2014-01-14 15:03:16

البابا فرنسيس: الإيمان ليس عبئًا


أربعة أمثلة للمؤمنين للتأمل حول شهادة المسيحي الحقيقيّة دارت حولهم عظة الأب الأقدس في قداسه الصباحي الذي ترأسه اليوم في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان، وقد استوحى تأمله من الشخصيات التي تقدمها لنا الليتورجية في قراءات اليوم ليتوقف عند حداثة البشارة التي حملها يسوع المسيح أي محبة الله لكل واحد منا، ونبّه المؤمنين من خطر الوقوع في التصرفات المرائيّة أو التشريعيّة التي تُبعد الناس عن الإيمان.

توقف البابا فرنسيس في عظته عند شخصيّة يسوع والكتبة الذين نقرأ عنهم في إنجيل القديس مرقس وعند شخصيّة عالي الكاهن وولديه الذين نقرأ عنهم في سفر صموئيل الأول. يخبرنا الإنجيل أولاً عن موقف يسوع عندما كان يُعلِّم فقد "كانَ يُعَلِّمُهم كَمَن له سُلطان، لا مِثلَ الكتبَة" الذين كانوا يعلّمون الناس ويحملونهم أحمالاً ثقيلة، ويسوع نفسه يقول عنهم بأنهم لا يمسون هذه الأحمال بإحدى أصابعهم، ولذا كان يسوع يحذر الناس قائلاً: "إسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم!" لأنهم كانوا يطلبون منهم أشياء وأمورًا عسيرة الحمل ويحملّونهم أعباءً... لذلك أيضًا نرى يسوع ينتهرهم قائلاً: "الويل لكم لأنكم استوليتم على مِفتاحِ المَعرِفة، فلم تَدخُلوا أَنتُم، والَّذينَ أَرادوا الدُّخولَ مَنَعتُموهم". لقد كانت هذه طريقتهم في التعليم والتبشير والشهادة لإيمانهم ولا يزال هناك أشخاص حتى يومنا هذا يعتقدون أن الإيمان هو بهذا الشكل.

نجد في القراءة الأولى من سفر صموئيل صورة عالي الكاهن الشيخ الفاتر والضعيف الذي "سمع بأعمال بنيه الخبيثة" وقد كان جالسًا على كُرسي أمام عضادة هيكل الرب، ويراقب حنة التي كانت تصلّي بطريقتها وتطلب من الله أن يرزقها مولودًا ذكرًا. تابع البابا فرنسيس يقول: كانت هذه المرأة تصلّي ببساطة وتواضع، كانت تصلي من قلبها ولكنها كانت مكتئبة مكروبة النفس، نقرأ في سفر صموئيل: " كانت حَنَّةُ تَتَكلَمُ في قَلبِها، وشَفَتاها تختلجان فَقَط"، تمامًا كالعديد من النساء الصالحات اللواتي نجدهنَّ في كنائسنا ومزاراتنا، لقد كانت تصلي طالبة من الرب آية. وكان عالي يراقبها فظنها سكرى، "فاحتقرها في نفسه" وقام ليصرفها وقال لها: "إلى متى أَنتِ سَكرى؟ أَفيقي مِن خمرِك". أضاف البابا فرنسيس يقول لقد كان عالي ممثلاً ومرشدًا في الإيمان لكن قلبه كان مغلقًا ولذلك "احتقر" هذه المرأة.

كم من المرات يشعر المؤمن بأنه غير مرغوب فيه ومحتقر من قبل أشخاص وجب عليهم تقديم شهادة صالحة: من مسيحيين ملتزمين ومن كهنة وأساقفة... فيحتقرونه ويقولون عنه "مسكين فهو لا يفهم شيئًا عليه أن يتابع دروسًا في اللاهوت ليفهم ما يجري". ولكن قد تتساءلون لماذا يعجبني موقف عالي؟ كان عالي لا يزال يحتفظ في قلبه بمسحته الكهنوتيّة، لأنه ما إن شرحت له حنة وضعها حتى أجابها قائلاً: "انطلقي بِسَلام، وإِلهُ إِسرائيلَ يُعطِيكِ بُغيَتَكِ الَّتي التَمَستِ مِن لَدُنه". لقد ظهرت مسحته الكهنوتيّة التي كان قد بدأ يفقدها بسبب ضعفه وشيخوخته. لاسيما وأن أبنيه، "حُفنِي وَفِنحَاسُ، كَاهِنَا الرَّبِّ" كانا قد توليا مسؤوليّة الهيكل ولكنهما لم يكونا صالحَين، كانا يبحثان عن السلطة والمال ويستغلان الناس ويستفيدان من حسناتهم وتقدماتهم لكن الرب جازاهما. هذه هي صورة المسيحي الفاسد: العلماني الفاسد أو الكاهن الفاسد أو الأسقف الفاسد الذي يستفيد من منصبه ومميزاته لمصالحه الشخصيّة فيفسد قلبه تمامًا كيهوذا. ومن القلب الفاسد لا يخرج إلا الشر والخيانة ويهوذا خان الرب.

نصل بهذا إلى الصورة الرابعة، صورة يسوع الذي كان الشعب يقول عنه بأنه يعلم كمن له سلطان: إنه تعليم جديد. لكن أين تكمن حداثة هذا التعليم تابع البابا فرنسيس يسأل، في قوة القداسة!! تكمن حداثة تعليم يسوع بأنه يحمل في داخله كلمة الله ورسالته أي محبته لكل واحد منا. فيسوع قد قرّب الإنسان من الله باقترابه بنفسه من الخطأة: فقد غفر للمرأة الخاطئة وتحدث مع السامريّة! فيسوع جاء ليبحث عن قلب الإنسان وليقترب من قلوب الأشخاص المجروحين، هو يتطلع إلى الإنسان والله فقط، يريد أن يعيد الإنسان إلى الله ولذلك كانت تأخُذه الشفقة على الجموع لأنهم كانوا تعبين رازحين كخراف لا راعي لها. وهذا ما جعل الناس تندهش لتعليمه وتقول إنه تعليم جديد، لكنه لم يكن تعليمًا جديدًا، تابع الأب الأقدس يقول، وإنما طريقة جديدة!  فيسوع كان يعلم بطريقة جديدة: وهذه هي الشفافيّة الإنجيليّة!

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول: لنطلب من الله أن تساعدنا جميعًا قراءات اليوم في حياتنا المسيحيّة: كل في منصبه، فلا نكون كالكتبة والفريسيين تشريعيين ومرائين، ولا نكون فاسدين كحُفنِي وَفِنحَاس ابني عالي، ولا فاترين كعالي، وإنما كيسوع تحركنا الرغبة في البحث عن الناس وشفائهم ومحبتهم كمن يقول لهم: "إذا كنت أنا الإنسان الضعيف أقوم بهذا فكم بالحري يحبكم الله الآب". هذا هو التعليم الجديد الذي يطلبه الله منا، فلنسأله هذه النعمة!








All the contents on this site are copyrighted ©.