2014-11-29 15:59:00

البابا فرنسيس: الروح القدس هو الذي يصنع وحدة الكنيسة في الإيمان، والمحبة والتماسك الداخلي.


ترأس قداسة البابا فرنسيس عصر اليوم السبت في كاتدرائية الروح القدس في اسطنبول قداسًا إلهيًّا تخلّلته صلوات بلغات عدّة بينها الأرمنية والتركية والآرامية والسريانية وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها: للإنسان المتعطش للخلاص، يقدم يسوع نفسه في الإنجيل كالينبوع الذي نستقي منه والصخرة التي يُخرج منها الآب أنهارًا من الماء الحيّ لجميع الذين يؤمنون به (راجع يوحنا 7، 38). وبهذه النبوءة التي أعلنها في أورشليم، يمهّد يسوع لعطيّة الروح القدس التي سينالها تلاميذه بعد أن يُمجّد، أي بعد موته وقيامته (راجع يوحنا 7، 39).

تابع البابا يقول: إن الروح القدس هو روح الكنيسة. فهو يعطي الحياة ويحرّك المواهب المتعددة التي تغني شعب الله ولاسيما يخلق الوحدة بين المؤمنين: فيجعل من الكثيرين جسدًا واحدًا، جسد المسيح. فحياة الكنيسة كلها ورسالتها متعلقتان بالروح القدس، إذ أنه يحقق كل شيء. وإعلان الإيمان نفسه، كما يذكرنا القديس بولس اليوم في القراءة الأولى، هو ممكن فقط بإلهام الروح القدس: "ولا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يَقول: "يَسوعُ رَبٌّ" إِلاَّ بِإِلهامٍ مِنَ الرُّوحِ القُدُس" (1 كور 12، 3). فحين نصلّي فلأن الروح القدس يحرّك الصلاة في القلب. وعندما نكسر دائرة أنانيتنا ونخرج من ذواتنا ونقترب من الآخرين للقائهم والإصغاء إليهم ومساعدتهم، فذلك لأن روح الله هو الذي يدفعنا. وعندما نكتشف في داخلنا قدرة على مسامحة ومحبة من لا يحبنا، فذلك لأن الروح القدس قد استحوذ علينا. وعندما نذهب أبعد من كلمات اللياقة ونتوجّه إلى إخوتنا بذاك الحنان الذي يدفئ القلب، فبالتأكيد لأن الروح القدس قد لمسنا.

أضاف الحبر الأعظم: صحيح أن الروح القدس يحرّك المواهب المتعددة في الكنيسة؛ فظاهريًا قد يبدو أن هذا الأمر يخلق اضطرابًا، ولكن في الواقع، وبإرشاده يشكل غنى كبيرًا، لأن الروح القدس هو روح الوحدة التي لا تعني التطابق. ووحده الروح القدس قادر على تحريك التنوّع والتعددية، وفي الوقت عينه، على صنع الوحدة. فعندما نريد أن نصنع التنوع وننغلق في الخاص والحصري نحمل عندها الانقسام، وعندما نريد الوحدة بحسب المخططات البشرية ننتهي بحمل التطابق والتجانس. ولكن إذا سمحنا للروح القدس بأن يقودنا، فلا يشكل عندها الغنى والتنوع والتعددية خلافًا لأن الروح يدفعنا لعيش التنوع في شركة الكنيسة.

إن تعدد الأعضاء والمواهب، تابع البابا فرنسيس يقول، يجد مبدأه المتناغم في روح المسيح الذي أرسله الآب ويستمر في إرساله ليحقق الوحدة بين المؤمنين. فالروح القدس يصنع وحدة الكنيسة: وحدة في الإيمان، وحدة في المحبة ووحدة في التماسك الداخلي. فالكنيسة مدعوة مع الكنائس للسماح للروح القدس بأن يقودها، من خلال وضع ذاتها في موقف انفتاح ووداعة وطاعة. وأضاف: إنها نظرة رجاء ولكنها متعبة في الوقت عينه بقدر ما توجد فينا تجربة مقاومة الروح القدس لأنه يزعزع ويحرك، يسيّر ويدفع الكنيسة للمضي قدمًا. إنه على الدوام سهل ومريح أن نسترخي في مواقفنا الجامدة والتي لا تتغيّر. في الواقع، تظهر الكنيسة أمينة للروح القدس بمقدار ما تتخلى عن الإدعاء بضبطه وترويضه. ونحن المسيحيين نصبح تلاميذًا مرسلين حقيقيين قادرين على مساءلة الضمائر إن تخلّينا عن الأسلوب الدفاعي لنسمح للروح القدس بأن يقودنا. فهو نضارة، إبداع وتجدّد.

يمكن لدفاعاتنا أن تظهر مع الانغلاق المفرط على أفكارنا وقوانا – لكن هكذا ننزلق في البيلاجيانية - أو في موقف طموح وغرور. هذه الأساليب الدفاعية تمنعنا من فهم الآخرين حقًّا والانفتاح على حوار صادق معهم. لكن الكنيسة – المنبثقة من العنصرة - تنال نار الروح القدس الذي لا يملأ العقل بالأفكار فقط بل يُضرم القلب أيضًا؛ هي ملتحفة بالروح الذي لا ينقل سلطة بل يعدُّ لخدمة محبّة ولغة يمكن لكل فرد أن يفهمها. خلال مسيرتنا في الإيمان والحياة الأخوية، وكلما سمحنا بتواضع للروح القدس بأن يقودنا، تمكنّا أكثر من تخطي عدم التفهم والانقسامات والخلافات ونصبح علامة صادقة للوحدة والسلام.

تابع الحبر الأعظم يقول: بهذا اليقين الفرح، أعانقكم جميعًا أيها الأخوات والإخوة الأعزاء: بطريرك السريان-الكاثوليك، رئيس مجلس الأساقفة، النائب الرسولي المطران بيلاتر، وباقي الأساقفة والكهنة والشمامسة والأشخاص المكرسون والمؤمنون العلمانيّون الذين ينتمون إلى مختلف الجماعات والطقوس في الكنيسة الكاثوليكية. أحيي بمحبة أخوية بطريرك القسطنطينية برتلماوس الأول، ومتروبوليت السريان الأرثوذكس، النائب البطريركي للأرمن في اسطنبول ومسؤولي الجماعات البروتستانتية الذين أرادوا أن يصلوا معنا خلال هذا الاحتفال. أعبّر لهم عن امتناني لهذه العلامة الأخوية. أوجه أيضًا تحية محبة للبطريرك الأرمني  ميسروب الثاني، مؤكدًا له صلاتي.

وختم الأب الأقدس عظته في كاتدرائية الروح القدس في اسطنبول بالقول: أيها الإخوة والأخوات، نتوجّه بفكرنا إلى العذراء مريم، أم الله. ومعها، هي التي صلّت في العليّة مع الرسل بانتظار العنصرة، لنرفع الصلاة إلى الرب كي يرسل روحه القدوس إلى قلوبنا ويجعلنا شهودًا لإنجيله في العالم بأسره.








All the contents on this site are copyrighted ©.