2011-12-18 15:08:54

إنجيل الأحد وقفة تأمّليّة عند كلمة الحياة


في الشَهْرِ السَادِس، أُرْسِلَ الـمَلاكُ جِبْرَائِيلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِلى مَدِينَةٍ في الـجَلِيلِ اسْمُهَا النَاصِرَة، إِلى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاودَ اسْمُهُ يُوسُف، واسْمُ العَذْرَاءِ مَرْيَم. ولَمَّا دَخَلَ الـمَلاكُ إِلَيْهَا قَال: "أَلسَلامُ عَلَيْكِ، يَا مَمْلُوءَ ةً نِعْمَة، الرَبُّ مَعَكِ !". فاضْطَربَتْ مَرْيَمُ لِكَلامِهِ، وأَخَذَتْ تُفَكِّرُ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هذا السَلام ! فقَالَ لَهَا الـمَلاك: "لا تَخَافِي، يَا مَرْيَم، لأَنِّكِ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ الله. وهَـا أَنْتِ تَحْمِلينَ، وتَلِدِينَ ابْنًا، وتُسَمِّينَهُ يَسُوع. وهُوَ يَكُونُ عَظِيمًا، وابْنَ العَليِّ يُدْعَى، ويُعْطِيهِ الـرَبُّ الإِلَهُ عَرْشَ دَاوُدَ أَبِيه، فَيَمْلِكُ عَلى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلـى الأَبَد، ولا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَة !". فَقالَتْ مَرْيَمُ لِلمَلاك: "كَيْفَ يَكُونُ هذَا، وأَنَا لا أَعْرِفُ رَجُلاً ؟". فأَجَابَ الـمَلاكُ وقالَ لَهَا: "أَلرُوحُ القُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وقُدْرَةُ العَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، ولذَلِكَ فالقُدُّوسُ الـمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ الله ! وهَا إِنَّ إِلِيصَابَاتَ نَسِيبَتَكِ، قَدْ حَمَلَتْ هيَ أَيْضًا بابْنٍ في شَيْخُوخَتِها. وهَذَا هُوَ الشَهْرُ السَادِسُ لِتِلْكَ الَّتي تُدْعَى عَاقِرًا، لأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى اللهِ أَمْرٌ مُسْتَحِيل !". فقَالَتْ مَرْيَم: "هَا أَنا أَمَةُ الرَبّ، فَلْيَكُنْ لِي بِحَسَبِ قَوْلِكَ !". وانْصَرَفَ مِنْ عِنْدِها الـمَلاك.

 

للتأمّل

لكي تكون مريم أمّ المخلّص، "نفحها الله من المواهب بما يتناسب ومثل هذه المهمّة العظيمة". فالملاك جبرائيل يحيّيها إبّان البشارة على أنّها "ممتلئة نعمة". ولكي تستطيع أن توافق موافقة إيمانها الحرّة على البشارة بالدعوة التي دُعيت إليها، كان لا بدّ لها من أن تكون محمولة على نعمة الله.
على مرّ العصور، وعت الكنيسة أنّ مريم "التي غمرتها نعمة الله"، قد افتديت منذ حُبل بها.

هذه "القداسة الرائعة والفريدة" التي "أغنيَت بها منذ اللحظة الأولى من الحبل بها"، تأتيها كلّها من المسيح: لقد "افتديت بوجه سام، باعتبار استحقاقات ابنها". فوق كلّ شخص آخر مخلوق، "باركها الآب بكلّ أنواع البركات الروحيّة في السماوات، في المسيح"(أف1: 3). إنّه "أختارها فيه عن محبّة، من قبل إنشاء العالم، لتكون قدّيسة وبغير عيب أمامه"(أف1: 4).(التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة  الفقرات 490- 493)

بشارة جبرائيل للعذراء مريم،  تفتح الطريق، بالطريقة الأسمى لإمكانية دخول البشرية بعلاقة متجسدة مع الطبيعة الإلهية، بشارة مريم هو بداية تحقيق الإرادة الخالقة الأزلية وتتميم هدف الخلق: إشراك الإنسان بالحياة الإلهية، ليصبح للإنسان بالنعمة ما لله بالطبيعة. هذا الدخول بعلاقة مع المختلف المطلق، دفع بمريم إلى الانطلاق إلى المختلف المخلوق: هي الصبية تنطلق إلى العجوز، ذات الحشا الخصب تنطلق إلى ذات الحشا الميت، نتيجة البشارة الانطلاق نحو الآخر المختلف، حدث البشارة هو دعوة لكل إنسان يدخل في علاقة مع الله لكيما يحطّم كل حواجز الاختلاف: اختلاف اللون والعرق والجنس والدين والطبقة الاجتماعية. من غير الممكن أن يدخل الإنسان في علاقة إنسانية مع الآخر المختلف إن لم تكن هذه العلاقة انعكاساً للبعد العلائقي الإلهي – الإنساني. في حشا مريم تجسدت فعلاً هذه العلاقة الإلهية والإنسانية في شخص يسوع المسيح ابن مريم. وهكذا يتجلى البعد الأعمق لحدث البشارة: تحويل الإنسان من مجرد كائن في هذا العالم إلى كائن علائقي يكتمل نقصه بلقاء المختلف، المختلف النسبي، أي الآخر، والمختلف المطلق، الله الذي دخل تاريخنا البشري من بوابة البشارة كيما من خلال حرية بشريتنا، حرية مريم نصبح قادرين على تجسيد كلمة الله في حياتنا وفي مجتمعنا.








All the contents on this site are copyrighted ©.