2011-11-18 15:44:00

رحلة في اكتشاف كاريتاس أفريقيا


عمرها من عمر الكنيسة وهي تعبير عن إرادة ابن الله أن يكون "إنسان بين البشر" ليتشبّه بهم بمعاناتهم اليومية ولمساعدتهم في حلها في ضوء مخطط الله الخلاصي. وبعبارة أخرى لمواجهة حالات الطوارئ، والفقر الشديد والعمل من أجل تعزيز النموّ الشامل للشعوب.

إن مؤسسة كاريتاس، تأسست رسمياً كهيئة دوليّة للكنيسة في عام 1951 وهي موجودة في معظم البلدان والأبرشيات في العالم، ولكنها لا تزال حتى يومنا غير معروفة بجوهرها الحقيقيّ، إذ يرى الكثيرون أنها مجرد مؤسسة لتوزيع الغذاء والكساء للمحتاجين، لذا فالتحدي الكبير هو جعلها معروفة بكليتها لجميع الناس ذوي النوايا الحسنة.

إعتبرت كاريتاس أفريقيا هذا التحدي واحدا من الأهداف التي سيتم تنفيذها في السنوات الأربع المقبلة، لذا اجتمعت الإدارة الجديدة برئاسة أسقف الموزمبيق المطران فرانسيسكو جواو سيلوتا من 27 إلى 30 سبتمبر من العام الماضي وخصصت أربعة أيام من التحليل والدراسة لوضع خطط عمل تتناغم مع خط منظمة كاريتاس الدولية، وفي الوقت نفسه تتجاوب مع خصوصيات أفريقيا.

فعلى الرغم من مواردها الطبيعية والبشرية والروحية الهائلة، لا تزال القارة الأفريقية تعاني من الفقر الذي يهين أولادها ويسيء إلى الله. هنا يكمن قلق المطران سيلوتا، فبالنسبة له لا يمكن القبول بهذا الوضع كما أنه يود فهم الأسباب، وهو مقتنع بأن مساعدة خبراء في العلوم الاجتماعية واللاهوت الخلقي يمكن أن تحسّن الظروف المعيشية للشعب الأفريقي، إنما يتعلّق هذا التحسين بالقدرة على جعل الشعب الأفريقي مسؤولا مباشرا عن نموّه الذاتي. وهذا المشروع هو في صميم مقاصد أسقف شيمويو ومعاونيه السبعة في مجلس أساقفة أفريقيا ومدغشقر، ولتحقيق ذلك يرى المطران سيلوتا أهمية العمل مع هذا المجلس وخاصة مع مكتب"العدالة، والسلام والنمو" التابع له، ومع مختلف الأبرشيات.

في الواقع، إن كاريتاس أفريقيا تنظر إلى أبعد من ذلك، فهي تدرك ماهية نشاطاتها، وتعرف أنها لن تؤتي بثمارها إلا إذا كانت مرفقة بدعم كبار المسؤولين في القارة، لذا فهي تحاول التأثير على الاتحاد الأفريقي لتكون القيم الأخلاقية المحرّك الكبير لهذه القارة. يمكننا عندها أن نرى ديناميكية كاريتاس أفريقيا والتزامها وحرصها على أن تكون أكثر استقلالية في قراراتها ووسائلها لتلبية حاجات أبنائها، ولكن دون أن تترك جانبا الأخوّة التي تتمييز بها "عائلة كاريتاس" الكبيرة داخل الكنيسة الكاثوليكية، في محاولة لضمان أن تكون "الحياة للجميع وتفيض فيهم" بحسب قول الإنجيل.

"عدالة، سلام ومصالحة" هذا ما تحاول أن تجسده الكنيسة اليوم لشعب أفريقيا، فالجمعية الثانية لسينودس أفريقيا التي عُقدت بالفاتيكان في تشرين الأول 2009، حاولت أن تفهم وترسم الطريق لجعله أفضل ولتكون النور والدليل في هذه المسيرة، والإرشاد الرسولي الذي صدر عن هذه الجمعية سيسلّمه البابا لأساقفة أفريقيا في زيارته إلى جمهورية البنين من 18 إلى 20 من الجاري، بعدها تبدأ مرحلة التطبيق.

تعتبر كاريتاس أفريقيا أنه هنا يكمن دورها بامتياز، والجدير بالذكر أن كاريتاس بنين هي من دعت بإلحاح أن يكون هذا الإرشاد الرسولي "بوصلة" و"مصدر إلهام"، تظهر من خلالهما هوية كاريتاس، ويدفعانها للعمل بكفاءة وشفافية، فتصبح المصداقية التي تتمتع بها كاريتاس أداة لتغيير العالم. وبعبارة أخرى يصبح كلّ منا الملح الجيد للأرض والنور للعالم.

عندها سيجد الأساقفة بكاريتاس أفريقيا سندا فعّالا ومكانا قيّما للتفكير. في الواقع إن مؤسسة كاريتاس تعمل على مستويات عدّة: دولية، وطنية، أبرشية ورعوية هذا ما يشكل قوّتها من جهة، ولكن من جهة أخرى قد يكوّن نقطة ضعفها، لأنه إذا غاب التنسيق بين مختلف هذه المستويات ترزح أي نتيجة نهائية تحت خطر التعطيل.

وقد كان هذا القلق حاضر دائما في خلفيّة اجتماع لومي، حيث قام الدكتور برونو ميتييو، الأمين العام لمنظمة كاريتاس في جمهورية الكونغو الديمقراطية والذي يتمتّع بخبرة واسعة على المستوى القاري بأرسال سبعة منسّقين جددا للمناطق ليعملو بأيجابية خلاّقة، وبوعي واضح للمسؤولية الملقاة على عاتقهم: وهي جعل كاريتاس أفريقيا قادرة على الاستجابة لحاجات الشعب الأفريقي، وإذا كان ذلك يتطلب رؤية ومشاريع كبرى للقضاء على الفقر، فلا يمكننا أن ننسى حالات الطوارئ التي تؤثر على طبقات كاملة من سكان القارة، مثل أزمة الغذاء التي حصلت مؤخرا في منطقة القرن الأفريقي والفيضانات، واللاجئين والمهاجرين.

وفي اجتماع الهيئة الأقليمية لكاريتاس أفريقيا في لومي، أصدرت الهيئة ثلاثة مقررات: العمل على رسم خريطة للكوارث المحتمل حصولها، توفير الأدوات اللازمة للمواجهة بطريقة مهنية بالتعاون مع المؤسسات الأخرى، وإنشاء صندوق مالي لهذا الغرض تابع للكنيسة في القارة الأفريقية.

كان الوعي لصعوبة هذه المهمة موجود أيضا في لومي، وعلى الرغم من أن العديد من مؤسسات كاريتاس الوطنية ليست مستقلة من الناحية المادية، فالبعض منها قد بدأ في تطبيق هذه المقررات. والجدير بالذكر أن كاريتاس القارة الأفريقية تعمل حاليا من أجل إدارة أفضل وأكثر شفافية لمواردها.

التحدي الكبير الذي تواجهه الكنيسة في أفريقيا، والتي تحلم وتعمل لصالح قارة موحّدة، سلمية، مزدهرة، هو أن تتمكن من ضمّ القارة بكاملها لمؤسسة كاريتاس أفريقيا واحدة، بعيدا عن الانقسامات. وكما كان يقول كواميه نكروما، أحد أبناء القارة الأفريقية اللامعين:"على أفريقيا أن تتحد"، وفي هذا تحاول الكنيسة الأفريقية أن تكون المثل الصالح.








All the contents on this site are copyrighted ©.