2012-12-08 14:04:53

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


وفي الشَّهرِ السَّادِس، أَرسَلَ اللهُ الـمَلاكَ جِبرائيلَ إِلى مَدينَةٍ في الجَليلِ اسْمُها ناصرة، إِلى عَذْراءَ مَخْطوبَةٍ لِرَجُلٍ مِن بَيتِ داودَ اسمُهُ يوسُف، وَاسمُ الفتاة مَريَم. فدَخَلَ إلَيها الملاك فَقال: "السّلامُ عليكِ، أَيَّتُها الـمُمتَلِئَةُ نِعْمَةً، الرَّبُّ مَعَكِ". فداخَلَها اضطرابٌ شَديدٌ لِهذا الكَلامِ وسأَلَت نَفسَها ما مَعنى هذا السَّلام. فقالَ لها  الـمَلاك:"لا تخافي يا مَريَم، فقد نِلتِ حُظوَةً عِندَ الله. فَستحمِلينَ وتَلِدينَ ابنًا فسَمِّيهِ يَسوع. سَيكونُ عَظيمًا وَابنَ العَلِيِّ يُدعى، وَيُوليه الرَّبُّ الإِلهُ عَرشَ أَبيه داود، ويَملِكُ على بَيتِ يَعقوبَ أَبَدَ الدَّهر، وَلَن يَكونَ لِمُلكِه نِهاية". فَقالَت مَريَمُ لِلمَلاك:"كَيفَ يَكونُ هذا وَلا أَعرِفُ رَجُلاً؟" فأَجابَها الـمَلاك:"إِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سَينزِلُ عَليكِ وقُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلَكِ، لِذلِكَ يَكونُ الـمَولودُ قُدُّوسًا وَابنَ اللهِ يُدعى. وها إِنَّ نَسيبَتَكِ أَليصابات قد حَبِلَت هي أَيضًا بِابنٍ في شَيخوخَتِها، وهذا هو الشَّهرُ السَّادِسُ لِتِلكَ الَّتي كانَت تُدعى عاقِرًا. فما مِن شَيءٍ يُعجِزُ الله". فَقالَت مَريَم:"أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِك. وَانصرَفَ الـمَلاكُ مِن عِندِها. (لو 1، 26- 38)

 

للتـأمل

تجتمع الكنيسة اليوم لتكرّم العذراء مريم سلطانة الحبل بلا دنس بمناسبة يوم عيدها. إنّ أجمل هبةٍ نقدّمها لأمّنا، هي صلاتنا التي نحملها في  قلوبنا ونوكلها إلى شفاعتها. إنها أفعالُ شكرٍ وتضرّع: شكر من أجل نعمة الإيمان ومن أجل كلّ النعم اليومية التي نتلقاها من الله، وتضرّع من أجل مختلف الحاجات، من أجل العائلة والصحّة والعمل ومن أجل كلّ صعوبةٍ تضعُها الحياةُ في طريقنا.

ماذا تقولُ لنا مريم؟ إنّها تكلّمنا بكلمة الله التي صارتْ جسدًا في حشاها، "رسالتُها" لنا ليست إلا يسوع ذاته. فمريم تقولُ لنا بأننا مدعوون جميعًا لننفتح على عمل الروح القدس لنصبحَ  نحن أيضا في النهاية بلا خطيئة، محررين بصورةٍ كاملة ونهائية من الشر. وهذا ما تقوله لنا بقداستها، بنظرةٍ مليئةٍ بالرجاء والعطف، والتي منها تنبعُ كلماتٍ مثل هذه:"لا تخفْ، يا بنيّ، فاللهُ يحبّكَ، يحبّك شخصيًا. أرادكَ قبل أن تجيءَ إلى العالم ودعاك إلى الوجود ليملأك بالحبّ والحياة. ولذلك جاءَ للقائكَ وصارَ إنسانًا مثلك فأصبحَ يسوع، الله الإنسان، الذي يشبهُك في كلّ شيء ما عدا الخطيئة، وأعطى ذاته لأجلك حتى الموت على الصليب، و منحكَ حياةً جديدة و حرّة.

هذه هي الرسالةُ التي تمنحها مريمُ لنا. نظرةُ مريم هي نظرةُ الله لكلّ واحد، فهي تنظرُ إلينا بحبّ الآب ذاته وتباركنا، وتحامي عنا. مريمُ تنظرُ إلينا كما نظرَ الله إليها، شابة الناصرة المتواضعة، عديمة المعنى في نظر العالم، ولكنها مختارة وثمينة عند الله وهي ترى في كلّ واحد مثالَ ابنها يسوع، وإن كنّا مختلفين... مَن أكثر منها اختبرَ قدرة النعمة الإلهية؟ مَن أفضل منها يعرفُ أن ليس هناك أمرٌ مستحيل عند الله، لا بل إنه القادر على استخراج الخير من الشر؟

هذه هي إذًا الرسالةُ التي نتلقّاها اليوم عند قدمي مريم سلطانة الحبل بلا دنس، إنها رسالة ثقة موجّهة لكل شخص في العالم؛ رسالة رجاء مكتوبة لا بالحبر بل بسيرة حياة امرأةٍ من أرضنا، أعطت ابنَ الله للعالم وشاركت وجودها بأكمله معه! واليوم تقولُ لنا: هذا هو مصيرك، مصيركم، مصير الجميع، أن نكون قديسين كأبانا السماوي، وبلا دنس كأخانا يسوع المسيح، وأبناء محبوبين لنكوّن عائلةً لا يحدها انتماء أو لون أو لغة، لأن الله واحدٌ وهو أبُ كلّ إنسان.

شكرًا لكِ يا مريم يا من حُبل بها بلا دنس، لأنّكِ دومًا معنا وعينكِ ساهرة علينا. عزّي المرضى، شجّعي الشباب، أعضدي العائلات، امنحينا القوة لنرفض الشر بكل أشكاله ونختار الخير. أمنحينا الفرح لنشعر بأننا محبوبون من الله ومبارَكون منه ومختارون مسبقًا لنكون أبناءه.








All the contents on this site are copyrighted ©.