2014-03-22 14:57:25

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزمان: وَصَلَ يَسوعُ إِلى مدينةٍ في السَّامِرَةِ يُقالُ لَها سيخارَة، بِالقُرْبِ مِنَ الأَرضِ الَّتي أَعْطاها يَعقوبُ ابنَه يُوسُف، وفيها بِئرُ يَعقوب. وكانَ يسوعُ قد تَعِبَ مِنَ المَسير، فَجَلَسَ دونَ تَكَلُّفٍ على حافَةِ البِئر. وكانَتِ الساعةُ تُقارِبُ الظُّهر. فجاءَتِ امرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ تَستَقي. فقالَ لَها يسوع: "اِسْقيني". وكانَ التَّلاميذُ قد مَضوا إِلى المَدينَةِ لِيَشتَروا طَعامًا. فقالَت له المرأَةُ السَّامِريَّة: "كَيفَ تسأَلُني أَن أَسقِيَكَ وأَنتَ يَهوديٌّ وأنا امرَأَةٌ سامِريَّة؟" لأنَّ اليَهودَ لا يُخالِطونَ السامِرِيِّين. أَجابَها يسوع: "لو كُنتِ تَعرِفينَ عَطاءَ الله ومَن هوَ الَّذي يقولُ لَكِ: اسقيني، لَسَأَلِته أَنتِ فأَعطاكِ ماءً حَيًّا". قالَت لَه المَرأَة: "يا ربّ، ليس عندَكَ دَلْوٌ، والبِئرُ عَميقة، فَمِن أَينَ لَكَ الماءُ الحَيّ؟ هل أَنتَ أَعظَمُ مِن أَبينا يعقوبَ الَّذي أَعْطانا البِئْرَ، وشرِبَ مِنها هو و بَنوهُ وماشِيَتُه؟" أَجابَها يسوع: "كُلُّ مَن يَشرَبُ مِن هذا الماء يَعطَشُ ثانِيَةً وأَمَّا الَّذي يَشرَبُ مِنَ الماءِ الَّذي أُعطيهِ أَنا إِيَّاه فلَن يَعطَشَ أَبدًا بلِ الماءُ الَّذي أُعطِيهِ إِيَّاهُ يصيرُ فيه عَينَ ماءٍ يَتفَجَّرُ حَياةً أَبَديَّة". قالَت له المَرأَة: "يا ربّ، أَعطِني هذا الماء، لِكَي لا أَعطَشَ فأَعودَ إِلى الاستِقاءِ مِن هُنا". قالَ لَها: "اِذهَبي فَادْعي زَوجَكِ، وارجِعي إِلى ههُنا". أَجابَتِ المَرأة: "لَيسَ لي زَوج". فقالَ لَها يسوع: "أَصَبتِ إذ قُلتِ: لَيسَ لي زَوج. فَقَد اتَّخَذتي خَمسَةَ أَزْواج، والَّذي يَصحَبُكِ اليَومَ لَيسَ بِزَوجِكِ، لقَد صَدَقتِ في ذلكَ". قاَلتِ المَرأَة: "يا ربّ، أَرى أَنَّكَ نَبِيّ. تَعَبَّدَ آباؤُنا في هذا الجَبَل، وأَنتُم تَقولونَ إِنَّ المَكانَ الَّذي فيه يَجِبُ التَّعَبُّد هو في أُورَشَليم". قالَ لَها يسوع: "صَدِّقيني أَيَّتُها المَرأَة تَأتي ساعةٌ فيها تَعبُدونَ الآب لا في هذا الجَبَل ولا في أُورَشَليم. أَنتُم تَعبُدونَ ما لا تَعلَمون ونَحنُ نَعبُدُ ما نَعلَم لِأَنَّ الخَلاصَ يَأتي مِنَ اليَهود ولكِن تَأتي ساعةٌ - وقد حَضَرتِ الآن - فيها العِبادُ الصادِقون يَعبُدونَ الآبَ بِالرُّوحِ والحَقّ فمِثْلَ أُولِئكَ العِبادِ يُريدُ الآب. إِنَّ اللهَ رُوح فعَلَى العِبادِ أَن يَعبُدوهُ بِالرُّوحِ والحَقّ". قالَت لَه المرأة: "إِنِّي أَعلَمُ أَنَّ المَشيحَ آتٍ، وهو الَّذي يُقالُ لَه المسيح، وإِذا أَتى، أَخبَرَنا بِكُلِّ شَيء". قالَ لَها يسوع: "أَنا هو، أَنا الَّذي يُكَلِّمُكِ". ووَصَلَ عِندَئِذٍ تَلاميذُه، فعَجِبوا مِن أَنَّه يُكَلِّمُ امرَأَة، ولكِن لم يَقُلْ أَحَدٌ مِنهم: "ماذا تُريد؟" أَو "لِماذا تُكَلِّمُها؟" فتَركَتِ المَرأَةُ جَرَّتَها، وذَهبَت إِلى المَدينة فقالَت لِلنَّاس: "هَلُمُّوا فَانْظُروا رَجُلاً قالَ لي كُلَّ ما فَعَلتُ. أَتُراهُ المَسيح؟" فخَرَجوا مِنَ المَدينةِ وساروا إِليه. وكانَ تَلاميذُه خِلالَ ذلكَ يقولونَ لَه مُلِحيِّن: "راِّبي، كُلْ". فقالَ لَهم: "لي طَعامٌ آكُلُه لا تَعرِفونَه أَنتُم". فأَخَذَ التَّلاميذُ يتساءلون: "هل جاءَهُ أَحَدٌ بِما يُؤكَل؟". قالَ لَهم يسوع: "طَعامي أَن أَعمَلَ بِمَشيئَةِ الَّذي أَرسَلَني وأَن أُتِمَّ عَمَلَه. أَما تَقولونَ أَنتُم: هي أَربعةُ أَشهُرٍ ويأتي وَقْتُ الحَصاد؟ وإِنِّي أَقولُ لَكم: اِرفَعوا عُيونَكم وانظُروا إِلى الحُقُول، فقَدِ ابْيَضَّت لِلحَصاد. هُوَذا الحاصِدُ يَأخُذُ أُجرَتَه فيَجمَعُ الحَبَّة لِلحَياةِ الأَبدِيَّة فيَفرَحُ الزَّارعُ والحاصِدُ معًا وبِذلِكَ يَصدُقُ المَثَلُ القائل: هذا يَزرَعُ وذاك يَحصُد. إِنِّي أَرسَلتُكُم لِتَحصُدوا ما لم تَتعَبوا فيه. فغَيرُكُم تَعِبوا وأَنتُم دَخلْتُم ما تَعِبوا فيه". فآمَنَ بِه عَدَدٌ كَثيرٌ مِن سامِريِّي تِلكَ المَدينَة عن كَلامِ المَرأَةِ الَّتي كانَت تَشهَدُ فتَقول: "إِنَّه قالَ لي كُلَّ ما فَعَلتُ". فلَمَّا وصَلَ إِلَيه السَّامِريُّونَ سَأَلوهُ أَن يُقيمَ عِندَهم، فَأَقامَ يَومَيْن. فآمَنَ مِنهُم عَدَدٌ أَكبَرُ كَثيرًا عن كلامِه، وقالوا لِلمَرأَة: "لا نُؤمِنُ الآنَ عن قَولِكِ، فقَد سَمِعناهُ نَحنُ وعَلِمنا أَنَّهُ مُخَلِّصُ العالَمِ حَقًا".

