2014-11-25 12:42:00

خطاب البابا فرنسيس إلى أعضاء البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ


قام البابا فرنسيس هذا الثلاثاء بزيارة إلى ستراسبورغ حيث يوجد مقرا البرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا. ست وعشرون سنة مضت على الزيارة التي قام بها إلى ستراسبورغ البابا يوحنا بولس الثاني في الحادي عشر من تشرين الأول أكتوبر 1988. خلال الربع قرن الماضي تبدل العالم كثيرا، إذ بات مترابطا مع بعضه أكثر من السابق وأصبح العالم معولما، ويبدو أن القارة الأوروبية صارت اليوم قديمة. لذا يريد البابا فرنسيس ـ من خلال هذه الزيارة ـ أن يبعث برسالة أمل وتشجيع للبرلمانيين الأوروبيين فقد أكد لهم أن الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي وضعوا الشخص البشري محورا لمشروعهم هذا ولم ينظروا إليه كمواطن وحسب بل أيضا كشخص يتمتع بكرامة متسامية. وقد اتضحت الحاجة الملحة للتشديد على أهمية الكرامة البشرية وحقوق الإنسان في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

وأكد البابا فرنسيس أن مسألة تعزيز حقوق الإنسان تحتل اليوم مكانة مركزية في التزامات الاتحاد الأوروبي، لكن ما تزال توجد اليوم أوضاع كثيرة يُعامل فيها الأشخاص كسلع ثم يُطرحون جانبا عندما يصبحون عديمي الفائدة، أي عندما يصبحون ضعفاء، أم مرضى أم عجزة. كما أشار البابا فرنسيس إلى أوضاع أخرى يُحرم فيها الأشخاص من التعبير بحرية عن آرائهم وأفكارهم وممارسة إيمانهم الديني فضلا عن مختلف أنواع التمييز. وتساءل: أي كرامة يمكن أن يتمتع بها شخص لا يحظى على الطعام أو على مقومات الحياة الأساسية أو على العمل الذي يضفي عليه الكرامة؟

بعدها انتقل البابا إلى الحديث عن المغالطات الناتجة عن سوء فهم مفهوم حقوق الإنسان، إذ توجد نظرة إلى حقوق الإنسان الفردية تقوم بمعزل عن السياق الاجتماعي والأنتروبولوجي، أي دون الأخذ في عين الاعتبار السياق الاجتماعي للكائن البشري، الذي لديه حقوق وواجبات مترابطة مع حقوق وواجبات الآخرين ومع الخير المشترك للمجتمع نفسه. وأكد البابا أنه إذا لم يتم تنظيم حقوق كل فرد بشكل متناغم لا تعرف هذه الحقوق حدودا وتصبح مصدرا للصراعات والعنف.

هذا ثم لفت البابا فرنسيس في خطابه إلى أعضاء البرلمان الأوروبي إلى الكرامة المتسامية للإنسان المرتبطة بطبيعته وبالبوصلة المكتوبة في قلوبنا. ومن هذا المنطلق لا بد أن ننظر إلى الإنسان ـ قبل كل شيء ـ ككائن علائقي، في وقت ينتشر فيه بأوروبا مرض الوحدة والتي تزيد حدتها بفعل الأزمة الاقتصادية. كما أننا نلحظ زيادة في غياب ثقة المواطنين بالمؤسسات، كما أن هناك انطباعا عاما بأن أوروبا تعبت وبدأت تهرم، فأصبحت أوروبا جَدّةً وفقدت حيويتها وخصوبتها. كما أننا نلاحظ بأسف ومرارة أن القضايا التقنية والاقتصادية باتت تطغى اليوم على النقاشات السياسية.

وتابع البابا متسائلا: كيف يمكننا أن نستعيد الأمل بالمستقبل والثقة في البحث عن الهدف السامي ألا وهو قيام أوروبا موحدة ومسالمة وخلاقة، تحترم الحقوق وتلتزم بواجباتها؟ ولفت إلى أن أوروبا تفقد روحها الإنسانية المرتكزة إلى محورية الكائن البشري في حال عجزت عن الانفتاح على البعد المتسامي للحياة. وأكد أن المسيحية التي قدمت إرثا أساسيا على الصعيدين الاجتماعي والثقافي في أوروبا تريد الإسهام في حاضر القارة ومستقبلها أيضا. ولفت إلى أن هذا الإسهام لا يشكل تهديدا لعلمانية الدول ولاستقلالية مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بل يشكل غنى يرتكز إلى مبدأ التفويض والتضامن المتبادل وبعدا إنسانيا يتمحور حول احترام كرامة الشخص. وعبر البابا فرنسيس أيضا عن استعداد الكرسي الرسولي والكنيسة الكاثوليكية للمشاركة في حوار شفاف ومثمر مع المؤسسات الأوروبية من خلال اتحاد المجالس الأسقفية الأوروبية.

ولم يخل خطاب البابا من الإشارة إلى حالات الظلم والاضطهاد العديدة التي تعاني منها الأقليات الدينية حول العالم، لاسيما تلك المسيحية ولفت إلى أن جماعات وأشخاصا كثيرين تعرضوا للعنف وطردوا من ديارهم وأوطانهم، وتم بيعهم وقتلوا وصلبوا وقطعت رؤوسهم وأحرقوا أحياء وسط صمت مخز وتواطؤ من قبل كثيرين. هذا ثم أشار البابا إلى شعار الاتحاد الأوروبي وهو "الوحدة في التنوع" وأكد أن هذا الأمر لا يعني التماثل السياسي والاقتصادي والثقافي والفكري بل يعني أن هذه العائلة من الشعوب تعرف كيف تجمع بين مثال الوحدة وتنوع كل فرد.

وبعد أن توقف البابا عند أهمية الدفاع عن البيئة وحماية الخلق اعتبر أنه بغية إعطاء الأمل لأوروبا لا بد من إيجاد حلول للمشاكل المرتبطة بسوق العمل، بدءا من ضمان كرامة العمال كما شدد على ضرورة معالجة القضايا المتعلقة بالهجرة، مؤكدا أنه لا يمكن أن يتحول البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة كبيرة. ثم سلط الضوء على أهمية الحوار مع باقي الدول، ومن بينها تلك المطلة على المتوسط مشيرا إلى أن العديد من تلك الدول تعاني من صراعات داخلية وضغط الأصوليات الدينية والإرهاب الدولي. وختم البابا خطابه قائلا: لقد آن الأوان للتخلي عن فكرة قارة خائفة ومنغلقة على ذاتها إذ لا بد أن تكون أوروبا رائدة وحاملة للعلم والفن والموسيقى والقيم البشرية والإيمان. وأن تنظر إلى الإنسان وتحميه وتدافع عنه وتكون مرجعا للبشرية برمتها.








All the contents on this site are copyrighted ©.