحَمام، والصَّيارِفَةَ جالِسين إلى طاولاتِهم. فَصَنَعَ مِجلَدًا مِن حِبال، وطَرَدَهم جَميعًا مِنَ الهَيكَلِ مع الغَنَمِ والبَقَر، ونَثَرَ دَراهِمَ الصَّيارِفَةِ وقلَبَ طاوِلاتِهم، وقالَ لِباعَةِ الحَمام: "اِرفَعوا هذا مِن ههُنا، ولا تَجعَلوا مِن بَيتِ أَبي بَيتَ تِجارَة". فتَذَكَّرَ تلاميذُه أَنَّه مَكْتوب: "الغَيْرَةُ على بَيتِكَ ستَأكُلُني". فأجابَه اليَهود: "أَيَّ آيةٍ تُرينا حتَّى تَفْعَلَ هذا؟" أَجابَهم يسوع: "اُنقُضوا هذا الهَيكَل أُقِمْهُ في ثَلاثَةِ أَيَّام!" فقالَ اليَهود: "بُنِيَ هذا الهَيكَلُ في سِتٍّ وأَربَعينَ سَنَة، أوَأَنتَ تُقيمُه في ثَلاَثةِ أيَّام؟" أَمَّا هو فكانَ يَعْني هَيكَلَ جَسَدِه. فلمَّا قامَ مِن بَينِ الأَموات، تذكَّرَ تَلاميذُه أَنَّه قالَ ذلك، فآمنوا بِالكِتابِ والكَلِمَةِ الَّتي قالَها يسوع. ولمَّا كانَ في أُورَشَليمَ مُدَّةَ عيدِ الفِصْح، آمَنَ بِاسمِه كثيرٌ مِنَ النَّاس، لمَّا رَأَوا الآياتِ الَّتي أَتى بِها. غَيرَ أَنَّ يسوعَ لم يَطمَئِنَّ إِلَيهم، لأِنَّه كانَ يَعرِفُهم كُلَّهم ولا يَحتاجُ إِلى مَن يَشهَدُ لَه على الإِنسان، فقَد كانَ يَعلَمُ ما في الإِنسان (يوحنا 2، 13- 25).

للتأمل

حين طرد يسوع الباعة من الهيكل، تذكّر التلاميذ أَنَّه مَكْتوب: "الغَيْرَةُ على بَيتِكَ ستَأكُلُني". واليوم، ونحن في مسيرة الصوم، نتساءل ما هو الهيكل الّذي يجب أن ننقّيه من الدنس. هل هو بناء الكنيسة الحجريّ والنشاطات الّتي تُقامُ فيها أم جسدي لأنّ القدّيس بولس يقول: أما تعلمون أنّ أجسادكم هي هياكل للروح القدس؟ ربّما علينا أن ننقّي الاثنين، ولكنّنا في فترة الصوم هذه مدعوّون إلى أن نبدأ بذواتنا. فالكنيسة ليست بناءً حجريّاً، بل هي جماعة من المؤمنين. ومع قدوم المسيح، لم تعد عبادة الله محصورةً في مكانٍ معيّن، بل في حالةٍ معيّنة. فلم يعد المسيحيّون يعبدون الله هنا أو هناك، بل بالروح والحقّ. والأماكن الّتي يجتمعون فيها هي وسائل تساعد على عبادة الله بالروح والحقّ. الإنسان هيكل الله. ولكنّ هذا الهيكل يتحوّل أحياناً إلى سوق: بيع وشراء وضجيج ومساومة. وسوف نتكلّم اليوم على الضجيج والمساومة.

نحن نعيش في عالم ضجيج: ضجيج بصريّ من الإعلانات الّني غزت حتّى الريف الهادئ، وضجيج سمعي من الأغاني والصخب والبرامج التلفزيونيّة وأصوات هدير المحرّكات، وضجيج رئويّ نستنشق به جميع أنواع السموم. وفي وسط هذا الضجيج لم نعد نسمع صوت الله. بل نسمع صوت الباعة الّذين يحاولون إغراءنا بشتّى الوسائل لنشتري ونشتري من دون أن نشعر بالاكتفاء. ضجيج يحارب فضيلةً من الفضائل الرئيسيّة وقلّما نذكرها: إنّها فضيلة القناعة. ضجيج يحثّنا على اعتبار القناعة كسلاً وخمولاً، ويروّج للطمع والشراهة، فيحثّنا على أن نستهلك ما لسنا بحاجةٍ إليه.

وإذ لا نستطيع شراء كلّ ما نشتهيه، نبدأ المساومة مع الله: أقدّم لك هذا لترزقني ذاك. أعطيكَ كي تعطيني. فعكسنا بذلك منطق الأمور، وجعلنا الله متفرّجاً لا يفعل شيئاً إن لم نبادر ونفعل نحن شيئاً. وبدل أن نسعى إلى تلبية حاجات الله، صرنا نطلب منه أن يلبّي حاجاتنا. لذلك يفتتح الربّ وصاياه العشر بوصيّةٍ طالما طمسنا معناها: أنا هو الربّ إلهك الّذي أخرجكَ من أرض مصر. أنتَ لم تفعل شيئاً، ولم تتوقّع حتّى أن أفعل لك شيئاً. فالمبادرة صدرت منّي، وحرّرتُكَ، والآن أطلب منكَ المقابل، كي تكون بيني وبينك علاقة تبادليّة لا علاقة استهلاكيّة. كثيراً ما نهمل عبارة: الّذي أخرجكَ من أرض مصر. فتتحوّل الوصيّة إلى: أنا هو الربّ إلهكَ لا يكن لكَ إله غيري. وكأنّ الله يأمر بدون أن يحرّكَ ساكناً.

في فترة الصوم هذا، علينا أن نقوّم المسار. وبدل أن ندخل إلى الهيكل، الكنيسة أو ذواتنا، لنأمر الربّ أو نطلب منه حاجاتنا، نقف أمامه بتواضعٍ وانسحاق قلبٍ ونقول: بماذا تأمر عبدكَ يا رب. أنتَ الّذي تطلب لا أنا. فأنت السيّد ولستُ أنا، أنت الّذي غمرتني بنعمكَ، وها أنذا أمامكَ لأقول لك ماذا تريد، لأتساءل: بماذا أردّ للربّ على جميع أنعامه عليّ.

إنّ طرد الباعة من داخلنا يتطلّب هذين الموقفَين: إسكات الضجيج، وعدم المساومة مع الله، بل الوقوف في حضرة القدّوس مستعدّاً لسماع صوته وتلبية حاجاته، لأنّني صائم، أي ابتعدتُ عن كلّ حاجاتي، تركتها، هجرتُها، أهملتُها، لأهتمّ بحاجات الربّ.








All the contents on this site are copyrighted ©.