 

للتـأمل

في هذا الأحد الثالث من الصوم تضع الكنيسة بين أيدينا في القراءة الليتورجية الأولى نص سفر الخروج الذي نقرأ فيه عن تذمر شعب إسرائيل على موسى وامتحانهم للرب قائلين: "أَبَيننا الرَّبُّ أَم لا؟" وتدعونا لنعيد النظر في حياتنا انطلاقًا من موقف شعب إسرائيل هذا! كم من مرّة نتصرف مثلهم ونشكك في وجود الرب في حياتنا. فالله قد أظهر لشعب إسرائيل مرارًا أنه يسير معه ويرافقه ويدافع عنه وبالرغم من هذا كله تذمروا... هكذا نحن أيضًا أمام أول تجربة أو صعوبة نغلق قلوبنا على الله ونتذمر وننسى أنه لم يكف يومًا عن مرافقتنا... لذلك تدعونا الكنيسة اليوم لنعزز إيماننا بالله فنتمكن عندها من فهم حضوره بيننا وتجلّيه في حياتنا لنبني معه علاقة البنوة التي دُعينا لعيشها "كأبناء في الابن". فالله يعرف ضعفنا وهشاشتنا وكما منح الماء للشعب في حوريب ليشرب، هو يعطينا ما نحتاجه لنجيب على دعوته لنا.

