2014-12-17 13:40:00

في مقابلته العامة البابا فرنسيس: تدعونا عائلة الناصرة إلى إعادة اكتشاف دعوة العائلة ورسالتها


أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان والذي يحتفل  فيه الأب الأقدس أيضًا بعيد ميلاده الثامن والسبعين، وقد استهل تعليمه الأسبوعي بالقول: أيُّها الإخوةُ والأخواتُ الأعزّاءُ، لقد شَكَّلَ سينودسُ الأساقفةِ حولَ العائلةِ المرحلةَ الأولى من مسيرةٍ ستُختتمُ في تشرينَ الأولِ (أكتوبر) المقبلِ بانعقادِ جمعيّةٍ أُخرى حولَ موضوعِ "دعوةُ العائلةِ ورسالتُها في الكنيسةِ والعالمِ"، وبالتالي ينبغي على التأمُّلِ والصلاةِ أنْ يرافقا هذه المسيرةِ ويشملا شعبَ اللهِ بأسرِهِ. أرغبُ أيضًا بأنْ تدخلَ تعاليمُ مقابلاتِ الأربعاءِ في هذهِ المسيرةِ المشتركةِ. لذلكَ قررتُ أنْ أتأمَّلَ معكُم خلالَ هذا العامِ حولَ العائلةِ، هذه العطيةُ الكبيرةُ التي أعطاها الربُّ منذُ البدءِ للعالمِ، مُذْ أَوْكَلَ لآدمَ وحوّاءَ مهمةَ أنْ يكثرا ويملآ الأرضَ (راجع تكوين ١، ٢٨). هذه العطيةُ التي ثبّتَها يسوعُ وختمَها في إنجيلِهِ.

تابع البابا فرنسيس يقول إنَّ اقترابَ عيدِ الميلادِ يُسَلِّطُ الضوءَ بقوّةٍ على هذا السرِّ. وتجسّدُ الإبنِ يفتتحُ بدايةً جديدةً في تاريخِ الرجلِ والمرأةِ الكونيِّ. وهذهِ البدايةُ الجديدةُ تحدثُ في وسْطِ عائلةٍ في الناصرةِ. فيسوعُ قد وُلِدَ في عائلةٍ... لقد كانَ باستطاعتِهِ أنْ يأتي كشعاعٍ أو كإنعكاسٍ، كمُحاربٍ أو كإمبراطورٍ... ولكنّهُ يأتي كابنٍ في عائلةٍ. وهذا أمرٌ بالغُ الأهميّةِ. لقدِ اختارَ اللهُ أنْ يُولَدَ في عائلةٍ بشريّةٍ أسّسَها بنفسهِ، في قريةٍ نائيةٍ في ضواحي الإمبراطوريّةِ الرومانيّةِ. لا في روما التي كانتْ عاصمةُ الإمبراطوريّةِ، ولا في مدينةٍ كبيرةٍ، وإنّما في ضاحيةٍ مخفيَّةٍ نوعاً ما لا بل سيّئةِ السُمعةِ. وهذا الأمرُ تذكرُهُ الأناجيلُ أيضًا كمقولةِ: "أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمكِنُ أَن يَخرُجَ شَيٌ صالِحٌ ؟" (يوحنا ١، ٤٦). ربَّما، في أنحاءٍ كثيرةٍ منَ العالمِ، لا نزالُ نحنُ أيضًا نتكلّمُ على هذا النحوِ عندما نسمعُ باسمِ مكانٍ في ضواحي مدينةٍ كبيرةٍ. من هناكَ إذًا، من هذه الضاحيةِ في الإمبراطوريَّةِ الكبيرةِ بدأتِ القصّةُ الأكثرُ قداسةً وصلاحًا، قصةُ يسوعَ بينَ البشرِ! وهناكَ وُجِدَتْ هذه العائلةُ.

أضاف الحبر الأعظم لقد أقامَ يسوعُ في تلكَ الضاحيةِ لمدةِ ثلاثينَ عامًا. ويُلخّصُ لوقا الإنجيليُّ هذهِ المرحلةِ على الشّكلِ التالي: كانَ يسوعُ "طائِعاً لَهُما [أي مريم ويوسف] – قد يقولُ لي أحدُكُم: "ولكنّ هذا الإلهَ الآتيَ ليُخلّصَنا قد أمضى ثلاثينَ عامًا في تلكَ الضّاحيةِ السيّئةِ السُمعةِ؟" نعم، لقد أمضى ثلاثين عامًا! هذا ما أرادَهُ، لأنَّ مسيرةَ يسوعَ كانتْ في تلكَ العائلةِ – وكانَتْ أُمُّهُ تَحفظُ تِلكَ الأُمورَ كُلَّها في قَلبِها. وكانَ يسوعُ يَتسامى في الحِكمَةِ والقامَةِ والحُظْوَةِ عِندَ اللهِ والنَّاس" (لوقا 2، 51- 52). فما من ذكرٍ لعجائبَ أو شفاءاتٍ، أو بشارةٍ، فهوَ لم يبشّرْ أبدًا في ذلكَ الوقتِ؛ ولا يوجدُ أيُّ ذكرٍ لبشارةٍ أو لجموعٍ تجدُّ وتسرعُ؛ لقد كانَ كلُّ شيءٍ في الناصرةِ يبدو "طبيعيًّا"، بحسبِ عاداتِ أيّ عائلةٍ يهوديّةٍ عاملةٍ وتقيّةٍ.

