2011-05-01 13:57:08

عظة بندكتس الـ16 في حفل تطويب البابا يوحنا بولس الثاني


ترأس البابا بندكتس الـ16 صباح اليوم الأحد الثاني من زمن القيامة، قداسا احتفاليا بمشاركة الكرادلة وبطاركة الشرق الكاثوليك وحشد من الأساقفة والكهنة، وأعلن خلاله البابا يوحنا بولس الثاني طوباويا في الكنيسة. وكان سبقت القداس تلاوة سبحة الرحمة الإلهية التي أوحى المسيح بها للراهبة البولندية فاوستينا كووالسكا التي أعلنها البابا فويتيلا قديسة عام 2000.

وفي بداية رتبة التطويب، وجه نائب البابا على أبرشية الكاردينال فاليني كلمة سأل فيها الحبر الأعظم أن يتنازل بعطفه ويعلن خادم الله يوحنا بولس الثاني في عداد الطوباويين. فقام بندكتس بتلاوة البراءة التي بموجبها غدا الراحل الكبير طوباويا في الكنيسة، وعلا الهتاف والتصفيق جراءها ابتهاجا.

وفي عظة ألقاها للمناسبة، قال البابا:

 

أيها الأخوة والأخوات!

لست سنوات خلت تواجدنا في هذه الساحة للاحتفال بتشييع جثمان البابا يوحنا بولس الثاني. ألم كبير لهذه الخسارة وأكثر منه معنى النعمة العظيمة التي خيمت على روما والعالم كله: النعمة كثمرة حياة سلفي الحبيب وخصوصا شهادة الألم التي قدّمها. منذ ذلك اليوم شعرنا برائحة قداسته وعبّر شعب الله بأشكال عديدة عن تكريمه للبابا يوحنا بولس الثاني. ولهذا شئت، وفقا لإجراءات الكنيسة، تعجيل دعوى تطويبه. وها هو اليوم المنتظر الذي شاءه الرب. يوحنا بولس الثاني طوباوي!

أود توجيه تحية لجميع الحاضرين في هذه المناسبة السعيدة والذين قدموا من مختلف أنحاء العالم، كرادلة وبطاركة الشرق الكاثوليك ورؤساء أساقفة وأساقفة وكهنة ووفود رسمية وسفراء وسلطات مدنية ومكرسون ومؤمنون علمانيون. تمتد تحيتي لتشمل جميع الذين يرافقوننا عبر الإذاعة والتلفزيون. هذا الأحد هو الثاني من الفصح، كرسه الطوباوي يوحنا بولس الثاني للرحمة الإلهية، ولهذا السبب تم اختيار هذا الأحد للاحتفال بتطويب سلفي الذي حسب مشيئة إلهية انتقل إلى بيت الله عشية هذه الذكرى.

"طوبي لمن لم يروني وآمنوا!" (يو 20،29). هي كلمات يسوع في إنجيل اليوم. كلمات لها معنى كبير بشكل خاص لأننا مجتمعون اليوم للاحتفال بتطويب حبر أعظم، خليفة بطرس، المدعو لتثبيت الأخوة في الإيمان. يوحنا بولس الثاني طوباوي لإيمانه القوي، السخي والرسولي. نتذكر أيضا كلمات يسوع:"طوبى لك يا سمعان ابن يونا، فإنه لا لحم ولا دم أظهر لك ذلك، لكن أبي الذي في السماوات" (متى 16،17). ماذا أظهر الآب السماوي لسمعان؟ أن يسوع هو المسيح، ابن الله الحي. وبفعل هذا الإيمان يصبح سمعان "بطرس"، الصخرة التي سيبني عليها يسوع كنيسته. تبتهج الكنيسة اليوم بإعلان يوحنا بولس الثاني طوباويا الذي عمل من أجل بناء كنيسة المسيح.  لكن فكرنا يتجه نحو طوباوية أخرى تسبق الجميع في الإنجيل. إنها مريم العذراء، أم الفادي. هي التي حملت في بطنها يسوع والتي قالت لها أليصابات:"طوبى لتلك التي آمنت أنه سيتم ما قيل لها من قبل الرب" (لو 1،45). طوباوية الإيمان تجد نموذجا لها في مريم وكلنا سعيدون بأن يجري تطويب يوحنا بولس الثاني في أول يوم من الشهر المريمي تحت أنظار تلك التي دعمت بإيمانها إيمان الرسل وتواصل دعم إيمان خلفائهم وخصوصا المدعويين منهم إلى السدة البطرسية. إنجيل اليوم أيضا يحكي لنا عن الإيمان. كتب بطرس الرسول في رسالته الأولى:"ذاك الذي تحبونه، وأنتم لم تروه، وبإيمانه تفرحون فرحا مجيدا لا يوصف، لتنالوا حياة نفوسكم جزاء إيمانكم" (1 بط 1،6ـ8).

