2012-02-25 17:52:09

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزمان: أَخَرجَ الرُّوحُ يسوعَ إِلى البَرِّيَّة، فأَقام فيها أربَعينَ يَومًا يُجَرِّبُهُ الشَّيطانُ وَكانَ معَ الوُحوش، وكانَ المَلائِكَةُ يخدُمونَه. وبَعدَ اعتِقالِ يوحَنَّا، جاءَ يسوعُ إِلى الجَليل يُعلِنُ بِشارَةَ الله، فيَقول:"حانَ الوقت وَاقْتَرَبَ مَلَكوتُ الله. فَتوبوا وآمِنوا بِالبِشارة".(مرقس1، 12-15)

 

تأمل

"حانَ الوقت وَاقْتَرَبَ مَلَكوتُ الله. فَتوبوا وآمِنوا بِالبِشارة"، بكلمات يسوع هذه تعلن الكنيسة بداية مسيرة الصوم الجديدة، فهي ليست مجرّد طقس أو تكرار لأن الدخول في سرّ الخلاص الذي حققه يسوع المسيح للإنسان هو مسيرة متجدّدة كما هي حياتنا.

نصلّي في ليتورجية هذا الأحد:"أيها الإله القدير أولنا طوال هذا الصيام الأربعيني أن نجدّ في الإدراك لعمق سرّ المسيح وأن نشهد له بسيرة فاضلة".

إن إدراك عمق سرّ المسيح ينمي فينا معرفة سرّ الإنسان، تلك الخليقة التي صنعها الله على صورته ومثاله، وأرسل ابنه الوحيد ليفتديه، ويشفيه ويتصالح معه من جديد. هذا هو معنى كلمات يسوع التي ترددها الكنيسة اليوم: "حانَ الوقت وَاقْتَرَبَ مَلَكوتُ الله. فَتوبوا وآمِنوا بِالبِشارة".

نعيش في زمن بحاجة ماسة لتغيير مساره للسير على خطى المسيح، واثقين به ومستنيرين بنعمته وبكلمته، كلمة الحق التي لا تخذلنا أبداً. وها نحن اليوم نعيش زمن الصوم الليتورجي، فترة إماتة، تأمل وصلاة للدخول في سرّ المسيح الذي يفتح أمامنا باب الخلاص، فنختبر في الوقت نفسه خطيئتنا وأنانيتنا، ونكتشف ذواتنا على ضوء كلمته ونتصالح مع إخوتنا ومع الله.

يخبرنا مرقس الإنجيلي:" في ذلك الزمان: أَخَرجَ الرُّوحُ يسوعَ إِلى البَرِّيَّة، فأَقام فيها أربَعينَ يَومًا يُجَرِّبُهُ الشَّيطانُ"، لقد اختبر يسوع البريّة، وعاش خبرة شعب العهد القديم في الصحراء، فالبرية هي المكان الذي اختاره الله ليقود فيه شعبه المختار، توجه يسوع إلى البرية ليرفع الصلاة لأبيه السماوي وقاوم الشيطان وانتصر "وكانَ المَلائِكَةُ يخدُمونَه"، فلم تعد إذا البرية مكان الحزن والتجربة، بل مكان للتناغم واللقاء بالله. 

تدعونا الكنيسة اليوم نحن أيضا لنذهب إلى "البرية" أي إلى أعماقنا من خلال  تخصيص فسحات أكبر لله في حياتنا بالصلاة والانفتاح على نعمته فنكتشف حقيقة الخلاص وفرحه من خلال عيش التجارب بإيمان وصبر والتأمل بكلمة الله وتطبيقها في حياتنا اليومية.

هذا هو الصوم الحقيقي، ليس هو الانقطاع عن المأكل والمشرب فقط، إنما أيضا الانقطاع عن كل ما يبعدني عن الله ويقتل في عمل الروح. فالصوم ليس مسيرة سهلة كما وأنها ليست مستحيلة لا سيّما إذا تمرسنا في الصلاة، صلاة القلب والتي هي التّوق إلى الله، كما يعلمنا صاحب المزمور:"يا ربُّ طرقك عرّفني وسبلك علمني، إلى حقك اهدني وعلّمني فإنك أنت اله الخلاص وإياك رجوت النهار كله. الرب صالح ومستقيم لذلك يرشد الخاطئين في الطريق ويهدي الوضعاء إلى الحق ويعلم البائسين طريقه".(مزمور24) فلتكن هذه صلاة مسيرتنا والتزامنا في هذا الصيام "فنجدّ في الإدراك لعمق سرّ المسيح ونشهد له بسيرة فاضلة" ونعلن إنجيله طريق الخلاص.








All the contents on this site are copyrighted ©.