2011-09-22 16:05:39

البابا يحاور الصحفيين على متن الطائرة إلى ألمانيا


أجاب البابا بندكتس السادس عشر على الأسئلة التي وجهها إليه عدد كبير من الصحفيين على متن الطائرة التي حملته إلى ألمانيا في زيارته الرسولية الهامة. كان من الطبيعي أن يتطرق الحديث إلى علاقة البابا ببلده ألمانيا فسئل عن مشاعر انتمائه لهذا البلد. أجاب بندكتس السادس عشر مشيرا إلى عبارة شهيرة للشاعر الألماني الكبير فريدريخ هولدرلين تؤكد على أهمية المكان الذي يولد فيه المرء، وقال البابا "لقد وُلدت في ألمانيا ولا يمكن ولا يجب للجذور أن تُبتر. تلقيت ثقافتي في ألمانيا ولغتي هي الألمانية، واللغة تشكل الأسلوب الذي تعيش به الروح وتتصرف. تشكلت ثقافتي بالكامل هناك. وعندما أتعامل مع اللاهوت أقوم بهذا انطلاقا من التركيبة الداخلية التي تعلمتها في الجامعات الألمانية، وعلي الاعتراف آسفا بأني أستمر حتى اليوم في قراءة المزيد من الكتب الألمانية مقارنة باللغات الأخرى. لكوني ألمانيا بالتالي تأثير قوي على طبيعتي. أما بالنسبة للمسيحي فيضاف أمر آخر، فمع التعميد يولد الشخص من جديد وذلك في تجمع إنساني يتألف من الشعوب كافة، شعب يجمع  الشعوب قاطبة والثقافات كافة ينتمي إليه المسيحي بالفعل دون أن يُفقده هذا أصوله الطبيعية. وعندما يتحمل الإنسان مسؤولية كبيرة شأن ما حدث لي، حيث أتحمل كبرى المسؤوليات في هذا الشعب الجديد، من البديهي أن يجد الشخص نفسه بشكل متزايد في هذا الشعب. وهكذا يتحول الأصل إلى شجرة تمتد في اتجاهات مختلفة ويزداد حيوية وعمقا الانتماء إلى هذا التجمع الكبير للكنيسة الكاثوليكية، إلى شعب مكون من جميع الشعوب، مشكلا بالكامل كينونة الإنسان دون إنكار الماضي. يمكنني القول إذن إن الأصل يبقى، يبقى الزخم الثقافي ويستمر أيضا الحب المميز والمسؤولية الخاصة، ولكن يدرَج كل هذا ويتوسع في الانتماء الأكبر، فيما قد يسميه أغسطينس "مدينة الله"، في الشعب المكون من جميع الشعوب الذي نجد فيه جميعا أنفسنا إخوة وأخوات".

