2012-12-25 14:52:12

رسالة الميلاد الثانية للكاردينال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي: "أبشّركم بفرح عظيم يكون للشعب كلّه: وُلد لكم اليوم مُخلّص، هو المسيح الرب"


وجه الكاردينال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي رسالة بمناسبة حلول عيد الميلاد المجيد قال فيها: في قلب ظلام الليل وظلمة العالم وُلد المخلّص الإلهي، فأشرق مجدُه نورًا للأمم وكانت البشرى للرعاة الفقراء الساهرين على قطعانهم في نواحي بيت لحم بلسان ملاك الرب: "أبشّركم بفرح عظيم، يكون للشعب كلّه: وُلِدَ لكم اليوم مُخلّص، هو المسيح الربّ." وكان نشيد السلام على الأرض والمجد في السماء. من هذا الفرح العظيم للبشرى أصوغ أطيب التهاني والتمنّيات بالميلاد المجيد والسنة الجديدة لجميع اللبنانيين وأبناء هذا الشرق وإخوتنا المنتشرين تحت كلّ سماء.

تابع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي يقول إن الحدث الذي جرى منذ ألفين واثنتَي عشرة سنة، يتجدّد ويتواصل اليوم وفي كلّ يوم. المسيح نفسه هو لنا الآن وهنا بشرى الخلاص بكل أبعاده الروحية والاجتماعية، الثقافية والسياسية، الاقتصادية والإنمائية. ويريدنا بنعمته أن نكون نحن بدورنا هذه البشرى بأفعالنا وحاملينها بالتزامنا.  

والمسيح هو نورنا في ظلمات الحياة، يبدّدها بنور شخصه وكلامه وآياته وأفعاله. ويدعونا لنكون انعكاسًا لنوره، لكي نبدّد بقوته، وبالأفعال والمبادرات والمخططات الكنسية والمدنية، الفردية والجماعية والمؤسساتية، كلَّ ما يُحيط بنا من ظلمات، وما أكثرها!  فنور المسيح الذي منه نور الكنيسة ونورنا، يتحقّق أيضًا اليوم وهنا، أجل، في ظلمة ليلنا يتردّد صدى بشرى الملاك: "أبشّركم بفرح عظيم، يكون للشعب كلّه: وُلِدَ لكم اليوم مُخلّص، هو المسيح الربّ"، وصدى نداء الطوباوي البابا يوحنّا بولس الثاني: "افتحوا الأبواب للمسيح! بل شرّعوها لقوّته الخلاصيّة! افتحوا حدود الدول والأنظمة الاقتصادية والسياسيّة والحقول الواسعة: حقول الثقافة والحضارة والإنماء. وكما قال الملاك للرعاة، يقول لنا أيضًا: "لا تخافوا! فالمسيح يعرف ما في داخل الإنسان. وحده يعرف."

أضاف الكاردينال الراعي يقول إن المسيح هو سلامنا في القلوب وبين الناس. ويدعونا لنكون صانعي سلام. فقد  كان المسيح، البشرى والنور والسلام، نشيد مجد لله في السماء وموضوع تمجيد. ونحن، بالتزامنا إعلان بشرى الخلاص والعمل من اجل خلاص كل إنسان وشعب، وبنشر نور الحقيقة والمحبة لرفع كل الظلمات، وبصنع السلام في القلب والعائلة والمجتمع والوطن، إنما نحقق مجد الله، ويمجّدنا الله.

إن لبنان وهذا الشرق بحاجة إلى سلام، يكون من عطايا الله وصنع البشر، لكي تخرج بلداننا من ظلمات العنف والحرب والإرهاب، ومن ظلمات الدمار والتشريد والتهجير، ومن ظلمات السجون وأقبية التعذيب، ومن ظلمات الاستضعاف والتسلّط والظلم، ومن ظلمات الأنظمة الديكتاتورية والتوتاليتارية والراديكالية، ومن ظلمات الاعتداء على الحياة البشرية بكل أنواعه الحسّية والمعنوية، وعلى أي شخص بشري أكان جنينًا في بطن أمه، أم كائنًا ظهر إلى الوجود، ومن ظلمات التعدّي على الملكية الخاصة وأموال الغير.

في ضوء هذه المبادئ، نجدد النداء إلى فرقاء النزاع السياسي في لبنان، ليكونوا صانعي سلام، ويبادروا مسرعين إلى وضع قانون جديد للانتخابات، والى تأليف حكومة جديدة مطابقة لقاعدة العيش المشترك؛ حكومة جديدة تلتزم خطة ناجعة للنهوض الاقتصادي والمعيشي، وتخلق الأجواء المناسبة للمصالحة الوطنية، وتجنّب لبنان، أرضا وشعبًا ومؤسسات، تداعيات الحرب في سوريا والأحداث الجارية في منطقتنا العربية، وتوجّه نحو تحييد لبنان عن صراعات المحاور الإقليمية والدولية، فيكون منطلقًا للاستقرار والسلام في المنطقة، ومساحة لقاء وحوار للجميع.

تابع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي يقول: "يوم الميلاد" هو "يوم الإنسان".  بداية زمن الخلاص بالمسيح، ونهاية الأزمنة السابقة. بداية الجديد ونهاية كلِّ عتيق في حياتنا وحياة الشعوب والأمم. فلا بدّ من إعلان جديد لإنجيل المسيح الخلاصي، بل لسرّ المسيح الذي تجسّد لكي يُعيد للإنسان بهاء إنسانيته المخلوقة على صورة الله، والذي مات فدىً عن خطايا كلّ إنسان من اجل الغفران والمصالحة، والذي قام من الموت لتبريرنا وإعطائنا الحياة الجديدة بالروح القدس. فالمسيح، ابن الله، هو المخلّص الواحد والوحيد لجميع الناس.

وختم البطريرك مار بشارة بطرس الراعي رسالته بمناسبة حلول عيد الميلاد بالقول: هذه هي البشرى المفرحة التي نحملها نحن المسيحيين للبنان وبلدان الشرق الأوسط، التي تعيش كلّها آلام المخاض، من اجل مجتمع ووطن أفضل، ويُذكّرنا الإرشاد الرسولي عينه أن أرضنا الشرق أوسطية أرضٌ اختارها الله ليتجلّى عليها سرُّ حضوره وخلاص العالم بالتجسّد والفداء وتقديس الإنسان. فعليها الإله صار إنسانًا، وارتفع على صليبه الخلاصي، وأشعّ بنور القيامة، وأرسل روحه القدّوس ليبثّ الحياة الجديدة في الجنس البشري والتاريخ. ومنها أعلن المسيح سلامه للعالم، وسلّمه للإنسان لكي يحافظ عليه ويبنيه كلّ يوم في العائلة والمجتمع والوطن، فيصير في الحقيقة ابنا لله، كما أكّد في إنجيل التطويبات: "طوبى للساعين إلى السلام، فإنّهم أبناء الله يُدعَون."

فلنجدد أيها الإخوة والأخوات، في سنة الإيمان، إيماننا بالمسيح وبعناية الله، وبأن ارض الشرق الأوسط هي أرضنا. فينبغي أن نحافظ عليها مع كل شركائنا في أوطاننا، ونجعلها ارض بشرى ونور وسلام يشعّ للعالم، كما أشعّ مع ميلاد المسيح والكنيسة الناشئة، لمجد الله العليّ.








All the contents on this site are copyrighted ©.