2013-02-08 14:29:50

الرسالة الراعوية للمطران كريكور أوغسطينوس كوسا بمناسبة الصوم الأربعيني 2013


وجّه المطران كريكور أوغسطينوس كوسا أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك رسالة راعوية بمناسبة الصوم الأربعيني بعنوان الصوم سبيل للإيمان والفرح في المسيح. قال المطران كوسا: تحثنا الكنيسة، الأم والمعلّمة، من خلال الدعوة إلى الصوم، على مراجعة حياتنا، وإعادة توجيهها نحو الرّب، فنتجدّد وندخل سرّ المسيح الفادي، نموت معه لنحيا معه في قيامتنا من عبودية الخطيئة إلى حرية أبناء الله. هذا هو معنى الصوم الذي تريده لنا الكنيسة. خارج هذا الإطار الرّوحي يبقى صيامنا باطلاً. فالامتناع عن الطعام إذا لم يرافقه الإكثار من الصلاة والتوبة وأعمال المحبّة، يبقى لا معنى له.

تابع أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك يقول تأملوا في رسالة القدّيس يعقوب: "ماذا ينفع، يا إخوتي، أن يقول أحدٌ إنه يؤمن، إن لم يعمل؟ أبوسع الإيمان أن يخلّصه؟... وكذلك الإيمان، فإن لم يقترن بالأعمال كان ميّتاً في حدّ ذاته، وكما أن الجسد بلا روح ميّت فكذلك الإيمان بلا أعمال ميّت." فدعوة الكنيسة لنا تكمن في التوبة والندامة وليس في الامتناع عن الطعام، لأن الامتناع هذا ليس عملاً روحياً في ذاته، بل هو إشارة ودليل على التسامي الذي تريده الكنيسة لنا في زمن الصوم.

أضاف المطران كوسا يقول: في الصوم يسمو الإنسان عن جسده وعن رغباته، وفي الصلاة يسمو الإنسان بروحه ليتّحد مع خالقه وربّه. وكأن الصوم والصلاة معاً يحققان وحدة الإنسان في سموه وتعاليه عن العالم، ليتّحد مع ربّه ويجد عنده مصدر تجدّده في جسده وفي روحه. فالصوم الذي يصومه الإنسان لأنه واجب ديني، عليه تتميمه يبقى خاضعاً لشريعة. أما الصائم الذي يصوم لأنه يعتبر الصوم سبيلاً لعودته إلى الرّب والجلوس إليه بالتأمل والصلاة ومن ثم تجديد علاقته مع الرّب ومع القريب، هذا الإنسان الصائم لم يعد خاضعاً للشريعة بل أصبح متعاطياً بعلاقة حرة وحميمة مع الله، والذي يصوم لشعوره وإيمانه بأنه ابن، لأب يحبّه ويعبده ويدعوه إليه هو الذي أصبح وارثاً حقيقياً، حراً، متعاطياً مع الرّب الحيّ وليس مع شريعةٍ مكتوبة أو معلنة.

تابع أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك يقول إن الذي يبقى مع العريس لا يمكنه أن يصوم لأنه في فرحٍ دائم، وفي علاقة مستمرة مع "عريسه" أي مع مصدر فرحه وسعادته. فيسوع هو عريسنا، ومصدر فرحنا، هو موضوع حبّنا، ومن يبقى معه ليلاً نهاراً في اليقظة والنوم، في العمل والراحة، في الشقاء والتعب، في الحرب والسلم، لم يعد بحاجة إلى أن يصوم كما يصوم الفرّيسيون والكتبة.

الفرح في المسيح هو محور إيماننا، وعملنا، وصومنا، وفي هذا الصدد يقول القديس بولس: "نحن نعلم أن الإنسان لا يُبرّر بالعمل بأحكام الشريعة، بل بالإيمان بيسوع المسيح... لأنّي بالشريعة مُتُّ عن الشريعة لأحيا لله، وقد صُلبتُ مع المسيح. فما أنا أحيا بعد ذلك، بل المسيح يحيا فيَّ". فموضوع الصيام عندنانحن المسيحيينهو الفرح في المسيح. ومن يحيا الفرح في المسيح لم تعد تعنيه أية أمور أخرى. فإن المبتغى في كل هذه الأمور هو دخولنا في مشروع البنوّة الذي أتانا به يسوع المسيح.

ختم المطران كريكور أوغسطينوس كوسا أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك رسالته  الراعوية بمناسبة الصوم الأربعيني بالقول: في هذا العام ونحن نحتفل بسنة الإيمان ونتعمّق بصفاء عقيدة إيماننا وجمالها، وتعاليم الكتاب المقدّس والكنيسة والأباء القدّيسين، في سبيل حياة روحيّة فضلى لمعرفة الحقائق الإلهية وتطبيقها في حياتنا اليومية لنجني من ثمارها الرّوحية لتكون عاملاً في التجدّد الذي لا يزال الرّوح القدس يدعو إليه كنيسة الله، جسد المسيح، في مسيرة الحج إلى نور الملكوت. ندعوكم جميعاً بمناسبة هذا الصوم الأربعيني الكبير إلى المصالحة مع الله ومع الذّات ومع القريب، وأقول لكم: تعالوا يا إخوتي لنتصالح ونتسامح ونتسالم كي يرضى علينا الله ويرحمنا ويغفر لنا خطايانا ويقبل صيامنا وتوبتنا.  

أطلب من العذراء مريم الكلّية القداسة والكاملة الطهارة، والدة الكلمة المتجسّد وأم الكنيسة والرسل أن تساعدنا بشفاعتها القديرة ونحن في هذا الزمن الذي تدعونا إليه الكنيسة إلى التجدّد والتوبة، عسى نور الإيمان الحقيقي أن ينقذنا وينقذ البشرية من الجهل ومن عبودية الخطيئة لكي يقودها إلى الحرية، حرية الحياة، في يسوع المسيح بقيادة الرّوح القدس على هذه الأرض وفي ملكوت السماوات، في ملء سعادة ورؤية الله وجهاً لوجه، لنسير في الإيمان لنقيم في جوار الرّب.








All the contents on this site are copyrighted ©.