2013-04-27 11:12:12

القديس فرنسيس والرحمة: "المر أصبح حلوًا والذي كان مرذولاً من قبل أصبح علة حياة"


تمحورت المرحلة الأولى من حبريّة البابا فرنسيس حول موضوع الرحمة، ففي أول تلاوة صلاة للتبشير الملائكي مع المؤمنين في السابع عشر من آذار مارس المنصرم، وفي تعليقه حول إنجيل المرأة الزانية التي أنقذها يسوع من الموت (يوحنا 8، 1- 11) ذكّر الأب الأقدس بأن: "وجه الله هو وجه أب رحوم، صبور دائما". وأنه "لا يتعب أبدا من المغفرة عندما نعود إليه بقلب تائب". وفي عظته مترأسا القداس الإلهي في الحادي والعشرين من نيسان أبريل الجاري قال البابا فرنسيس للكهنة الجدد: "أدعوكم اليوم، باسم المسيح والكنيسة، ألا تتعبوا من أن تكونوا رحماء". وإن أطلنا الكلام فسنجد مراجع أخرى تحدث فيها البابا فرنسيس عن الرحمة منذ بداية حبريّته إلى اليوم ولكن يبقى سؤالنا اليوم: بأي تعابير واستعارات تحدث القديس فرنسيس عن الرحمة وكيف عاشها في حياته.

نجد في وصيّة القديس فرنسيس فقرة طويلة مخصصة لحدث ارتداده والذي يلعب فيه دورًا أساسيًّا لقاؤه مع البرص ويقول: "هكذا سمح لي الله أن أبدأ توبتي: عندما كنت لا أزال خاطئًا كانت رؤية البرص تسبب لي مرارةً كبيرة، لذا قادني الرب بينهم لأكون رحيمًا معهم، وعندما ابتعدت عنهم، تحول ما كان يسبب لي المرارة إلى حلاوة للروح والجسد".

لقد تميّزت بداية ارتداد القديس فرنسيس "بعمل الرحمة" فمن شخص أنانيّ منغلق على ذاته أصبح قادرًا على رؤية مشاكل الآخرين، ومشاركة خبرة حياة الآخرين الذين أصبحوا يمثلون بالنسبة له حضور المسيح الحي في تاريخ الكنيسة. ومن خبرة الرحمة هذه ولد رجل جديد، قادر على قلب مقاييس القيم والأحكام: فالمر أصبح حلوًا والذي كان مرذولاً من قبل تحوّل إلى علة حياة، وأصبح هو نفسه أداة للرحمة.

نقرأ في رسالة كتبها القديس فرنسيس لأحد رؤساء الأديار حوالي العام 1223: "بهذا سأعرف أنك تحب الله، وتحبني أنا خادمه وخادمك، إن تفعل هذا: ألا يعود أي أخ خاطئ أدراجه، إذ أتاك طالبًا الغفران، دون أن ينال غفرانك الرحيم. وإن خطئ مجدّدًا أمامك، لا تمنع عنه محبّتك بل أفض عليه حبّك لتتمكن من اجتذابه إلى الله، وكن دائمًا رحيمًا مع إخوتك هؤلاء". لقد كان همّ فرنسيس الأوحد أن يجتذب جميع الإخوة إلى الله، لأن خلاص الإخوة هو الخير الأعظم، كما نقرا في القانون الذي كتبه القديس فرنسيس: "ليظهر الإخوة حب بعضهم لبعض على حدّ قول الرسول: لا تكن محبتنا بالكلام أو باللسان بل بالعمل والحق" (1يو 3، 18).

لقد شدّد القديس فرنسيس في حياته دائمًا على الرحمة، وقد يبدو لنا وكأنها شكّلت همّه الوحيد، إذ كما يؤكد القديس يعقوب في رسالته: "لأن الدينونة لا رحمة فيها لمن لم يرحم، فالرحمة لا تبالي بالدينونة" (يع 2، 13).

ونقرا في رسالة كتبها القديس فرنسيس متوجها لجميع المسيحيين: "ليحكم بالرحمة، أولئك الذين أوكلت إليهم السلطة بالحكم على الآخرين، كذلك كما يسألون هم أنفسهم الرحمة من الرب، لأن الدينونة لا رحمة فيها لمن لم يرحم". ونقرا أيضًا: "ليكن الكبير فيكم، أصغركم وخادمًا للأخوة الآخرين، وليُعامِل جميع إخوته بالرحمة التي يريد أن يُعامَل بها. ولا يغضبنّ أحد من أخيه من أجل خطيئته، وإنما فليوبخه ويعزيه بأناة وتواضع".

لقد كان القديس فرنسيس رجل سلام، قادرا بدوره على نقل سلام داخلي للآخرين كما نقرأ في إحدى توصياته التي كتبها في أواخر أيام حياته: "حيث الحبّ والحكمة، لا خوف، ثمّة، ولا جهل. وحيث الصبر والتواضع، لا قلق ولا غضب. وحيث الفقر والفرح، لا شهوة ولا ألم. وحيث الهدوء والخشوع، لا هموم ولا اضطرابات باطلة. حيث خوف الله يحرس الباب، لا قِبَلَ للعدوّ الخبيث على الدخول، وحيث الرأفة والمحبّة، لا مكان لممتلكات نافلة، ولا لقسوة القلب".








All the contents on this site are copyrighted ©.