2014-11-22 14:30:00

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزَّمان: قال يسوع لتلاميذه: "إِذا جاءَ ابنُ الإِنسانِ في مَجْدِه، تُواكِبُه جَميعُ الملائِكة، يَجلِسُ على عَرشِ مَجدِه، وتُحشَرُ لَدَيهِ جَميعُ الأُمَم، فيَفصِلُ بَعضَهم عن بَعْضٍ، كما يَفصِلُ الرَّاعي النِعاج عنِ الجِداء. فيُقيمُ النِّعاج عن يَمينِه والجِداءَ عن شِمالِه. ثُمَّ يَقولُ الملِكُ لِلَّذينَ عن يَمينِه: "تَعالَوا، يا مَن بارَكَهم أَبي، فرِثوا المَلكوتَ المُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم: لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريبًا فآويتُموني، وعُريانًا فَكسَوتُموني، ومَريضًا فعُدتُموني، وسَجينًا فجِئتُم إِلَيَّ". فيُجيبُه الأَبرار: "يا رَبّ، متى رأَيناكَ جائعًا فأَطعَمْناك أَو عَطشانَ فسَقيناك؟ ومتى رأَيناكَ غريبًا فآويناك أَو عُريانًا فكَسَوناك؟ ومتى رَأَيناكَ مريضًا أَو سَجينًا فجِئنا إِلَيكَ؟" فيُجيبُهُمُ المَلِك: "الحَقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئًا مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه". ثُمَّ يقولُ لِلَّذينَ عنِ الشِّمال: "إِليكُم عَنِّي، أَيُّها المَلاعين، إِلى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ المُعدَّةِ لإِبليسَ وملائِكَتِه: لأِنِّي جُعتُ فَما أَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فما سَقَيتُموني، وكُنتُ غَريبًا فما آوَيتُموني، وعُريانًا فما كَسوتُموني، ومَريضًا وسَجينًا فما زُرتُموني". فيُجيبُه هؤلاءِ أَيضًا: "يا رَبّ، متى رَأَيناكَ جائعًا أَو عَطشان، غَريبًا أَو عُريانًا، مريضًا أَو سجينًا، وما أَسعَفْناك؟" فيُجيبُهم: "الحَقَّ أَقولُ لَكم: أَيَّما مَرَّةٍ لم تَصنَعوا ذلك لِواحِدٍ مِن هؤُلاءِ الصِّغار فَلي لم تَصنَعوه". فيَذهَبُ هؤُلاءِ إِلى العَذابِ الأَبديّ، والأَبرارُ إِلى الحَياةِ الأَبدِيَّة" (متى 25، 31- 46).

 

للتأمل

في هذا الأحد الرابع والثلاثين من زمن السنة والأخير في السنة الليتورجية، تحتفل الكنيسة بعيد المسيح الملك، ولكن كيف يمكننا أن نفهم ملوكية المسيح هذه؟ يكتب القديس بولس إلى أهل كورنتس: "إِنَّ المسيحَ قد قامَ مِن بَينِ الأَموات، وهو بِكرُ الَّذينَ ماتوا فَقَد أَتَى الموتُ عَن يَدِ إِنسان، وعَن يَدِ إِنسانٍ تَكونُ قِيامةُ الأَموات. وكما يَموتُ جَميعُ النَّاسِ في آدم، فكذلك سَيَحْيَون في المسيح... ثُمَّ يَكونُ المُنتَهى، حِينَ يُسَلِّمُ المُلْكَ إِلى اللهِ الآب، بَعدَ أَن يُبيدَ كُلَّ رِئاسةٍ وسُلطانٍ وقُوَّة. فلا بُدَّ لَه أَن يَملِكَ، "حتَّى يَجعَلَ جَميعَ أَعدائِه تَحتَ قَدَمَيه"، وبالتالي فملوكيّة المسيح بالنسبة للقديس بولس هي بقيامته من الأموات والتي في ضوئها يمكننا أن نفهم موته على الصليب مكلّلاً بإكليل الشوك والعبارة التي رُفعت على صليبه "يسوع الناصري ملك اليهود". وهذان الواقعان يتكاملان: فموت الصليب هو عطية الابن للآب ولجميع البشر والقيامة هي عطيّة الآب للابن ولكل البشر...

