2013-03-01 13:46:57

البابا بندكتس السادس عشر والصلاة، "فن" يفتح قلب الإنسان لله


اختتم البابا بندكتس السادس عشر حبريّته أمس الخميس لينسحب إلى حياة صلاة وتأمل. وكان البابا بندكتس السادس عشر قد كرّس للصلاة خلال العام 2011 و 2012 "مدرسة" حقيقيّة من خلال تعاليمه في المقابلات العامة. قال البابا: فنحن نعلم جيّدًا أنّ الصلاة لا يمكن أن تكون أمرًا مفروغًا منه، بل ينبغي علينا أن نتعلّم كيف نصلّي، كما لو كنّا نكتسب دومًا ومجدّدًا هذا الفنّ؛ حتّى أولئك المتقدّمين جدًّا في الحياة الروحيّة يشعرون دائمًا بالحاجة إلى مدرسة يسوع لِتعلّم الصلاة بأصالتها. نتلقّى الدرس الأوّل من الربّ من خلال مِثاله. فالأناجيل تصف لنا يسوع في حوار حميم ومستمرّ مع الآب: إنّها شركة عميقة للذي جاء إلى العالم لا لِيعمل بِحسب مشيئته، بل مشيئة الآب الذي أرسله من أجل خلاص الإنسان. (المقابلة العامة 4 أيار 2011)

انطلاقاً من المزامير وتعاليم الأدباء المسيحيين قدم البابا بندكتس السادس عشر سلسة أجوبة على تساؤلات الذين يريدون بناء علاقة مع الله، والذين لم يكتشفوه بعد ولكنهم يبحثون عما يملأ فراغ قلوبهم. فالإنسان يحمل في طيّاته عطشًا إلى اللانهاية، وحنينًا إلى الأبديّة، وبحثًا عن الجمال، ورغبة في المحبّة، وحاجةً للنور والحقّ، تدفعه نحو المُطلق؛ إنه يحمل في ذاته الرغبة بالله، ويعلم، بطريقة أو بأخرى، بأنّه قادر على التوجّه إلى الله، يعرف إنّه يمكن أن يصلّي له. فإنسان كلّ الأزمنة يصلّي لأنّه لا يمكن أن يضع جانبًا التساؤل عن معنى وجوده، الذي يبقى مظلمًا ومُحبِطًا، إن لم يوضع في علاقة مع سرّ الله ومشروعه للعالم. والحياة البشريّة هي مزيج من الخير والشرّ، من المعاناة غير المستحقّة والفرح والجمال، التي تدفعنا تلقائيًّا وبشكل لا يُقاوَم لنسأل الله ذلك النور وتلك القوى الداخليّة التي تأتي لِنجدتنا على الأرض وتفتح أملاً يتجاوز حدود الموت. (المقابلة العامة 4 أيار 2011)

هذه حال الإنسان المعاصر أيضا الذي يحاول، وكما أكّد البابا بندكتس السادس عشر مراراً، أن يبني صورة لله تناسب مقاييسه ومشاريعه: فالرجل "الرقميّ" مثله مثل رجل الكهوف، يبحث في التجربة الدينيّة عن الطرق لِتخطّي مُنتهاه وتأمين مغامرته الأرضيّة غير الثابتة. فالحياة دون أفق سامٍ، في أيّ حال، ليس لها معنى مُتكامل والسعادة، التي نميل إليها جميعًا، تتوجّه تلقائيًّا نحو المستقبل، في غدٍ يجب أن يكتمل بعد.

السعادة إذا ليست بتحقيق رغباتنا الماديّة وإشباعها بل هي التوق نحو الحب، والنور والحقيقة، هي التوق نحو الله الذي يعطي معنى لحياتنا، وهذا هو هدف الصلاة. إنّ الهدف الأوّلي من الصلاة هو التوبة: نار الله التي تحوِّل قلوبنا وتجعلنا قادرين على رؤية الله، وبالتالي العيش وفق الله والعيش من أجل الآخر. فنار المحبّة، تحرق وتُحوِّل وتُنقّي، ولكنّها بهذا بالضبط لا تُدمِّر، بل تخلق حقيقة كينونتنا، تخلق قلبنا من جديد. وهكذا نكون، ونحن أحياء فعليًّا بنعمة نار الروح القدس وبمحبّة الله، مُتعبّدين له بالروح والحقّ. (المقابلة العامة 15 حزيران 2011)

هذه هي الصلاة باختصار بالنسبة للبابا بندكتس السادس عشر، الرجل الذي اختار أن يبتعد عن الأنظار ليتّحد أكثر بالله ويكون قلبا مصلياً في الكنيسة ومن أجلها. ويترك لنا البابا بندكتس تعليما أخيراً يساعدنا في عيشنا للصلاة ولاكتشاف جمال التواضع أمام الله ويقول: تملك الصلاة أحد تعابيرها النموذجيّة في حركة الركوع. إنّها حركة تحمل في طيّاتها تناقضًا جذريًّا: فقد أكون مُجبَرًا على الركوع: وهي حالة العَوَز والعبوديّة، ولكن يمكنني أيضًا الركوع بِشكلٍ عفويّ، مُعلنًا محدوديّتي، وبالتالي حاجتي إلى "آخر". أُعلن له بأنّني ضعيف ومحتاج وخاطىء. يعبِّر المخلوق البشريّ في خبرة الصلاة عن كلّ وعيه لِذاته، كلّ ما يستطيع إدراكه عن وجوده، ويوجّه في الوقت نفسه كلّ ذاته نحو الكائن الذي يكمن أمامه، ويوجِّه روحه إلى ذاك "السرّ" الذي ينتظر منه اكتمال الرغبات الأعمق والمساعدة في التغلّب على فقر الحياة الخاصّة. (المقابلة العامة 11 أيار 2011)








All the contents on this site are copyrighted ©.