2012-10-13 16:01:48

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلِكَ الزَّمان: وبَينَما يسوعُ خارِجٌ إِلى الطَّريق، أَسرَعَ إِليه رَجُلٌ فجَثا له وسأَلَه: "أَيُّها المُعَلِّمُ الصَّالح، ماذا أَعمَلُ لأَرِثَ الحَياةَ الأَبَدِيَّة؟" فقالَ له يسوع: لِمَ تَدْعوني صالِحًا؟ لا صالِحَ إِلاَّ اللهُ وَحدَه. أَنتَ تَعرِفُ الوَصايا: "لا تَقتُلْ، لا تَزْنِ، لا تَسرِقْ، لا تَشهَدْ بِالزُّور، لا تَظْلِمْ، أَكْرِمْ أَباكَ وأُمَّكَ". فقالَ له: "يا مُعلِّم هذا كُلُّه حَفِظْتُه مُنذُ صِباي". فحَدَّقَ إِليهِ يسوع فأَحبَّه فقالَ له: "واحِدَةٌ تَنقُصُكَ: اِذْهَبْ فَبعْ ما تَملِك وأَعطِهِ الفُقَراء، فَيَكونَ لَكَ كَنزٌ في السَّماء، وتَعالَ فَاتَبعْني". فاغتَمَّ لِهذا الكَلامِ وانصَرَفَ حَزينًا، لأَنَّه كانَ ذا مالٍ كثير. فأَجالَ يسوعُ طَرْفَه وقالَ لِتَلاميذِه: "ما أَعسَرَ دُخولَ مَلَكوتِ اللهِ عَلى ذَوي المال". فدَهِشَ تَلاميذُه لِكَلامِه فأَعادَ يسوعُ لَهمُ الكَلامَ قال: «يا بَنِيَّ، ما أَعسَرَ دُخولَ مَلَكوتِ الله! لأَن يَمُرَّ الجَمَلُ مِن ثَقْبِ الإِبرَة أَيسَرُ مِن أَن يَدخُلَ الغَنِيُّ مَلكوتَ الله". فاشتَدَّ دَهَشُهُم وقالَ بَعضُهم لِبَعض: «فَمَن يَقدِرُ أَن يَخلُص؟" فحَدَّقَ إِلَيهِم يسوعُ وقال: "هذا شَيءٌ يُعجِزُ النَّاسَ وَلا يُعجِزُ الله، إِنَّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير". وأَخَذَ بُطرُسُ يقولُ له: "ها قد تَركْنا نَحنُ كُلَّ شَيءٍ وتَبِعناكَ". فقالَ يسوع: "الحَقَّ أَقولُ لَكم: ما مِن أَحَدٍ تَرَكَ بَيتًا أَو إِخوَةً أَو أَخَواتٍ أَو أُمَّا أَو أَبًا أَو بَنينَ أَو حُقولاً مِن أَجْلي وأَجْلِ البِشارَة إِلاَّ نالَ الآنَ في هذهِ الدُّنْيا مِائةَ ضِعْفٍ مِنَ البُيوتِ والإِخوَةِ والأَخَواتِ والأُمَّهاتِ والبَنينَ والحُقولِ مع الاضطِهادات، ونالَ في الآخِرَةِ الحَياةَ الأَبَدِيَّة". (مرقس 10، 17- 30)

 

للتـأمل

في إنجيل هذا الأحد نرى يسوع يتوقف في مسيرته لكي يجيب على سؤال محاوره، مبينًا عن جهوزية وانفتاح كامل نحو ذلك الشاب، الذي يحركه توق متقد للحديث مع "المعلم الصالح"، لكي يتعلم منه السير في درب الحياة. يعبر هذا النص بشكل رائع عن انتباه يسوع الكبير نحونا، نحو تطلعاتنا وآمالنا، ويبين سعة رغبته بلقائنا شخصيًا وبدء حوار حميم مع كل منا.

