2014-05-03 16:02:40

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


واتَّفَقَ أَنَّ اثنينَ مِن تَلاميذِ يَسوع كانا ذَاهِبَينِ، في ذلكَ اليَوم (وهُوَ أَوَّلُ الأُسبوع)، إِلى قَريَةٍ اِسْمُها عِمَّاوُس، تَبعُدُ نَحوَ سِتَّة أَميالٍ مِن أُورَشَليم. وكانا يَتحدَّثانِ بِجَميعِ هذِه الأُمورِ الَّتي جَرَت. وبَينَما هُما يَتَحَدَّثانِ ويَتَجادَلان، إِذا يسوعُ نَفْسُه قد دَنا مِنهُما، وأَخذَ يَسيرُ معَهما. على أَنَّ أَعيُنَهُما حُجِبَت عن مَعرِفَتِه. فقالَ لَهما: "ما هذا الكَلامُ الَّذي يَدورُ بَينَكُما وأَنتُما سائِران؟" فوَقفا مُكتَئِبَين. وأَجابَه أَحَدهُما واسمُه قَلاوبا: "أَأَنتَ وَحدَكَ نازِلٌ في أُورَشَليم، ولا تَعلَمُ الأُمورَ الَّتي حَدَثَت فيها هذهِ الأَيَّام؟" فقالَ لَهما: "ما هي؟" قالا له: "ما حَدَثَ لِيَسوعَ النَّاصِريّ؛ وكانَ نَبِيًّا مُقتَدِرًا على العَمَلِ والقولِ عِندَ اللهِ والشَّعبِ كُلِّه؛ كَيفَ أَسلَمَه أَحبارُنا ورُؤَساؤُنا، لِيُحكَمَ علَيهِ بِالمَوت، وكَيف صَلَبوه. وكُنَّا نَحنُ نَرجو أَنَّه هو الَّذي سيَفتَدي إِسرائيل. ومعَ ذلكَ كُلِّه، فهذا هوَ اليَومُ الثَّالِثُ مُذ حَدَثَت تِلكَ الأُمور. غيرَ أَنَّ نِسوَةً مِنَّا قد حَيَّرنَنا، فإِنَّهُنَّ بَكَرنَ إِلى القَبْرِ، فلَم يَجِدنَ جُثمانَه. فرَجَعنَ وقُلنَ إِنَّهُنَّ أَبْصَرْنَ في رُؤيةٍ مَلائكةً قالوا إِنَّه حَيّ. فذهَبَ بَعضُ أَصحابِنا إِلى القَبْر، فوَجَدوا الحالَ على ما قالَتِ النِّسوَة. أَمَّا هو فلَم يَرَوه". فقالَ لَهما: "يا قَليلَيِ الفَهمِ، وبطيئَيِ القَلْبِ عن الإِيمانِ بِكُلِّ ما تَكَلَّمَ بِه الأَنبِياء. أَما كانَ يَجِبُ على المَسيحِ أَن يُعانِيَ تِلكَ الآلام، فيَدخُلَ في مَجدِه؟" فبَدأَ مِن مُوسى وجَميعِ الأَنبِياء، يُفَسِّرُ لَهما ما وَرَدَ في شأنِهِ في جَميعِ الكُتُبِ. ولمَّا قَرُبوا مِنَ القَريَةِ الَّتي يَقصِدانِها، تظاهَرَ أَنَّه ماضٍ إِلى مَكانٍ أَبَعد. فأَلَحَّا علَيه قالا: "أُمكُثْ مَعَنا، فقد حانَ المَساءُ ومالَ النَّهار". فدَخَلَ لِيَمكُثَ معَهما. ولمَّا جَلَسَ معَهُما لِلطَّعام، أَخذَ الخُبْزَ وبارَكَ، ثُمَّ كسَرَهُ وناوَلَهما. فانفَتَحَت أَعيُنُهما وعرَفاه فغابَ عنهُما. فقالَ أَحَدُهما لِلآخَر: "أَما كانَ قلبُنا مُتَّقِدًا في صَدرِنا، حينَ كان يُحَدِّثُنا في الطَّريق، ويَشرَحُ لنا الكُتُب؟" ثُمَّ قاما في السَّاعَةِ نَفْسِها، ورَجَعا إِلى أُورَشَليم، فوَجَدا الأَحَدَ عشَرَ وأَصحابَهم مُجتَمِعين، وكانوا يَقولون إِنَّ الرَّبَّ قامَ حَقًا، وتَراءَى لِسِمْعان. فرَوَيا ما حَدَثَ في الطَّريق، وكَيفَ عَرَفاه عِندَ كَسْرِ الخُبْز.

