2014-11-04 13:56:00

البابا فرنسيس: لا نخافنَّ أبدًا من مجانية الله!


"لا مكان للمكافآت والمبادلة في ملكوت الله، لأن الله يعطي بمجانيّة" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح الثلاثاء في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان، وأكّد أننا أحيانًا بسبب الكبرياء وحب التسلّط نرفض دعوة الله المجانية لنا.

استهل الأب الأقدس عظته انطلاقًا من الإنجيل الذي تقدمه لنا الليتورجية اليوم من القديس لوقا والذي يخبرنا فيه يسوع مثل ذلك الرجل الذي صنع عشاءً فاخِرًا، ودعا إِليهِ كَثيرًا مِنَ النَّاس... ثُمَّ أَرسَلَ عبدَه ساعةَ العَشاءِ يَقولُ لِلمَدعُوِّين: تَعالَوا، فقد أُعِدَّ العشَاء. فجَعلوا كُلُّهم يَعتَذِرونَ على وَجهٍ واحِد... وقال: إن هذا المثل يجعلنا نفكّر لأننا جميعنا نحب أن نتلقى دعوة للمشاركة في احتفال أو في عشاء فاخر، ولكن ما يُميّز هذا العشاء أنه من بين المدعوين نجد ثلاثة أشخاص، كمثال للبعض منا، لم يرغبوا في المشاركة، قال الأول: " قدِ اشتَرَيتُ حَقلاً فلا بُدَّ لي أَن أَذهَبَ فأَراه" إنه موقف تسلّط وغرور وكبرياء، فهو يفضّل السلطة على الجلوس كباقي المدعوين الآخرين، أما الثاني فقال: "قدِ اشتَرَيتُ خَمسَةَ فَدادين، وأَنا ذاهِبٌ لأُجَرِّبَها" وبالتالي فهو يبحث عن الربح ويفضل الاهتمام بالأعمال بدل من أن يضيّع وقته مع الآخرين، أما الثالث فقال: " قد تَزَوَّجتُ فلا أَستَطيعُ المَجيء" وبالتالي فهو شخص أناني. لقد فضّل هؤلاء الثلاثة مصالحهم الشخصيّة على مشاركة الآخرين فرحهم، فهم لا يعرفون معنى العيد، بل يبحثون عمّن يكافئهم.

تابع البابا فرنسيس يقول: لو كانت الدعوة مثلاً: "تعالوا! لدي بعض الأصدقاء من رجال الأعمال القادمين من بلدٍ آخر ويمكننا أن نحقق شيئًا ما معًا"، لكانوا حضروا جميعًا دون استثناء. لكنهم يخافون من المجانيّة ومن أن يكونوا كالآخرين... هذا هو الكبرياء والغرور، يريدون أن يكونوا في محور الاهتمام... ما أصعب الإصغاء لصوت يسوع ولصوت الله عندما يتمحور كلّ شيء حولنا... فالشخص المتكبر لا أفق لديه إلا ذاته... ووراء هذا كلّه هناك أيضًا الخوف من المجانيّة! نحن نخاف من مجانيّة الله! عظيمة جدًا هذه المجانية وبالتالي فهي تخيفنا!

أضاف الحبر الأعظم يقول: يحدث هذا كله بسبب خبرات الحياة التي غالبًا ما تكون أليمة، تمامًا كخبرة تلميذي عماوس عندما ابتعدا عن أورشليم أو خبرة توما الذي أراد أن يلمس جراح المسامير ليؤمن. فكما يقول مثل شعبي: "عندما تكون التقدمة سخيّة حتى القديس تُخالجه الشكوك والتساؤلات!" أي أن المجانيّة غالبًا ما لا يمكن فهمها، وبالتالي عندما يدعونا الله إلى عشاء فاخر يفكرّ كل منا في نفسه: "من يعرف ماذا ينتظرني وراء هذه الدعوة؟ ربما من الأفضل لي أن أبقى خارجًا"؛ فنحن غالبًا ما نفضل الأمان الذي تقدمه لنا خطايانا ومحدوديتنا على الخروج والذهاب للإجابة على دعوة الله، إلى بيت الله. جميعنا نخاف، نحن المسيحيين نخفي في داخلنا نوعًا من الخوف: نؤمن ولكن إيماننًا ليس كاملاً، نثق بالرب ولكن ثقتنا ناقصة... وهذا النقص يطبع حياتنا ويجعلنا صغارًا.

هناك أمر يجعلني أفكّر، تابع الأب الأقدس يقول، وهو أنه عندما رجع العبد وأخبر سيّده بهذا كلّه، يخبرنا الإنجيلي أن رب البيت قد غضب، لقد غضب لأن هؤلاء الأشخاص استهانوا به وبالتالي قال لعبده: "اُخْرُجْ على عَجَلٍ إِلى ساحاتِ المَديَنةِ وشوارِعِها، وَأتِ إِلى هُنا بِالفُقَراءِ والكُسْحانِ والعُمْيانِ والعُرْجان". سأل السيّد عبده أن يأتي بهؤلاء الأشخاص، أي بمعنى آخر أن يُجبرهم على المجيء إلى العشاء، وأحيانًا هذا ما يفعله الله معنا. يُجبرنا على المشاركة في العشاء الذي يُعدُّه، أي في مجانيّته. يجبر القلب والروح على الإيمان بهذه المجانية وبأن عطايا الله مجانية لنا جميعًا وبأن الخلاص لا يمكن شراءه بل هو عطية كبيرة من محبة الله لنا... هذه هي العطية الكبرى! وهذه هي المجانية... لكننا نخاف ونعتقد أن القداسة تتحقق بفضل مساعينا... لا! القداسة والخلاص هما مجانيين!

فيسوع، تابع البابا فرنسيس مؤكدًا، قد دفع ثمن هذا العشاء، بتواضعه وانمحائه حتى الموت، موت الصليب، وهذه هي المجانية! وبالتالي في كل مرّة ننظر فيها إلى المصلوب لنفكر في أنفسنا قائلين: "هذه هي بطاقة دخولي إلى هذا العشاء"، نعم يا رب، أنا خاطئ وخطاياي كثيرة، ولكنني أحدق النظر إليك على الصليب، وأدخل إلى العشاء الذي أعده الآب. أنا أؤمن بك وأثق بك وأعرف أنك لن تخذلني لأنك قد دفعت ثمن كل شيء. واليوم، تطلب منا الكنيسة ألا نخاف من مجانية الله وتدعونا لنفتح قلوبنا ونقوم من جهتنا بكل ما بوسعنا القيام به، أما الباقي فسيهتم الله به، لأنه هو الذي يصنع العشاء ويدعو إليه!








All the contents on this site are copyrighted ©.