أيها الأخوة والأخوات الأعزاء! تسطع اليوم أمام أعيننا وفي النور الروحي للمسيح القائم من الموت شخصية يوحنا بولس الثاني. اليوم يضاف اسمه إلى جانب القديسين والطوباويين الذين رفعهم إل مجد المذابح خلال 27 سنة من حبريته مذكرا بقوة بالدعوة الجامعة للحياة المسيحية والقداسة وفقا لتعاليم الدستور المجمعي "نور الشعوب" حول الكنيسة. "شعب الله كله ـ أساقفة، كهنة، شمامسة، ومؤمنون علمانيون، رهبان وراهبات ـ يسير نحو الوطن السماوي حيث استبقتنا العذراء مريم بالاتحاد مع سر المسيح والكنيسة". كارول فويتيوا، كأسقف معاون أولا ومن ثم كرئيس أساقفة كراكوفيا، شارك في أعمال المجمع الفاتيكاني الثاني وكان يعلم حق العلم أن تكريس آخر فصل من الوثيقة المجمعية حول الكنيسة لمريم العذراء كان يعني اعتبار أم الفادي نموذجا للقداسة لكل مسيحي وللكنيسة بأسرها. الطوباوي يوحنا بولس الثاني اكتشف منذ شبابه هذه الرؤية اللاهوتية وحافظ عليها طوال حياته. كتب الطوباوي الجديد في وصيته:"في 16 من شهر تشرين الأول أكتوبر 1978 عندما اختار الكرادلة يوحنا بولس الثاني حبرا أعظم قال لي كبير أساقفة بولندا الكردينال ستيفان فيشينسكي:"مهمة البابا الجديد هي إدخال الكنيسة في الألف الثالث". وأضاف:"أود مرة أخرى التعبير عن عرفان جميلي للروح القدس على عطية المجمع الفاتيكاني الثاني العظيمة التي أشعر إلى جانب الكنيسة كلها وأساقفتها بأني مدين لها. أنا على ثقة بأن الأجيال الناشئة ستستقي من تعاليم هذا المجمع. وكأسقف شارك في الحدث المجمعي أود إيكال هذا الإرث العظيم لجميع الذين سيدعون في المستقبل إلى تحقيقه. أشكر الراعي الأبدي الذي سمح لي بأن أخدم هذه القضية العظيمة طوال سنوات حبريتي". ما هي هذه "القضية"؟ إنها نفس القضية التي أعلن عنها يوحنا بولس الثاني في أول قداس له في ساحة القديس بطرس بكلمات لا تنسى:"لا تخافوا! افتحوا، لا بل شرعوا الأبواب للمسيح!". ما طلبه البابا الجديد من الجميع فعله هو نفسه: فتح أبواب المجتمع، الثقافة والأنظمة السياسية والاقتصادية على المسيح ليحوّل بقوة كبيرة ـ متأتية من عند الله ـ اتجاها كان يبدو بدون رجعة.

"بشهادة الإيمان التي قدّمها والمحبة والشجاعة الرسولية، يرافقها دفء إنساني عظيم، ساعد ابن الأمة البولندية جميع المسيحيين في العالم كله كي لا يخافوا بالإعلان عن انتمائهم المسيحي والإعلان عن الإنجيل. بكلمة، ساعدنا على عدم الخوف من الحقيقة لأن الحقيقة ضمانة للحرية". لقد أعطانا من جديد القوة على الإيمان بالمسيح لأن المسيح هو فادي الإنسان: وهو موضوع أول رسالة عامة له. كارول فويتيوا صعد إلى السدة البطرسية حاملا معه التأمل العميق حول المواجهة بين الماركسية والمسيحية المرتكزة على الإنسان. كانت رسالته: الإنسان هو طريق الكنيسة، والمسيح هو طريق الإنسان. بهذه الرسالة، التي هي إرث المجمع الفاتيكاني الثاني العظيم ورائده خادم الله بولس السادس، قاد يوحنا بولس الثاني شعب الله نحو الألفية الثالثة التي بفضل المسيح أطلق عليها اسم "عتبة الرجاء". أجل، من خلال التحضير ليوبيل العام الألفين، أعطى يوحنا بولس الثاني المسيحية اتجاها متجددا نحو المستقبل، مستقبل الله. شحنة الرجاء التي أُعطيت بمعنى ما للماركسية ولإيديولوجيات الرقي طالب بها يوحنا بولس الثاني للمسيحية وأعاد لها شكلها الأصيل كي تعيش في التاريخ متمطية نحو المسيح، كمال الإنسان وإتمام لتطلعاته نحو العدالة والسلام. أود أن أشكر الله على الخبرة الشخصية التي منحني إياها من خلال العمل والتعاون مع الطوباوي يوحنا بولس الثاني. تعرّفت عليه من قبل وقدّرته ولكن في عام 1982 عندما دعاني إلى روما لرئاسة مجمع عقيدة الإيمان بقيت بقربه طوال 23 سنة وكرّمت دائما شخصيته. لقد ساند خدمتي بروحانيته العميقة وغنى إدراكه. تأثرت بعمق بصلواته إذ كان يغوص في لقائه مع الله على الرغم من التزاماته العديدة. ثم شهادة الألم التي عاشها: على الرغم من آلامه ظل "صخرة" كما أراده المسيح. تواضعه العميق المتجذر في الاتحاد بالمسيح سمح له بمواصلة قيادة الكنيسة وتقديم رسالة للعالم في الوقت الذي راحت تتقلص فيه قواه الجسدية. لقد حقق بشكل رائع دعوة كل كاهن وأسقف أي أن يصبح "واحدا" مع يسوع الذي يتقبله ويقدّمه كل يوم في الإفخارستيا.

طوبى لك، أيها البابا يوحنا بولس الثاني الحبيب لأنك آمنت! نصلي لك كي تواصل من السماء دعم إيمان شعب الله. آمين.           

 

 








All the contents on this site are copyrighted ©.