 

للتأمل

من الرسالة العامة للبابا يوحنا بولس الثاني "أمكث معنا يا رب"

"أبق معنا يا رب، فالمساء يقترب" (لوقا 24، 29). هذه هي الدعوة التي وجّهها تلميذا عماوس ليسوع المسيح مساء يوم القيامة. فقد كان الحزن يعصر قلبيهما، ولم يفهما أن المسافر الغريب هو يسوع المسيح القائم من الموت. ومع ذلك فقد كان قلبهما "متّقدًا في داخلهما" بينما كان يفسّر لهما الكتب. واستطاع نورُ الكلمة أن يليّن قساوة القلب، فانفتح قلبهما وانفتحت "أعينهما". ففي ظلام المساء وظلمة قلبهما، كان المسافر بمثابة قبس نور أحيا فيهما الرجاء والرغبة في النور الكامل. "أبق معنا". وقَبِِلَ. بعد قليل سيختفي وجه يسوع، لكنه سيبقى تحت شكل الخبز المكسور الذي انفتحت أعينهما أمامه.

صورة تلميذي عماوس تساعدنا في التأمل حول سر الافخارستيا. فالمسافر الإلهي يرافقنا في طرق حياتنا المليئة بالأحزان والقلق وجميع أنواع الإحباط، ويفسّر لنا الكتب في ضوء سرّ الله. وعندما يكتمل اللقاء، يتبع نورَ الكلمة النورُ المنبثق من "خبز الحياة"، الذي يحقق المسيح من خلاله وعدَه بأن يبقى معنا "طول الأيام إلى منتهى الدهر".

يكشف لنا ظهور المسيح لتلميذي عماوس أول وجه من أوجه السر الافخارستي والذي ينبغي أن يتواجد دومًا في التعبّد الشعبي لهذا السر. الافخارستيا، سرّ نور. ما هو معنى ذلك وما هي نتائجه على روحانية الحياة المسيحية؟ قال يسوع عن نفسه أنه "نور العالم"، وقد ظهر ذلك في لحظات كالتجلي والقيامة حيث سطع مجده الإلهي. بينما مجد المسيح مخفيٌّ في الافخارستيا. سر الافخارستيا هو "سر الإيمان" بامتياز. والمسيح، من خلال احتجابه في السر، يصبح سرّ نور، ويعطي نعمة تساعد المؤمن على الدخول في عمق الحياة الإلهية.

الافخارستيا نور لأنه في كل احتفال بالقداس، يسبق الاحتفالُ بكلمة الله الاحتفال بالسر الافخارستي، في وحدة المائدتين: مائدة الكلمة ومائدة الخبز. هذا ما يظهر في خطاب يسوع في الفصل السادس من إنجيل يوحنا: "جسدي طعام حقًا ودمي شراب حقًّا". ونعلم أن هذه الكلام أبعد الكثيرين عنه، وحمل بطرس على أن يقول: "إلى من نذهب يا رب، وكلام الحياة الأبدية عندك". وفي نص تلميذي عماوس، يُظهر لهما يسوع أنه كل ما قيل في الكتب يجد تمامه في شخصه هو. ونتيجة لذلك اتّقد قلب التلميذين وقضى على الحزن الذي كان يغمر قلبيهما وحثّهما على الطلب منه أن يبقى معهما: "إبق معنا يا رب".

دعا تلميذا عماوس المسيح ليبقى "معهما"، وهو أجابهما بنعمة أكبر مما توقّعا. أراد أن يبقى "فيهما" من خلال سرّ الافخارستيا. فقبول الافخارستيا يعني الدخول في علاقة حميمة مع يسوع المسيح. "امكثوا فيّ وأنا فيكم". وهذه العلاقة تسمح لنا، نوعًا ما، بتذوّق حياة السماء على الأرض. أليست هذه أكبر رغبة تسكن قلب الإنسان؟ أليس هذا هو قصد الله في عمل الخلاص؟ فقد وضع في قلب الإنسان "جوعًا" لسماع كلمته، ولن يشبع هذا الجوع إلاّ الاتحاد الكامل به. وهذا ما تمنحنا إياه المناولة على الأرض، في انتظار "الاتحاد الكامل" في الأبدية.








All the contents on this site are copyrighted ©.