2013-01-21 10:43:17

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزمان كانَ في قانا الجَليلِ عُرس، وكانَتْ فيهِ أُمُّ يَسوع.  فدُعِيَ يسوعُ أَيضًا وتلاميذُه إِلى العُرس. ونَفَذَتِ الخَمْر، فقالَت لِيَسوعَ أُمُّه: "لَيسَ عِندَهم خَمْر." فقالَ لها يسوع: "ما لي وما لَكِ، أَيَّتُها المَرأَة؟ لَم تَأتِ ساعتي بَعْد." فقالَت أُمُّه لِلخَدَم: "مَهما قالَ لَكم فافعَلوه." وكانَ هُناكَ سِتَّةُ أَجْرانٍ مِن حَجَر لِما تَقْتَضيه الطَّهارةُ عِندَ اليَهود، يَسَعُ كُلُّ واحِدٍ مِنها مِقدارَ مِكيالَينِ أَو ثَلاثَة. فَقالَ يسوعُ لِلخَدَم: "اِمْلأُوا الأَجرانَ ماءً." فمَلأُوها إِلى أَعْلاها. فقالَ لَهم: "اِغرِفوا الآنَ وناوِلوا وَكيلَ المائِدَة." فناوَلوه، فذاقَ الماءَ الَّذي صارَ خَمْرًا، وكانَ لا يَدري مِن أَينَ أَتَت، في حينِ أَنَّ الخَدَمَ الَّذينَ غَرَفوا الماءَ كانوا يَدْرُون فَدَعا العَريسَ وقالَ له: "كُلُّ امرِىءٍ يُقَدِّمُ الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ أَوَّلاً، فإِذا أَخَذَ الشَّرابُ في النَّاس، قَدَّمَ ما كانَ دونَها في الجُودَة. أَمَّا أَنتَ، فحَفِظتَ الخَمرَةَ الجَيِّدَةَ إِلى الآن." هذِه أُولى آياتِ يسوع أَتى بها في قانا الجَليل، فأَظهَرَ مَجدَه فَآمَنَ بِه تَلاميذُه. (يوحنا 2، 1- 11)

 

للتـأمل

ليست الآية للآية، إنما لكي يظهر مجد الله.

نعم لم تكن غاية يسوع صنع الآيات، إنما إرادة الآب السماوي هي أن يُعرِّف ذاته للإنسان، لذلك فغاية يسوع من صنع الآيات هي أن يفتح قلب الإنسان وعقله على تجلي صورة الله الحقيقية للإنسان، التي أساسها الحب والعطاء من أجل تحويل الإنسان من ماءٍ دون لون أو طعم، إلى خمرةٍ معصورة مُسكِرة.

وبالتالي نرى أن الإنجيلي يوحنا يقودنا إلى المسيح ويرغمنا على أن نثبت نظرنا عليه وأن نعود إلى النبع، وأن نكتشف من جديد السر المسيحي في عمقه، وأن نرجع دائما إلى الجوهر، أي إلى الإيمان والمحبة: "والحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الاله الحق وحدك ويعرفوا الذي أرسلتَه يسوع المسيح".

إن عبارة "اليوم الثالث" في هذا النص الإنجيلي تجعلنا ننظر إلى اليوم الثالث يوم القيامة المجيدة؛ ليس فقط، إنما أيضاً إلى اليوم الذي فيه نزل "يهوه" الرب في سيناء وأقام العهد مع إسرائيل وأعطاه الشريعة من خلال موسى.

إن عبارة "اليوم الثالث" هي أيضاً على علاقة وثيقة مع عبارة "ساعة يسوع"، وهو ما نجده في هذا النص الإنجيلي: "وفي اليومِ الثـالثِ كانَ في قانا الجَليلِ عُرسّ... فقالَت لَه أُمُّهُ: "ما بَقِـيَ عِندَهُم خمرٌ".  فأجابَها: "ما لي ولَكِ، يا ا‏مرأةُ، ما جاءَت ساعَتي بَعدُ"" (يو 2، 1 – 4). "فساعة يسوع" بالنسبة للإنجيلي يوحنا تعني آلام – موت – قيامة المخلِّص، والإنجيلي يوحنا يعرِّف أيضا عودة يسوع من هذا العالم إلى الآب بـ"ساعته". فتلك الساعة هي ساعة تمام رسالة يسوع، "وما أتيت إلا لتلك الساعة" (يو 12، 27).  لذلك تمام رسالة يسوع مُخططٌ له بحسب إرادة الآب، ولا يمكن أن يتغير لا بطلب من والدته (2، 4)، ولا بسبب عداوة أعدائه: "فأرادوا أن يمسكوه، ولكن لم يبسط إليه أحد يداً، لأن ساعته لم تكن قد أتت" (7، 20).

"فساعة يسوع" تلعب دوراً أساسياً في إنجيل يوحنا، فهي تقود الإنجيل بكامله وتنيره بضوئها، وهي لا تأتي إلا على مراحل.  ففي البداية، نعلم أن "الساعة لم تأتي بعد" (2، 4)، ثمَّ يتكرَّر هذا الإنذار بأشكال متنوعة، وصولاً إلى عشية الآلام حيث تُدوّي هذه الصيحة: "أتت الساعة التي يُمجَّد فيها ابن الإنسان" (12، 23). ففي تلك "الساعة" يُظهر الآب مجد ابنه، ويُعلن حقيقة شخص المسيح.

من الضروري أن نتوقف قليلاً عند عبارة "مهما قال لكم فافعلوه"، إذ نرى أنه في سفر الخروج، وفي سني المجاعة، صرخ الشعب إلى فرعون، فقال فرعون: "إذهبوا إلى يوسف، فما يقله لكم إفعلوه" (41، 55). وفي العهد القديم أيضاً هناك مجموعة من النصوص التي ترد فيها عبارة "كل ما تكلَّم به الرب نفعله" أو ما يشابهها، وهي ترد في نصوص يقوم فيها شعب إسرائيل بالوعد بطاعة الرب كما فعل في سيناء، أو عندما يقوم بتجديد وعده للرب. فهي بالتالي تُكوِّن جواب الشعب على دعوة الرب، وجواب الإنسان ذات أهمية كبرى لأن الله يريد أن يقيم مع شعبه علاقة حِواريَّة.

ففي سيناء كان موسى يقف بين الله والشعب، أما في قانا فمريم هي التي تربط بين يسوع والخدم؛

في سيناء كان الشعب مستعد ليسمع كل ما قاله الله لموسى، أما في قانا فمريم هي التي تدعو الخدم ليعملوا ما يقوله الرب يسوع؛

في سيناء أعطيت الشريعة بعد أن أعلن الشعب إيمانه، أما في قانا فعطية الخمرة الجديدة سبقها إيمان مريم، الذي نقلته للرسل؛

وبالتالي نداء يسوع لأمه ب"يا امرأة" يأخذ، بالنسبة للإنجيلي يوحنا، بعداً مهماًً، إذ إنه يضع على شفاه مريم، إعلان الإيمان عينه الذي لفظه الشعب في سيناء، وبالتالي فإن يسوع يجد في أمه مريم تجسيداً للشعب القديم الذي بلغ مع مريم ملء الأزمنة. 

إن مريم لم تتكلم في الإنجيل، إنما قالت الكلام الأساسي والضروري، فدورها دورُ أمٍ في الكنيسة، فهي تصلّي وتشفع دائماً لأبنائها لكي يفتحوا قلوبهم للكلمة الصعبة، إنما المحرِّرة: "إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية عندك" (يو 6، 68).








All the contents on this site are copyrighted ©.