2013-12-14 14:19:11

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


وسَمِعَ يُوحَنَّا وهو في السِّجنِ بِأَعمالِ المسيح، فأَرسَلَ تَلاميذَه يَسأَلُه بِلِسانِهم: "أَأَنتَ الآتي، أَم آخَرَ نَنتَظِر؟" فأَجابَهم يسوع: "اِذهبوا فَأَخبِروا يُوحنَّا بِما تَسمَعونَ وتَرَون: العُميانُ يُبصِرون والعُرْجُ يَمشونَ مَشْيًا سَوِيًّا، البُرصُ يَبرَأُون والصُّمُّ يَسمَعون، المَوتى يَقومون والفُقراءُ يُبَشَّرون، وطوبى لِمَن لا أَكونُ لَه حَجَرَ عَثْرَة". فلَمَّا انصرَفوا، أَخذَ يسوعُ يقولُ لِلجُموعِ في شَأنِ يُوحنَّا: "ماذا خَرَجتُم إِلى البَرِّيَّةِ تَنظُرون؟ أَقَصَبةً تَهُزُّها الرِّيح؟ بل ماذا خَرَجتُم تَرَون؟ أَرَجُلاً يَلبَسُ الثِّيابَ النَّاعِمَة؟ ها إِنَّ الَّذينَ يلبَسونَ الثِّيابَ النَّاعِمَةَ هُم في قُصورِ المُلوك. بل ماذا خَرَجتُم تَرَون؟ أَنَبِيًّا؟ أَقولُ لَكم: نَعَم، بل أَفضَلُ مِن نَبِيّ. فهذا الَّذي كُتِبَ في شَأنِه: "هاءَنَذا أُرسِلُ رَسولي قُدَّامَكَ لِيُعِدَّ الطَّريقَ أَمامَكَ". الحَقَّ أَقولُ لَكم: لم يَظهَرْ في أَولادِ النِّساءِِ أَكبَرُ مِن يُوحَنَّا المَعمَدان، ولكنَّ الأَصغَرَ في مَلَكوتِ السَّمَواتِ أَكبرُ مِنه.

للتـأمل

في هذا الأحد الثالث من زمن المجيء تدعونا الكنيسة للتأمل بشخصيّة القديس يوحنا المعمدان الذي كانت حياته بأسرها موجهة نحو المسيح. إنه "الصوت" الذي أُرسل لكي يبشر بالكلمة المتجسد و"الشاهد" الأول له.

من هو يوحنا المعمدان؟ "يوحنّا" اسمه، كما أعلنه الملاك لزكريّا وأراده أبوه وأمّه. معناه الله يرحم. وقد تجلّت رحمة الله عبر الوعود وتحقيقها واستمراريّتها. يوحنا هو "السابق"، أي أنّه يسبق المسيح، مخلّص العالم، فيعدّ له الطريق في القلوب والعقول: بالكرازة عن اقتراب الملكوت، داعيًا إلى التوبة والارتداد إلى الله بتغيير الذهنيّات، وداعيًا إلى انتظار شخص آخر أقوى منه. وهو السابق ليسوع بشهادة الدم وقطع الرأس دفاعًا عن الحقيقة. وقد فسّر يوحنّا الرسول في مقدّمة إنجيله هذا اللقب بالقول: "كان رجل، مرسل من الله، اسمه يوحنّا. هذا جاء شاهدًا، ليشهد للنور، ليؤمن الجميع على يده. لم يكن هو النور، بل ليشهد للنور".

يوحنا هو "المعمدان"، وهذا ما أعلنه عن نفسه أنّه "يعمّد بالماء للتوبة. أمّا الذي يأتي بعده، وهو أقوى، فيعمّد بالروح القدس والنار". معموديّة يوحنّا بالماء هي علامة رمزيّة فقط. أمّا معموديّة يسوع "بالروح القدس" فهي علامة تفعل التقديس بالنعمة الإلهية. وبهذه الممارسة كان يوحنّا يهيئ القلوب بالتوبة لقبول نعمة الروح القدس التي تقدّس وتبدّل وتشفي، والتي أفاضها المسيح بموته وقيامته. إنه "إيليّا الجديد"، الذي أنبأ عنه الملاك في بشارته لزكريّا أنّ ابنه الموعود "يسير أمام الربّ بروح إيليّا وقوّته". لقد تجلّت روح إيليّا في كلماته القاطعة كالنار وفي حياته المتقشفة كما يصفها متّى الإنجيلي (3/1-12). فقد كان يوبّخ هيرودس الوالي علناً على اتّحاده بهيروديّا امرأة أخيه. فرماه الوالي في السجن، ثمّ أمر بقطع رأسه بطلب من هيروديّا (مر 6/17-29).

يكتب القديس افرام السرياني: لو اجتمع القدّيسون جميعًا، هؤلاء الصالحون، والأقوياء والحكماء وسكنوا في إنسان ٍواحد، لما استطاعوا أن يضاهوا يوحنّا المعمدان... الذي قيل فيه إنّه يفوق البشر بأشواطٍ، وإنّه ينتمي إلى فئة الملائكة... فمِن خلال ما قاله الربّ عن عظمة يوحنّا المعمدان، أراد أن يُعلن لنا عن وفرة رحمة الله وكرمه مع مختاريه. ويوحنّا المعمدان مع كِبَر عظمته واتّساع شُهرته، فإنّ ذلك أقلّ بكثير ممّا سيكون عليه حال الأصغر في ملكوت السماوات، على ما قاله بولس الرسول، "لأَنَّ مَعرِفَتَنا ناقِصة ونُبُوَّاتِنا ناقِصة... فمَتى جاءَ الكامِل زالَ النّاقِص" (1قور13: 9-10). إنّ يوحنا كبيرٌ، فهو الّذي قال في استشعارٍ مسبق: "هُوَذا حَمَلُ اللهِ" (يو1: 29). ولكن هذه العظمة، مقارنةً مع المجد الذي سيُكشف عنه لأولئك الذين سيصبحون مستحقّين ليست سوى لمحة مسبقة بسيطة. بمعنى آخر، إنّ كلّ الأشياء العظيمة والرائعة هنا في الدنيا تبدو صغيرة وغير ذات قيمة مقارنةً مع الغبطة في العالم الآتي...

لقد وُجدَ يوحنّا جديرًا بالهبات الكبرى في هذا العالم: النبوءة والكهنوت (راجع لو1: 5-17)، والعدل... إنّ يوحنّا أكبر من موسى والأنبياء، غير أنّ الشريعة القديمة تحتاج إلى العهد الجديد بما أنّ ذلك الذي هو أعظم من الأنبياء قال للربّ: "أَنا أَحتاجُ إِلى الاِعتِمَادِ عن يَدِكَ، أَوَأَنتَ تَأتي إِليَّ؟" (متى3: 14). ويوحنّا عظيمٌ أيضًا لأنّ الحبل به أعلنه ملاك، ولأنّ ولادته كانت محاطة بالمُعجزات، ولأنّه بشّر بمُعطي الحياة، ولأنّه عمّد لمغفرة الخطايا... لقد قاد موسى الشعب إلى نهر الأردن والشريعة قادت البشريّة إلى معموديّة يوحنّا. ولكن "إن لم يكن في أَولادِ النِّساءِ أَكبَرُ مِن يُوحَنَّا المَعمَدان"، السابق للربّ، فكم هم أعظم أولئك الذين غسل الربّ أقدامهم ونفح فيهم من روحه؟ (يو13: 4-17 و20: 22).








All the contents on this site are copyrighted ©.