تابع الأب الأقدس يقول: الجميعُ كانَ يعملُ: الأمُّ تطبخُ وتهتَّمُ بأمورِ البيتِ... وتقومُ بكُلِّ ما تقومُ بهِ الأمّهاتِ. الأبُ نجارٌّ يعملُ ويعلِّمُ ابنَهُ المهنةَ لمدّةِ ثلاثينَ عامًا. قد يقولُ لي أحدُكُم: "ولكنّ يا أبتِ، إنَّها إضاعةٌ للوقتِ!" لا! ولنْ نتمكَّنَ من معرفةِ ذلكَ أبدًا لأنَّ دروبَ الربِّ سريّةٌ. والأهمُّ في هذا كلِّه كانتْ العائلةُ! وهي ليستْ مضيعَةٌ للوقتِ، فيوسفُ ومريمُ هما قدّيسَينِ عظيمَينِ: مريمُ المرأةُ الكليَّةُ القداسةِ البريئةُ من الدّنسِ، ويوسفُ الرجلُ البارُّ... قد نتأثّرُ بالتأكيدِ بروايةِ يسوعَ المراهقِ في تعايشِهِ مع مواعيدِ الجماعةِ الدينيّةِ وواجباتِ الحياةِ الاجتماعيّةِ؛ وبمعرفةِ كيفَ كانَ يعملُ كشابٍ معَ يوسفَ، وبطريقةِ مشاركتِهِ في الإصغاءِ للكتبِ وصلاةِ المزاميرِ كما في عاداتٍ أخرى من الحياةِ اليوميّةِ. إنَّ الأناجيلَ بدقَّتِها لا تخبرُنا شيئًا عن مراهقةِ يسوعَ وتتركُ هذه المهمةَ لتأمّلِنا، وقد اجتازَ الفنُّ والأدبُ والموسيقى دربَ التصوّرِ هذه.

أضاف البابا فرنسيس يقول: منَ المؤكَّدِ أنَّهُ لا يصعبُ علينا أنْ نتصوّرَ كم يمكنُ للأمّهاتِ أنْ يتعلّمنَ من عنايةِ مريمَ بابنِها! وكم منَ الآباءِ يمكنُهم أنْ يتعلّموا من مَثَلِ يوسفَ، الرجلُ البارُّ، الذي كرّسَ حياتَهُ لمؤازرةِ وحمايةِ الطفلِ والزوجةِ – عائلته – في المراحلِ الصعبةِ! وكم منَ الشّبابِ يمكنُ ليسوعَ المراهقِ أنْ يشجّعَهُم ليفهموا ضرورةَ وجمالَ تنميةِ دعوتِهم الأكثرَ عمقًا ويتوقوا للأمور العظمى. ويسوعُ قد نمّى خلالَ هذهِ السنواتِ الثلاثين الدعوةَ التي أرسلَهُ الآبُ من أجلها، اللهُ الآبُ. وفي تلكَ المرحلةِ لم يفقدْ يسوعُ الشّجاعةَ أبدًا، بل كانَ ينمو قُدُمًا برسالتِهِ بشجاعةٍ. 

تابع الأب الأقدس يقول: يمكنُ لكلِّ عائلةٍ مسيحيّةٍ أولاً – كما فعلَ يوسفُ ومريمُ – أنْ تستقبلَ يسوعَ وتصغيَ إليهِ وتكلّمَهُ، تحفظَهُ وتحميَهُ وتنموَ معهُ لتجعلَ العالمَ أفضلَ. لنُفسِحِ المجالَ في قلوبِنا ويوميّاتنا للربّ. هكذا فعلَ أيضًا يوسفُ ومريمُ ولم يكنِ الأمرُ سهلاً: كمْ منَ الصعوباتِ وجبَ عليهما تخطّيها! لم تكنْ عائلةً وهميّةً. إنَّ عائلةَ الناصرةِ تدعونا إلى إعادةِ اكتشافِ دعوةَ العائلةِ ورسالتَها، كلُّ عائلةٍ. وكما حدثَ خلالَ تلكَ السنواتِ الثلاثينَ في الناصرةِ يمكنُ أنْ يحدُثَ معنا نحنُ أيضًا: أنْ نجعلَ الحُبَّ أمرًا طبيعيًّا لا الحقدَ، أن نجعلَ المساعدةَ المتبادَلَةَ أمرًا مألوفًا، لا عدمَ المبالاةِ أو العداوةِ. فليسَ من قبيلِ الصدفةِ أنْ يكونَ معنى كلمةِ الناصرةِ "تلكَ التي تحفظُ"، على مثالِ مريمِ التي – يقولُ عنها الإنجيلُ – "كانت تَحفُظُ تِلكَ الأُمورَ كُلَّها في قَلبِها" (لوقا ٢، ١٩. ٥١).

وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول: منذ ذلك الحين، كلَّ مرةٍ نجدُ عائلةً تحفظُ هذا السرَّ، حتى ولو كانتْ تقيمُ في ضواحي العالمِ، فإنَّ سرَّ ابنِ اللهِ، سرُّ يسوعَ الذي يأتي لخلاصِنا، يعملُ. وإنَّهُ آتٍ ليخلِّصَ العالمَ. وهذه هي رسالةُ العائلةِ الكبيرةِ: أنْ تُفسِحَ مجالاً ليسوعَ الآتي، وأنْ تقبلَ يسوعَ في كنفِها في شخصِ الأطفالِ والزوجِ والزوجةِ والأجدادِ إذْ أنّ يسوعَ فيهم. لنقبلَهُ إذًا لينموَ روحيًّا في عائلاتِنا. لنطلبْ منَ الربِّ هذهِ النعمةَ في هذهِ الأيّامِ الأخيرةِ قبلَ الإحتفالِ بعيدِ الميلادِ. 








All the contents on this site are copyrighted ©.