الإيمان والرجاء والمحبة، هذه هي الفضائل التي، وكما يكتب القديس بولس في رسالته أهل روما، تساعدنا على التواصل مع الله وعلى رؤية حضوره في حياتنا. فالإيمان هو الباب الذي يجعلنا نتمتع بعطايا الله المجانية ونعمه، والرجاء هو الفضيلة التي لا تُخيّب والتي تساعدنا على قراءة حياتنا في ضوء عمل الله فيها. والمحبة، عندما تدخل قلوبنا وحياتنا تحولنا وتجعلنا قادرين على العيش بحسب مشيئة الله ودعوته. لذا وبعيشنا لهذه الفضائل وتعزيزها ننمو في حرية أبناء الله والجهوزية لقبول مشروعه الخلاصي في حياتنا فيصبح الله محورها ويروي عطشنا إليه لنصبح أدوات لتحقيق ملكوته على الأرض.

وانطلاقًا من هذا العطش قاد يسوع المرأة السامرية التي يخبرنا عنها إنجيل اليوم في مسيرة داخلية لتكتشف عطشها لأمور كثيرة أوّلها الماء، وهو ضروري لحياتها، ولكنّها تشتاق ربّما بدون أن تعي للحرّيّة والحقيقة، للشعور بقيمة الذات وكرامتها، لاختبار الحبّ الصادق ومشاركته مع إنسان مخلص وأمين. وها هي تأتي في ساعة الظهر لتستقي ماءً من البئر بعيدًا عن عيون الناس التي تحكم وتدين، لا ترحم ولا تغفر. وفي عطشها تلتقي يسوع العطشان إلى الماء أكيدًا، ولكن أساسًا ليروي ظمأ الإنسان للحياة والفرح. وهذا هو عطش يسوع الحقيقيّ، رغبة قلبه وهدف حياته، ولذلك يأتي إلى لقائنا يأتي إلينا وديعًا متواضعًا في قلب تساؤلاتنا وبحثنا المتلعثم والمتردّد عن فرح الحياة ويكشف لنا عن ذاته كما كشف للسامرية قائلاً: "أنا هو الذي يكلّمك" ويحمل لنا الخلاص والحرية والحياة!

لنرفع إذًا اليوم صلاتنا شاكرين الله على نعمه التي يغدقها علينا ولنتهلل مع صاحب المزمور قائلين: "يا اللهُ، إلهي أنتَ، وإليكَ أُبَكِّرُ، فإليكَ تعطَشُ نفْسي. جسَدي يَتوقُ إليكَ كأرضٍ قاحلةٍ يابسةٍ لا ماءَ فيها. دَعني أشاهِدكَ في مَقدسِكَ، لأرى عِزَّتَكَ ومَجدَكَ. خَيرٌ مِنَ الحياةِ رَحمتُكَ. شفتايَ تُسَبِّحانِ لكَ، ومدَى حياتي أُبارِكُكَ. وبا‏سمِكَ أرفَعُ للصَّلاةِ كفَّيَّ. تُشبِعُني كما مِن طعامٍ شَهيٍّ فَتُرنِّمُ شفتايَ ويُهَلِّلُ فَمي. إذا ذَكَرتُكَ على فِراشي، وفي اللَّيالي لَهَجْتُ بِكَ، فلأنَّكَ كُنتَ نَصيراً لي، وفي ظِلِّ جَناحَيكَ أُرنِّمُ. تَعَلَّقَت نفسي بِكَ، فيَمِينُكَ تسنُدُني" (مز 63،  2- 10).








All the contents on this site are copyrighted ©.