2013-11-23 12:46:36

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


ووقَفَ الشَّعْبُ هُناكَ يَنظُر، والرُّؤَساءُ يَهزَأُونَ فيقولون: "خَلَّصَ غَيرَه فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَه، إِن كانَ مَسيحَ اللهِ المُختار!" وسَخِرَ مِنه الجُنودُ أَيضًا، فدَنَوا وقرَّبوا إِلَيه خَلاً وقالوا: "إِن كُنتَ مَلِكَ اليَهود فخَلِّصْ نَفْسَكَ!" وكانَ أَيضًا فَوقَه كِتابَةٌ خُطَّ فيها: "هذا مَلِكُ اليَهود". وأَخَذَ أَحَدُ المُجرمَينِ المُعَلَّقَينِ على الصَّليبِ يَشتُمُه فيَقول: "أَلستَ المَسيح؟ فخَلِّصْ نَفْسَكَ وخَلِّصْنا!" فانتَهَرَه الآخَرُ قال: "أَوَما تَخافُ الله وأَنتَ تُعاني العِقابَ نَفْسَه! أَمَّا نَحنُ فعِقابُنا عَدْل، لِأَنَّنا نَلْقى ما تَستوجِبُه أَعمْالُنا. أَمَّا هو فلَم يَعمَلْ سُوءًا". ثُمَّ قال: "أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلَكوتِكَ". فقالَ له: "الحَقَّ أَقولُ لَكَ: سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس".

 

للتـأمل

تحتفل الكنيسة في هذا الأحد بعيد المسيح الملك، وهو الأحد الأخير في زمن السنة ويشكل نهاية السنة الطقسية، وفي هذا اليوم تدعونا الكنيسة لنوجه أنظارنا إلى ملوكيّة المسيح، الذي نؤمن بأنه قد غلب الموت وأنه "جالس عن يمين الآب". ولكن علينا في الوقت نفسه، ألا ننسى بأن يسوع الممجد هذا هو نفسه الذي ظهر لنا كأفقر الفقراء، وتمّ إذلاله وصلبه على الصليب.

قد يفهم البعض ملوكية يسوع بحسب الطريقة البشرية. وانطلاقًا من هذا المبدأ يتساءلون عن معنى ملوكية إله لا يملك حقًا، أقله ظاهريًا. لكن ملوكيّة يسوع لا تأتي من هذا العالم. وليست مثل أنظمة وملوكيات وسلطات عصره. ملوكيّة يسوع ترتبط بهويته التي تستمد سلطتها من أبيه الذي أرسله إلى العالم ليشهد للحق. إنها ترتبط بوجه الله الذي كشفه يسوع من خلال كلامه وأعماله، هو الذي رفض الخضوع لتجارب السلطة، أعطى علامة لطيبة الله وشغفه بتحريره للممسوسين وبإعلانه المغفرة للخطأة.

هو الذي أحبّ خاصته إلى أقصى الحدود، حتى غسل أرجل تلاميذه أثناء العشاء الأخير، هو أخيراً الذي بعيداً من أن يرد على العنف بالعنف، قبل أن يقدم ذاته فأصبح فريسة أعدائه. "مملكتي ليست من هذا العالم؛ وإذا أتت من هذا العالم، لرأيتم الحرس يدافعون عني كي لا أًسلم إلى اليهود. لا، مملكتي لا تأتي من هنا".

ونحن الذين نحمل اسم المسيحيين، هل نقبل بالفعل هذا الكشف الذي عارضه بقوة معاصري يسوع؟ ألم نحتفظ في أغلب الأحيان فقط بصور المجد، متناسين طريق التواضع التي كانت طريق يسوع على مسار حياته؟ نحن الذين نحمل اسم المسيحيين، هل نستقبل يسوع كما يكشف لنا هو عن ذاته بالحقيقة؟ كمن لا يبحث عن التملك ولا على التسلط بل يعطي ذاته لنا حبّاً وبتواضع وفقر كبيرين؟ لاشك أنه أحياناً يمكن لمحن الحياة أن تبعدنا عن الرجاء، وأنه في مثل هذه الحالات لدينا صعوبة بأن ننظر إلى المسيح المتألم على أنه هو نفسه من قدم لنا الحياة بآلامه؛ لكن كيف يمكننا ألا نسمع الرجاء الذي يفتتح سفر رؤيا يوحنا، عندما يدعو المسيحيين لاستقبال سلام المسيح يسوع، "الشاهد الأمين، بكر الأموات، ملك ملوك الأرض"؟

يقول لنا يسوع: "إن ملكوت الله هو حاضر في وسطكم"، فالملكوت ليس "مكانًا" أو "سلطنة" بل شخصًا، هو شخص يسوع المسيح، والولوج في ملكوت الله هو الدخول في علاقة حميمية مع المسيح الذي يقودنا إلى الآب؛ وقبول "حماقة وشك الصليب". فليس هناك إذًا من طريق آخر لفهم ملوكية المسيح إلا هذا: أن يعي المرء أن مواجهة الشر بالشر هو فشل، هو هزيمة ورضوخ لمنطق الشر. قوة المسيح، هي قوة الحب، وملكوته هو ملكوت الحب الذي يقول: "لا تدع الشر يغلبك، بل اغلب الشر بالخير" (روم 12، 21). لذا فالمسيح هو ملك لأنه أحب حبًا لا يضاهيه حب لأنه بذل نفسه لأجل أحبائه، وبهذا الحب الخيّر هدم سور العداوة وصار هو سلامنا.

يدعونا عيد المسيح الملك لنغيّر تصوراتنا عن القدرة والتسلط على ضوء طريق التواضع الذي كان طريق يسوع على مسار حياته. فلا يغيبنَّ عن فكرنا أبدًا أن ملكوت المسيح ومُلك يسوع المسيح الملك هو وقف علينا، إنه ملكوت من يدخل في منطق المسيح. ليس لدينا مملكة في هذه العالم، بل ننتظر في الرجاء السعيد تجلي ربنا وإلهنا العظيم يسوع المسيح. هذا الانتظار المسيحي ليس سلبيًا، ليس كسلاً وبطالة، بل هو عمل وجهد في بناء ملكوت المسيح. وهذا هو تحدي المسيحية أن تعيش حتى البطولة أولوية المحبة. لأنه حيث تملك المحبة فهناك يملك المسيح.








All the contents on this site are copyrighted ©.