2012-03-24 17:06:22

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزمان: كانَ بَعضُ اليونانِيِّينَ في جُملَةِ الَّذينَ صَعِدوا إِلى أُورَشَليمَ لِلْعِبادَةِ مُدَّةَ العيد. فقَصَدوا إِلى فيلِبُّس، وكانَ مِن بَيتَ صَيدا في الجَليل، فقالوا له مُلتَمِسين:"يا سَيِّد، نُريدُ أَن نَرى يسوع". فذَهَبَ فيلِبُّس فأَخبَرَ أَنَدرواس، وذهَبَ أَندَرواس وفيلِبُّس فأَخبَرا يسوع. فأَجابَهما يسوع: "أَتَتِ السَّاعَةُ الَّتي فيها يُمَجَّدُ ابنُ الإِنسان. الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَرًا كثيرًا. مَن أَحَبَّ حياتَهُ فقَدَها ومَن رَغِبَ عنها في هذا العالَم حَفِظَها لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة. مَن أَرادَ أَن يَخدُمَني، فَلْيَتْبَعْني وحَيثُ أَكونُ أَنا يَكونُ خادِمي ومَن خَدَمَني أَكرَمَهُ أَبي. الآنَ نَفْسي مُضطَرِبة، فماذا أَقول؟ يا أَبَتِ، نَجِّني مِن تِلكَ السَّاعة. وما أَتَيتُ إِلاَّ لِتلكَ السَّاعة. يا أَبتِ، مَجِّدِ اسمَكَ". فإذا صَوتٌ مِنَ السَّماءِ يَقول: "قَد مَجَّدتُه وسَأُمَجِّدُه أَيضًا". فقالَ الجَمْعُ الَّذي كانَ حاضِرًا وسَمِعَ الصَّوت: "إِنَّه دَوِيُّ رَعْد". وقال آخَرونَ: "إِنَّ مَلاكًا كَلَّمَه". أَجابَ يسوع: "لم يَكُنْ هذا الصَّوتُ لأَجلي بل لأجلِكُم. الَيومَ دَينونَةُ هذا العالَم. اليَومَ يُطرَدُ سَيِّدُ هذا العالَمِ إِلى الخارِج. وأَنا إِذا رُفِعتُ مِنَ الأَرض جَذَبتُ إِلَيَّ النَّاسَ أَجمَعين". وأَشارَ بِذلِكَ إِلى المِيتَةِ الَّتي سَيَموتُها. (يوحنا12، 20- 33)

للتأمل

 

"إن حبة الحنطة إن لم تقع في الأرض وتمُت تبقى واحدة" لقد اقتربت ساعة تضحية يسوع بنفسه الذي أراد أن يهب ذاته إلى العالم بملء حريته. يُظهر الإنجيلي يوحنا تدخل الذين أتوا يطلبون أن يروا يسوع أي أن يعرفوا مَن هو. وهذا السؤال مطروح منذ بداية إنجيل يوحنا وعلى كل ّإنسان أن يطرحه على نفسه وأن يبحث عن تلك الحقيقة المطلقة."لقد أتت الساعة التي فيها يُمجّد إبن الإنسان"، فيسوع هو حبّة الحنطة التي ستسقط في أرض البشر لتُخصبها...

لقد منح يسوع المسيح بموته على الصليب الإنسان حياة الآب التي تنتصر على الموت. أما ثمار هذه الحياة بالذات فهي الخلود الذي تمنحه، وتمتد هذه الثمار إلى جميع الشعوب دون أيّ تمييز. ويدور كلام يسوع حول التعلّق بالحياة في هذا العالم إذ قال:"من أحب حياته فقدها ومَن رغب عنها في هذا العالم حفظها للحياة الأبدية". وردّد الفيلسوف نيتشه:"من أراد الحبّ رضي بالموت". لذلك لا يستطيع أحدٌ أن يدرك شموليّة خلاص يسوع إذ تمسّك بالحياة الراهنة وكأنها كل شيء. ومن خشي أن يفقدها ولا يرى سواها يحول تعلّقه بها إلى عدم اكتشاف ما يختبئ وراء الآفاق الحاضرة أي الحياة الأبدية. فملكوت الله السماوي هو أشبه باللؤلؤة الثمينة التي لا بدّ من بيع كل شيئ لاقتنائها، ولو إن هذا الأمر يفوق بعض الأحيان طاقة تفكيرنا، فإن تحقيقه هو من عمل الروح الذي يعمل فينا. إنها القاعدة الغربية في الحياة المسيحيّة التي يعطينا يسوع نموذجاً عنها في تضحيته من أجلنا. في الواقع، لم يحبّ المسيح حياتَه على هذه الأرض... لقد أتى ليخسرَها ويقدّمَها فداءً لنا. لذلك عندما نتخلّى عن ذواتنا يمتلكنا ذاك الحبّ الإلهي ويجعلنا نعمل أعمالاً تمجّد الآب.

قال يسوع:"نفسي مضطّربة" إنه وقت التجربة العظمى تجربة الساعة الأخيرة. لقد جاء يسوع من أجل تلك الساعة، جاء مرسلاً من لدن الآب ليتبع الإنسان حتى النهاية في سقوطه وعبوديته وفشله ولينتشله من الموت:" لم أتِ إلاّ لتلك الساعة" غير أنه يصعب أحياناً على الإنسان أن يعترف بهذه الساعة. وسمع الجمع الحاضر هذا الصوت فانقسم على نفسه. قال بعضهم: "أنه دوي رعد" وقال آخرون:"إن ملاكاً خاطبه" هذه هي حالة التأويلات البشرية. لذلك وجب علينا أن نتيقّظ لمرور الله وحركته في مسيرة تاريخنا الذي يكتب تاريخ حياتنا على أسطر ملتوية. فإن التاريخ لهو مساحة مقدّسة نختبر فيها حضور الله فينا وبيننا وهذا فإما أن يكون ضياعاً للذات وإمّا أن يكون سبباً لتحقيقها.








All the contents on this site are copyrighted ©.