وأجاب البابا بعد ذلك على سؤال حول ابتعاد المؤمنين عن الكنيسة في ألمانيا ورأيه في هذا الأمر الناتج أيضاً عن حالات الاعتداء على القاصرين. دعا في البداية إلى التفرقة بين الأسباب مشيرا إلى خصوصية موقف من يبتعد عن الكنيسة متأثرا بمثل هذه الأنباء، وقال "أتفهم من يقول لم تعد هذه كنيستي، فقد كانت الكنيسة بالنسبة لي قوة الدعوة للإنسانية والأخلاق الحميدة، وإذا كان ممثلو الكنيسة يتصرفون بشكل يتنافى مع هذا فلا يمكنني العيش مع هذه الكنيسة. لكن هذه حالة خاصة، بينما تتعدد الأسباب في إطار العلمنة التي يشهدها مجتمعنا. عادة ما يكون هجر الكنيسة هذا الخطوة الأخيرة في مسيرة ابتعاد، ويبدو لي من الضروري هنا أن يتساءل الشخص: لماذا أتواجد في الكنيسة؟ هل باعتبارها ناد رياضيا أو جمعية ثقافية وما شابه حيث أجد القضايا التي تثير اهتمامي وإذا لم أجدها فيمكنني الرحيل؟ أم أن التواجد في الكنيسة أمر أكثر عمقا؟ أرى بالتالي أنه من الضروري استيعاب أن التواجد في الكنيسة لا يعني الانتماء إلى جمعية بل أن نكون في شبكة الرب الذي يصيد الأسماك الجيدة والسيئة من مياه الموت حاملا إياها إلى أرض الحياة. قد أكون داخل هذه الشباك بالقرب من أسماك فاسدة وأتلمس فسادها، ولكن تظل الحقيقة أنني لست هناك من أجل هذا أو ذاك الفريق بل لأن شبكة الرب، المختلفة تماما عن أي تجمع بشري، تلمسني في أعماق كينونتي. وعندما نتحدث إلى مثل هؤلاء الأشخاص علينا برأيي مناقشة القضية في جوهرها: ما هي الكنيسة؟ ما هو الاختلاف والتميز؟ ولماذا أتواجد في الكنيسة حتى وإن كانت هناك فضائح والسوء من الناس؟ هكذا فقط يمكن تجديد الوعي بتميز الكنيسة، بكونها كنيسة شعب يجمع الشعوب كافة ، شعب الله. سنتعلم هكذا تحمل حتى الفضائح والعمل لمواجهتها بفضل وجودنا في شبكة الرب".

طُرح بعد ذلك سؤال حول المظاهرات المناهضة للزيارة الرسولية وعن العلاقات المتوترة تاريخيا بين ألمانيا وروما. أجاب البابا أن التظاهرات أمر طبيعي في مجتمع حر معلمَن وأن الكنيسة مدركة لكون العلمنة أيضا موقفا مناهضا للكاثوليكية. حلل بندكتس السادس عشر الأبعاد المختلفة لهذا الموقف المناهض في ألمانيا تحديدا قائلا "هناك الخلاف القديم بين الثقافة الجرمانية والرومانية والصدامات التاريخية، كما أن كون ألمانيا بلد الإصلاح قد أبرز بشكل أكبر هذه الخلافات". إلا أن البابا لا يشك في الترحيب بالإيمان الكاثوليكي المتزايد و"الحاجة في عصرنا هذا إلى قوة أخلاقية. نحن في حاجة لوجود لله. هناك إذن إلى جانب المعارضة، التي أعتبرها أمرا طبيعيا ومتوقعا، كثيرون ينتظرونني ببهجة، ينتظرون احتفالية بالإيمان والتجمع معا، ينتظرون بهجة معرفة الله والعيش معا في المستقبل حيث يمسك الله بأيادينا هاديا إيانا نحو الطريق. أقوم بهذه الرحلة في بلدي ألمانيا وملئي غبطة ويسعدني أن أحمل رسالة المسيح إلى وطني".

وعن استعداده للقاء ممثلي الكنيسة الإنجيلية وزيارة إيرفورت، الدير القديم للإصلاحي مارتن لوثر قال بندكتس السادس عشر "عندما قبلت هذه الزيارة بدا لي من الطبيعي أن المسكونية مع اصدقائنا الإنجيليين يجب أن تكون النقطة المحورية لهذه الرحلة". وأكد على ضرورة التعاون بين الكاثوليك والإنجيليين "رغم عدم وجود وحدة بيننا على الصعيد المؤسساتي ورغم المشاكل الكبيرة حول أسس الإيمان المسيحي، الإيمان بثالوث مقدس وبالإنسان كصورة لله. هناك وحدة بيننا رغم هذا ويُعتبر إظهار هذه الوحدة وتعميقها أمرا أساسيا في هذه المرحلة. أتوجه بالشكر لأصدقائنا وإخوتنا وأخواتنا البروتستانت الذين أتاحوا الفرصة أمام لقاء هام، اللقاء في الدير الذي بدأ منه مارتن لوثر مسيرته اللاهوتية، والصلاة في الكنيسة التي سيم فيها كاهنا".

 

 








All the contents on this site are copyrighted ©.