"فلا بُدَّ لَه أَن يَملِكَ، "حتَّى يَجعَلَ جَميعَ أَعدائِه تَحتَ قَدَمَيه" والمَوْتُ آخِرُ عَدُوٍّ يُبيدُه؛ ومتى أُخضِعَ لَه كُلُّ شَيء، فحينَئِذٍ يَخضَعُ الاِبْنُ نَفْسُه لِذاكَ الَّذي أَخضَعَ لَه كُلَّ شيَء، لِيكونَ اللّهُ كُلَّ شَيءٍ في كُلِّ شيَء"، بهذا القول يشير القديس بولس إلى الحرب التي قادها المسيح ضد قوى الشرّ والتي يتابعها اليوم أيضًا بحسب الوعد الذي قطعه لتلاميذه قبل صعوده إلى السماء إذ قال لهم: "هاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (متى 28، 20). هذه هي ملوكيّة المسيح وهي تظهر وتتحقق منذ الآن وحضوره القوي يرافقنا ويشجعنا لنجاهد بدورنا ضدّ قوى الشرّ دون أن نستسلم لنتابع مخطط الله الخلاصي...

"هأنذا صانع أمرا جديدا. الآن ينبت. ألا تعرفونه ؟ أجعل في البرية طريقا، في القفر أنهارا..." بهذه الكلمات يعلن النبي أشعيا خلاص الله الذي بدأ يتحقق وهذا ما يدعونا إليه إنجيل هذا اليوم أن نلمس في يومنا هذا الخلاص الذي حققه لنا يسوع المسيح بموته وقيامته، فأقامنا ملوكًا وأصحاب سلطان. لقد ملك بالقيامة، إذ جعلنا نحن أعضاء جسده ملوكًا، وحطّم العدو تحت قدميه لأنه وهبنا روح النصرة والغلبة، وأبطل الموت لأننا فيه ننال القيامة. بقيامته أُعلن مُلكه كرب الأحياء والأموات (روما 14، 9)، ويحضر شعبه بأمان إلى مجده، ويحطم تحت أقدامهم العدو وبهذا تتحقق النهاية. وهذا الأمر يتطلب منا إيمانًا قوّيًا بسرّ القيامة لا كحدث تاريخي فقط وإنما كجزء من حياتنا الحاضرة وكمعنى لوجودنا لأنه بدون القيامة يكون إيماننا باطلاً وبالتالي لا موضع للإيمان والرجاء، وبدون القيامة تكون شهادتنا أيضًا باطلة وكذلك لا موضع للإنجيل!

يؤكّد لنا القديس بولس في القراءة التي تقدمها لنا الليتورجية اليوم "فلا بُدَّ لَه أَن يَملِكَ، "حتَّى يَجعَلَ جَميعَ أَعدائِه تَحتَ قَدَمَيه". فالمسيح يملك على كنيسته الممجدة، جسده في السماء. ويكون ملكه إلى الأبد (رؤ 11، 15)، يملك على بيت يعقوب أبديًا ولا يكون لملكه نهاية (لوقا 1، 33)، إذ أن ملكه أبدي لا يزول (دا 7، 14؛ مي 4، 7). لقد هزم المسيح الموت بموته المحيي على الصليب، وهذا الانتصار يتحقق بملئه بقيامة كل المؤمنين وتمتعهم بالملكوت الأبدي. حيث سيملك اللَّه في كل موضع، ويصير الكل خاضعًا له، فتنتهي مملكة الخطيئة وطغيانها، فلا نعود بعد نخشى أي عدو، ولا نعود نموت بعد، لأن الموت يصبح عبورًا لحياة جديدة وولادة جديدة فنهتف مع القديس بولس قائلين: "حياتي هي المسيح" وهذا ما يؤكّده لنا إنجيل اليوم، فالمسيح هو في مهمّشي مجتمعنا، في المهاجر واللاجئ، في الجائع والمسجون وبالتالي يشكل إخوتنا هؤلاء الفرصة لنا لنلتقي بيسوع الذي وعدنا "هاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم"، لنذهب إذاً إلى لقائه...   








All the contents on this site are copyrighted ©.