يخبر القديس مرقس أن يسوع حدق إلى الشاب وأحبه. في نظرة الرب نجد قلب هذا اللقاء المميز جدًا وقلب كل خبرة مسيحية. فالمسيحية هي اختبار يسوع المسيح، الذي يحبنا شخصيًا، شبابًا ومسنين، فقراء وأغنياء؛ يحبنا حتى عندما نبتعد عنه ونتركه.

إن حب المسيح هذا قد تجلى بشكل كامل على الصليب حاملاً بولس إلى أن يكتب بانذهال: "لقد أحبني وبذل نفسه لأجلي" (غلا 2، 20). إن إدراكنا أن الآب أحبنا منذ البدء بابنه، وأن المسيح يحب كل منا شخصيًا ودائمًا، يضحي ركيزة ثابتة لكل وجودنا البشري، ويسمح لنا أن نتخطى كل التجارب التي تعترض حياتنا. فبهذا الحب نجد في منهل كل الحياة المسيحية والداعي الأساسي للتبشير: إذا التقينا حقًا بيسوع، لا يمكننا إلا أن نقدم شهادتنا عنه لمن لم يلتق بعد بنظرته!

نلحظ في شاب الإنجيل حالة شبيهة جدًا بتلك التي يعيشها كل منا. فنحن أيضًا أغنياء بالمآثر، بالطاقات، بالأحلام والآمال. يسأل الشاب الغني يسوع: "ماذا يجب أن أفعل؟". فإذا ما أردنا أن نكتشف مشروع الحياة الذي يمكنه أن يحملنا إلى السعادة، علينا أن نصغي إلى الله، فهو يملك مشروع حب لكل منا. لنتضرع إليه بثقة: "يا رب، ما هو مشروعك كخالق وأب لحياتي؟ ما هي إرادتك؟ أنا أريد أن أحققها". ولا نخافن من جوابه! "فالله أكبر من قلبنا وهو يعرف كل شيء!" (1 يو 3، 20).

يدعو يسوع الشاب الغني لكي يذهب أبعد من إشباع توقه ومشاريعه الشخصية، فالدعوة المسيحية تنبع من اقتراح حب من قِبَل الرب، ويمكن تحقيقها فقط بفضل جواب حب. بواسطة العماد، يدعو الرب كل منا لاتباعه في عملنا الملموس، ولمحبته فوق كل شيء ولخدمته في الإخوة. للأسف، إن الشاب الغني لم يقبل دعوة يسوع، بل مضى حزينًا. لم يجد الشجاعة الكافية للتجرد عن الخيرات المادية ليجد الخير الأسمى الذي يقدمه يسوع.

إن حزن الشاب الغني هو ذلك الحزن الذي يتولد في قلب كل منا عندما لا نجد الشجاعة لاتباع المسيح، وللقيام بالخيار الصائب. ولكن الوقت ليس متأخرًا أبدًا للإجابة على دعوة المسيح! فهو لا يكل أبدًا من النظر إلينا بحب ومن دعوتنا لكي نكون تلاميذه.

"ماذا يجب أن أفعل لأرث الحياة الأبدية؟".

ما هي "الحياة الأبدية" التي يشير إليها الشاب الغني؟ يكتب القديس أغسطينوس: "نتوق إلى الوطن السماوي، نتلهف إلى الوطن السماوي، ونشعر بأننا حجاج في الدنيا". لا يغيبن ابدا هذا الأفق في مشروع حياتنا: نحن مدعوون إلى الأبدية. لقد خلقنا الله لكي نكون معه، إلى الأبد.

ولـ "نيل الحياة الأبدية" يذكر يسوع الشاب الغني بالوصايا العشر، كشروط ضرورية، فهي مرجعية لعيش الحب، للتمييز بوضوح بين الخير والشر ولبناء مشروع حياة وطيد ودائم. يعطينا الله الوصايا لأنه يريد أن يربينا على الحرية الحقة، لأنه يريد أن يبني معنا ملكوت الحب، العدالة والسلام.








All the contents on this site are copyrighted ©.