2011-12-25 13:26:10

رسالة قداسة البابا بندكتس السادس عشر إلى مدينة روما والعالم لمناسبة عيد الميلاد


أيها الأخوة والأخوات الأعزاء في روما والعالم كله!

لقد وُلد المسيح من أجلنا! المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام للبشر الذين يحبهم. يصل إلى الجميع صدى إعلان بيت لحم الذي تردده الكنيسة في كل القارات متخطية حدود الدول واللغة والثقافة. ابن مريم العذراء وُلد من أجل الجميع، إنه مخلص الجميع.

تبتهل إليه ترنيمة تجاوبية قديمة بهذه الطريقة: "أيها العمانوئيل، يا ملكنا ومشرعنا، يا رجاء وخلاص الشعوب: تعال وخلصنا، أيها الرب إلهنا". تعال وخلصنا! هذه الصرخة يطلقها إنسان كل زمان، إذ يشعر بأنه عاجز عن تخطي الصعوبات والمخاطر بمفرده. يحتاج إلى وضع يده بيد أكبر وأقوى منها، بيد تُمد له من العلى. أيها الأخوة والأخوات الأعزاء هذه اليد هي يسوع، المولود في بيت لحم من العذراء مريم. إنه اليد التي مدها الله للبشرية، ليُخرجها من الرمال المتحركة للخطيئة ويجعلها تقف على الصخر، على صخرة حقيقته ومحبته الصلبة (مز 40 ، 3).

نعم، هذا هو معنى اسم ذلك الطفل، اسم أعطياه إياه مريم ويوسف برغبة من الله: اسمه يسوع، الذي يعنى "مخلّص" (متى 1، 21؛ لوقا 1، 31). لقد أرسله الله الآب لينقذنا خصوصا من الشر المتجذر في الإنسان والتاريخ: هذا الشر الذي هو الانفصال عن الله، الغرور المتكبر للإنسان الذي يدخل في منافسة مع الله ويسعى إلى أن يحل محله، وأن يقرر ما هو خيّر وما هو شرير، أن يكون سيد الحياة والموت (تك 3،1-7). هذا هو الشر الكبير، الخطيئة الكبيرة، التي لا يسعنا نحن البشر أن نُخلَّص منها إن لم نتكل على عون الله، إن لم نصرخ قائلين: "تعال وخلصنا".

أن نرفع هذا الابتهال إلى السماوات يضعنا في الظروف الملائمة وفي حقيقة ذواتنا: نحن هم من صاحوا إلى الله وخلصوا (إستير 10، 3). الله هو المخلص ونحن من نوجد في خطر. إنه الطبيب ونحن المرضى. أن نتعرف على الله يعني أن نخطو خطوة أولى باتجاه الخلاص، باتجاه الخروج من المتاهة التي نتقوقع فيها بفعل كبريائنا. أن نرفع أعيننا نحو السماء، وأن نمد أيدينا ونبتهل المساعدة هو المخرج الوحيد شرط أن يصغي إلينا أحد ما ويأتي لنجدتنا.

يسوع المسيح هو الدليل على أن الله أصغى لصرختنا. فالله يكن لنا حبا قويا جدا حال دون بقائه في ذاته ودفعه إلى الخروج من ذاته والمجيء إلينا ومقاسمتنا حالتنا إلى أقصى حد (خروج 3، 7-12). استجابة الله لصرخة الإنسان من خلال يسوع تخطت توقعاتنا إذ وصلت إلى حالة من التضامن لم تبق إنسانية وحسب بل أصبحت إلهية. وحده الله الذي هو محبة والمحبة التي هي الله قادرة على إنقاذنا بواسطة هذه الدرب، إنها الطريق الأطول بالطبع لكنها تحترم حقيقته وحقيقتنا: إنها درب المصالحة والحوار والتعاون.

لذا، أيها الأخوة في روما والعالم كله، لنتوجه في ميلاد عام 2011 إلى طفل بيت لحم، إلى ابن مريم العذراء ولنقل: "تعال وخلصنا"! لنكرر هذا النداء باتحاد روحي مع أشخاص كثيرين يعيشون أوضاعا صعبة ولنجعل من أنفسنا صوت من لا صوت له.

لنبتهل معا النجدة الإلهية لشعوب القرن الأفريقي الذين يعانون من جراء الجوع والجفاف اللذين يزيد من حدتهما أحيانا استمرار انعدام الأمن. على الجماعة الدولية ألا تتقاعس عن مد يد العون إلى العديد من اللاجئين القادمين من تلك المنطقة الممتحنين بشدة في كرامتهم.

ليمنح الرب السلوان إلى شعوب جنوب شرق آسيا خصوصا سكان تايلاند والفيليبين الذين ما يزالون يعانون من تبعات الفيضانات الأخيرة.

ليهبّ الرب لنجدة البشرية المجروحة بصراعات كثيرة ما تزال تدمي الأرض حتى يومنا هذا. ليمنح الرب، أمير السلام، الاستقرار والسلام للأرض حيث اختار أن يولد في هذا العالم، وليشجع على استئناف الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وليوقف العنف في سورية حيث أريقت دماء كثيرة. ليعزز المصالحة التامة والاستقرار في العراق وأفغانستان. ليعطي طاقة متجددة لجميع مكونات المجتمع في أفريقيا الشمالية والشرق الأوسط لبناء الخير المشترك.

لتدعم ولادة المخلص فرص الحوار والتعاون في ميانمار بحثا عن حلول متقاسمة. ليضمن ميلاد الفادي الاستقرار السياسي في دول منطقة البحريات الكبرى الأفريقية وليدعم التزام سكان جنوب السودان في حماية حقوق جميع المواطنين.

أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، لنوجه أنظارنا نحو مغارة بيت لحم: الطفل الذي نتأمل به هو خلاصنا! لقد حمل إلى العالم رسالة كونية من المصالحة والسلام. فلنفتح له قلبنا ولنقبله في حياتنا. ولنكرر بثقة ورجاء: "تعال وخلصنا"!








All the contents on this site are copyrighted ©.