2013-04-20 15:30:50

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


"إِنَّ خِرافي تُصْغي إِلى صَوتي وأَنا أَعرِفُها وهي تَتبَعُني وأَنا أَهَبُ لَها الحَياةَ الأَبديَّة فلا تَهلِكُ أَبدًا ولا يَختَطِفُها أَحَدٌ مِن يَدي. إِنَّ أَبي الَّذي وَهَبَها لي أَعظمُ مِن كُلِّ مَوجود. ما مِن أَحَدٍ يستطيعُ أَن يَختَطِفَ مِن يَدِ الآبِ شَيئًا. أَنا والآبُ واحِد." (يوحنا 10، 27- 30)

 

للتـأمل

يسوع هو الراعي الصالح، وما من شيء أجمل من أن يخاطر الراعي بحياته من أجل خرافه. تتكرّر هذه العبارة أربع مرّات في هذا المقطع فتشكّل له هيكليته. الخراف هي في خطر. وهناك الذئاب الخاطفون والمضلّلون الذين يرودون طالبين حياة الخراف. أما الراعي فلا يهتمّ بخطر من أجل قطيعه. وسيأتي يوم يهاجمه الذئب. ولكن لا أحد يغلبه. إن مات فسيموت حراً. وإن قتلوه، فلأنه اختار هذه الطريقة ليفدي أحبّاءه، فلأنه اختار طريق الموت. إنه ليس إلاّ ضحية تفانيه بل هو أحبنا حتى مات من أجلنا. إنه ذلك الذاهب إلى الموت بحريّة تامة. ذلك الذي لا يستطيع الموت أن يبقيه تحت سلطانه. يمسك في يده سلطة الأمانة للآب. هذه هي دعوته، وهذا هو مصيره. إنه سيد المستحيلات!

يعيش في الخطر لأنه يعيش حياته بحرارة. هو يسيطر على حياته فلا يسمح لأحد بأن ينتزعها منه. هو يدعو الخراف بأسمائها، أنه "يعرفها". هو يعرف كل شيء عن حياتها ويهتمّ بها كراعٍ حقيقي مُغرم بكل فرد في قطيعه. كل واحد هو لؤلؤة في مجموعته، وليس رقماً من الأرقام. لقد اختبر حبّ أبيه الشخصي، وهو يوجّه كل انتباهه إلى كل واحد من خرافه. كل واحد له اسمه، وهو معروف، وهو فريد، وله هويّته.

 تقوم دعوة الراعي الصالح بأن ينمي القطيع، لا حباً بالعظمة بل شوقاً إلى الوحدة. يعطي حياته. فالدعوة تتجذّر في سرّ الفصح الذي يحيي ويجعلنا نعطي الحياة. يسوع وحده هو الراعي الحقيقي. هو الراعي الصالح لأن حياته تجسّد صلاح إله العهد وحقيقته. هو وحده يريد ما هو صالح وطيّب للبشر. وإن جاء فلهذا الهدف فقط. وفي الواقع، إن الميزة الوحيدة للراعي الصالح، والتي يكرّرها يوحنا مراراً، هي أن "يبذل حياته من أجل خرافه". هو صالح لأنه يبذل حياته، ولأن ليس من برهان أعظم من أن يبذل الإنسان حياته عن أحبّائه.

وسمّى يسوع أيضاً نفسه "الراعي الصالح" لأنه "يعرف أخصّاءه" و"أخصّاؤه يعرفونه"، وهذه المعرفة ليست نظرية ولا باطنية. هي إتحاد حيّ، إتحاد القلب والفكر، وإيماننا هو في الحقيقة علاقة حبّ وخبرة حياة حميمة وشخصية متبادلة.

ليست الكنيسة "قطيعاً" لا قائد له. هي إتحاد مع الراعي الصالح الذي يبدو له كل مؤمن على أنه "خروف فريد" يدعوه باسمه وهذا ما يدهشنا. فيسوع يقابل هذه المعرفة الحميمة التي يكنّها الراعي لكل منا، بالرباط الروحي والبنوي الذي يربطه بالآب.

إن رغبة يسوع بأن يكون مع خرافه، لها بعد شامل، على مستوى الكون. فحبّه كراع ساهر يمتدّ إلى جميع البشر دون تمييز بعرق أو بلد أو دين وفي كل مكان له خرافٌ مستعدة لأن "تسمع صوته وتتبعه. وهو "يريد أن يقودها جميعها إلى"الحياة الابدية"، حياة الآب، وهذه الحياة "لا يستطيع أحد أن يأخذها مني، فأنا أعطيها". هذه هي حرية يسوع السامية. هو لا يخضع للموت كقدر لا مفرّ منه، بل يقبله كموضع وحي لحبّ الآب ولإعلان صلاح الآب وحنانه.

يكتب القديس غريغوريوس الكبير: يقول الربّ: "إِنَّ خِرافي تُصْغي إِلى صَوتي وأَنا أَعرِفُها وهي تَتبَعُني وأَنا أَهَبُ لَها الحَياةَ الأَبديَّة". وكان قد قال قبل ذلك بشأنهم: "أَنا الباب فمَن دَخَلَ مِنِّي يَخلُص يَدخُلُ ويَخرُجُ ويَجِدُ مَرْعًى". يدخل بالإيمان؛ ويخرج عابرًا من الإيمان إلى الرؤية وجهًا لوجه، ومن المعتقَد إلى التأمّل، ويجد مرعًى لدى وصوله إلى الوليمة الأبديّة. تجد خِراف الراعي الصالح، إذن، مرعًى، لأنّ كلّ من يتبعه بقلبٍ بسيط يتغذّى في المراعي الدائمة الخضرة. ما هو مرعى تلك الخراف، سوى الأفراح الداخليّة لجنّةٍ دائمة الاخضرار؟ لأنّ مرعى المختارين، هو وجه الله، الحاضر على الدوام: بما أنّنا نتأمّله بدون انقطاع، فنفسنا تشبع إلى ما لا نهاية بغذاء الحياة... لنبحث إذن، يا إخوتي الأعزّاء، عن هذا المرعى حيث نجد فَرَحَنا وسط العيد الذي يحتفل به في السماء العديد من مواطنينا. لِيَدْعُنا فرحُهم إلى هذا العيد.

 فَلْنوقِظ نفسنا إذن، يا إخوتي! وليُصبح إيماننا حارًّا بما يراه، ولتشتعل رغباتنا للخيرات الآتية من فوق. فإن أحببنا على هذا النحو، نكون قد انطلقنا في المسير. فلا نَدَعْ أيّة صعوبة تحوّلنا عن فرح هذا العيد الداخليّ، لأنّنا إذا رغبنا في الوصول إلى مكان معيّن، لا يمكن لأيّة صعوبة أن تُبعدنا عن هذه الرغبة.








All the contents on this site are copyrighted ©.