2012-10-06 12:15:15

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذَلِكَ الزَّمان: دَنا بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ وسأَلوا يَسوع لِيُحرِجوه: "هَل يحِلُّ لِلزَّوجِ أَن يُطَلِّقَ امَرأَتَه". فأَجابَهم: "بِماذا أَوصاكم مُوسى؟" قالوا: "إِنَّ مُوسى رَخَّصَ أَن يُكتَبَ لَها كِتابُ طَلاقٍ وتُسَرَّح". فقالَ لَهم يسوع: "مِن أَجْلِ قَساوَةِ قُلوبِكم كَتَبَ لَكُم هذهِ الوَصِيَّة. فمُنذُ بَدْءِ الخَليقَة "جعَلَهما اللهُ ذَكَرًا وأُنْثى. ولِذلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباهُ وأُمَّه ويَلزَمُ امرأَتَه. ويَصيرُ الاثنانِ جسَدًا واحدًا". "فلا يكونانِ بَعدَ ذلِكَ اثنَيْنِ، بل جسَدٌ واحِد. فما جَمَعَه الله فَلا يُفَرِّقَنَّه الإِنسان". وسأَلَه التَّلاميذُ في البَيتِ أَيضًا عن ذلك، فقالَ لَهم: "مَن طَلَّقَ امرَأَتَه وتَزَوَّجَ غَيرَها فقَد زَنى علَيها. وإِنْ طَلَّقَتِ المَرأَةُ زَوجَها وتَزَوَّجَت غَيرَهُ فقَد زَنَت". وأَتَوهُ بِأَطفالٍ لِيَضَعَ يَدَيهِ علَيهم، فَانتَهَرهُمُ التَّلاميذ. ورأَى يسوعُ ذلك فاستاءَ وقالَ لَهم: "دَعُوا الأَطفالَ يأتونَ إِليَّ، لا تَمنَعوهم، فَلأمثالِ هؤلاءِ مَلَكوتُ الله. الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن لم يَقبَلْ مَلكوتَ اللهِ مِثْلَ الطِّفل، لا يَدخُلْه". ثُمَّ ضَمَّهم إِلى صدرِه ووَضَعَ يَديهِ علَيهِم فبارَكَهم. (مرقس 10، 2- 16)

 

للتـأمل

في هذا الأحد السابع والعشرين من زمن السنة تضع الكنيسة بين يدينا نصا من الإنجيلي مرقس يكلمنا فيه يسوع عن الزواج. فالزواج موضوعٌ يشملُ كلّ الكتاب المقدس الذي يتحدّث عن "سرّه، بُنْيَتِه، معناه كما أعطاه الله، أصله وهدفه". في الواقع، يبدأ الكتاب المقدس وينتهي بالزواج: ففي سفر التكوين نقرأ عن خلق الله للإنسان ذكرًا وأنثى على صورته ومثاله (تكوين 1، 27)، وفي سفر الرؤيا نقرأ عن "وليمة عُرسُ الحَمَل" (رؤيا 19، 7 و9).

يجد سرّ الزواج أساسه في اليوم السادس من الخلق، عندما "خلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرًا وأنثى خلقهما"(تكوين 1، 27). فـ"الدعوة إلى الزواج"، يقول التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، "مكتوبة في طبيعة الرجل والمرأة اللذين خرجا من يد الخالق" (1603). شِركة الحياة والمحبة الزوجية الحميمية أسسها الخالق وهي منظّمة بقوانين خاصّة"، فالله نفسه هو مَن أسس الزواج، وأعطاه العديد من القيم والأهداف. وقد خلق المرأة لتشارك حياة الرجل، كما يشير رمزُ خلقها من ضلعه، وهذا يشيرُ إلى عمق روح الزواج كوحدة حياة ومحبة. ويشيدُ سفر نشيد الأناشيد بجمال الحبّ المرتبط بالعاطفة والشعور، ولكن أيضًا بالهبة المتبادلة والكاملة للذات: "أنا لحبيبي وحبيبي لي". كما أستعمل أيضا أنبياء كثر رمز الزواج للإشارة إلى العلاقة بين الربّ وشعبه: "هكذا قال الرّب: قد تذكَّرتُ لك مودّةَ صباكَ محبّةَ خطبَتِك لمّا كنتَ تسيرُ ورائي في البرّية ..." (ارميا 2، 2).

بعد أن خلق الله حواء من ضلع آدم، يقول كاتب سفر التكوين: "ولذلك، يتركُ الرّجلُ أباه وأُمّه ويلزمُ امرأته فيصيران جسدًا واحدًا". فالانفصال السهل (بالتراضي) في مجتمعنا اليوم، يعارض تماما مشروع الله الذي حدده للزواج. ويؤكد المجمع الفاتيكاني الثاني بأنّ "الخالق قد أسس وجهز بشرائعَ خاصة تلك الشركة العميقة في الحب والحياة التي يؤلفها الزوجان. ولا يخضع هذا الرباط المقدس لهوى الإنسان... فالرجل والمرأة أصبحا بعقد الزواج جسدًا واحدًا لا إثنين (متى 19، 6) ليتعاضدا هكذا ويساعد أحدهما الآخر بإتحاد شخصيتهما وأعمالهما إتحاداً وثيقًا. إنهما يُدركان من خلال ذلك وحدتَهما ويعملان دائمًا على ترسيخها وتعميقها".ويضيف المجمع: "إن هذا الإتحادَ الوثيق، كعطاء متبادل بين شخصين، وكخير للأولاد، يتطلبان أمانة الزوجين المطلقة ويقضيان بوحدة لا تنحل" (دستور رعائي في الكنيسة في عالم اليوم، 48). فالوحدة بين الرجل والمرأة هي علاقة لا يمكن حلّها بإرادة الزوجين لأن الزواج الذي خلقه الله يُعاش في جوٍ وفيّ ومميّز من الحميمية بين الزوجين، ويدومُ حتّى الموت. وهذا ما يؤكده يسوع بسلطته: "فما جمعه الله، لا يفرّقنه الإنسان".

تحتفل الكنيسة اليوم أيضا بتذكار القدّيسة مريم البتول، سيّدة الورديّة ومن شأن هذا العيد، أن يذّكر المؤمنين بضرورة التأمل في أسرار المسيح، بهدي من السيدة العذراء، التي شاركت ابن الله في تجسده وآلامه وأمجاد قيامته.

فيا أيّها الآب السماوي، نشكرك على مريم ابنتك وقد جعلتها حاميةً لنا، تتشفّع أمامك لضعفنا. نشكرك أيّها الابنُ، على مريمَ أمِّك، وقد جعلتها أمّاً لنا، تغمرُنا بحنانِها، وتعزّي أحزانَنا، وتخفِّف من آلامنا، وتسهرُ على بيوتنا، وتحمي عائلاتنا. نشكرك أيّها الروح، على مريم عروسك البتول، جعلتها سلطانةً على السماء والأرض، تجمع أبناءَها، وتصلّي معنا، وتدعونا لنكون رسلاً مثلها.

نعدُكَ أن تبقى لنا مريم الأم والشفيعة والملجأ، فنكرّسَ عائلتَنا لها، نستلهمها في لحظاتِ ضعفِنا، ونقتدي بخطواتها، حتى نسير نحوك ونصل إليك، أيّها الآب والإبن والروحَ القدس لكَ المجدُ إلى الأبد. آمين.








All the contents on this site are copyrighted ©.