2014-03-01 15:59:03

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلكَ الزّمان، قالَ يسوعُ لتلاميذِهِ: "ما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَين، لأَنَّه إِمَّا أَن يُبغِضَ أَحَدَهُما ويُحِبَّ الآخَر، وإِمَّا أَن يَلزَمَ أَحَدَهُما ويَزدَرِيَ الآخَر. لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِلّهِ ولِلمال". لِذلكَ أَقولُ لكُم: "لا يُهِمَّكُم لِلعَيشِ ما تَأكُلون و لا لِلجَسَدِ ما تَلبَسون. أَلَيْسَتِ الحَياةُ أَعْظَمَ مِنَ الطَّعام، والجَسدُ أَعظَمَ مِنَ اللِّباس؟ أُنظُرُوا إِلى طُيورِ السَّماءِ كَيفَ لا تَزرَعُ و لا تَحصُدُ ولا تَخزُنُ في الأَهراء، وأَبوكُمُ السَّماويُّ يَرزُقُها. أَفَلستُم أَنتُم أَثمَنَ مِنها كثيرًا؟ ومَن مِنكُم، إِذا اهتَمَّ، يَستَطيعُ أَن يُضيفَ إِلى حَياتِه مِقدارَ ذِراعٍ واحِدة؟ ولماذا يُهمُّكمُ اللِّباس؟ إِعتَبِروا بِزَنابقِ الَحقل كيفَ تَنمو، فلا تَجهَدُ ولا تَغزِل. أَقولُ لكُم إنَّ سُلَيمانَ نَفسَه في أبهى مَجدِه لم يَلبَس مِثلَ واحدةٍ مِنها. فإِذا كانَ عُشبُ الحَقل، وهُوَ يُوجَدُ اليومَ ويُطرَحُ غدًا في التَّنُّور، يُلبِسُه اللهُ هكذا، فما أَحراهُ بِأَن يُلبِسَكم، يا قَليلي الإيمان؟ فلا تَهتَمُّوا فَتقولوا: ماذا نَأكُل؟ أو ماذا نَشرَب؟ أو ماذا نَلبَس؟ فهذا كُلُّه يَسعى إِلَيه الوَثَنِيُّون، وأَبوكُمُ السَّماويُّ يَعلَمُ أَنَّكم تَحتاجونَ إِلى هذا كُلِّه. فَاطلُبوا أَوَّلاً مَلَكوتَه وبِرَّه تُزادوا هذا كُلَّه. لا يُهِمَّكُم أمرُ الغَد، فالغَدُ يَهتَمُّ بِنَفْسِه. ولِكُلِّ يَومٍ مِنَ العَناءِ ما يَكفِيه(متى 6، 24- 34).

 

للتـأمل

تدعونا الكنيسة في هذا الأحد، من خلال القراءات التي تقدمها لنا الليتورجية، لنستسلم بثقة لله الذي يحبنا حبًا والديًّا ويغمرنا بنعمه ويحفظنا. ففي القراءة الأولى من سفر أشعيا نقرأ: قالَت صِهيون: "تَرَكَني الرَّبّ ونَسِيَني سَيِّدي". أَتَنسى المَرأَةُ رَضيعَها فلا تَرحَمُ ابنَ بَطنِها؟ حتَّى ولَو نَسيَتِ النِّساءُ فأَنا لا أَنساك" (أشعيا 49، 4- 5). بينما نرنِّم في المزمور: "إِلى ٱللهِ تَسكُنُ نَفسي لأنّ مِن عِندِهِ خَلاصي... هُوَ صَخرَتي وَخَلاصي، هُوَ حِصني، فَلَن أَكونَ مُتَزَعزِعا" (مز 61، 2- 3. 6).

أما في الإنجيل، يدعونا يسوع قائلاً: "لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِلّهِ ولِلمال... لِذلكَ أَقولُ لكُم: "لا يُهِمَّكُم لِلعَيشِ ما تَأكُلون و لا لِلجَسَدِ ما تَلبَسون... أُنظُرُوا إِلى طُيورِ السَّماءِ كَيفَ لا تَزرَعُ و لا تَحصُدُ ولا تَخزُنُ في الأَهراء، وأَبوكُمُ السَّماويُّ يَرزُقُها. أَفَلستُم أَنتُم أَثمَنَ مِنها كثيرًا؟ إنها دعوة متجددة لنا، نحن أبناء هذا العصر، عصر العلم والتكنولوجيا والمال، لنعيد النظر بحياتنا وبخياراتنا... لأن من يختار المسيح، يؤمن بالحب ويختبر الحياة كعطيّة من الله الآب، ولذلك فهو إنسان حرّ ولا يمكن لأي شيء أن يكبله ويمنعه من عيش حياته وتحقيق دعوته بملئها.

"أُنظُرُوا إِلى طُيورِ السَّماءِ كَيفَ لا تَزرَعُ و لا تَحصُدُ ولا تَخزُنُ في الأَهراء، وأَبوكُمُ السَّماويُّ يَرزُقُها. أَفَلستُم أَنتُم أَثمَنَ مِنها كثيرًا؟... إِعتَبِروا بِزَنابقِ الَحقل كيفَ تَنمو، فلا تَجهَدُ ولا تَغزِل.... فلا تَهتَمُّوا...لأن أَباكُمُ السَّماويُّ يَعلَمُ أَنَّكم تَحتاجونَ إِلى هذا كُلِّه". من يؤمن بالحب يختبر أن مصدر الحياة خصب دائمًا، وهذا ما يؤكده لنا اليوم يسوع في الإنجيل، لأن الإيمان بمحبة الآب ليس مجرد ثقة بعناية تسلبني مسؤوليتي وحريّتي وإنما هي خبرة الجوهري، إنها اختبار عطيّة الحب التي تخلق في الإنسان طريقة جديدة للرؤية والعمل لأن من يؤمن بإله يبذل نفسه محبة لشعبه يختبر السلام وحرية القلب ليواجه مصاعب الحياة دون أن يُسحق تحتها.

"لا يُهِمَّكُم أمرُ الغَد، فالغَدُ يَهتَمُّ بِنَفْسِه. ولِكُلِّ يَومٍ مِنَ العَناءِ ما يَكفِيه" بهذه الدعوة يختتم يسوع إنجيل اليوم، وبها هو يدعونا لنؤمن بالحب ونعيشه ونتذوقه يومًا فيومًا، مساهمين بذلك في بناء ملكوت الله وتحقيقه. لنرفع إذًا صلاتنا إلى الله ولنستسلم بين يديه ونقدم له أنفسنا وكل ما نملك كذبيحة حب كبيرة ولنهتف مع القديس اغناطيوس دي لويولا قائلين: "خُذْ يا ربّ، وتَقبَّلْ منّي حريّتي، وذاكرتي، وذكائي، وإرادتي، وكلّ ما هو لي وكلّ ما أملِكُ. فأنتَ أعطَيتَني هذه كلّها، وأنا إليكَ أعيدُها يا ربّ. فكلّ شيء لكَ؛ تصرَّف به وفقًا لإرادتِكَ. امنَحني حبَّكَ ونعمَتَكَ؛ فهذا يَكفيني".








All the contents on this site are copyrighted ©.