2010-10-22 16:59:49

صاحب النيافة الكاردينال لوبومير هوسر، رئيس الأساقفة الأكبر كييف-هاليتش (أوكرانيا)


الخميس 21 تشرين الأول أكتوبر

 مداخلات آباء السينودس "المُسلّمة خطّيًّا"

 

أودّ أن أقوم بمداخلةٍ حول موضوعين، من بين مواضيع عديدة أخرى مذكورة في ورقة العمل، يُشكّلان عنصرين يستحقّان اهتمامًا عميقًا، بحسب رأيي، ويُمثّلان قلقًا مستمرًا بما أنّهما يُحرّكاننا ككنائس شرقيّة ويتخطّيان حدودنا الجغراقيّة والتاريخيّة. ثمّ اختم باقتراحين عمليّين.

 

1- النقطة الأولى التي أطرحها هي عالم الهجرة بكامله. نحن بصفتنا رومًا كاثوليكيّين أوكرانيّين نتقاسم مع إخوتنا في الشرق الأوسط مأساة هجرة مؤمنينا، بالرغم من أنّها مفروضة لأسبابٍ متعدّدة. إنّ الإحصاءات قد أظهرت أنّه في الآونة الأخيرة، هاجر نحو العالم كلّه، و خصوصًا نحو أوروبّا الغربّية، خمسة ملايين أوكرانيّ، نصفهم من المناطق التي يوجد فيها أغلبيّة مؤمنينا.

علينا أن نعترف بأنّه في البلدان التي حلّوا فيها، لقوا بشكلٍ عامّ إستقبالاً جيدًا من قِبَل الأبرشيّات اللاتينيّة، ولكن هذا لا يعفينا من مسؤوليّتنا الجسيمة بأن نحافظ على إيمانهم حسب التقليد الشرقيّ الذي ينتمون إليه والذي فيه يجب أن نوفّر لهم ضمانة العناية الرعويّة الملائمة والخاصّة بطائفتهم، تِبعًا لما ينُصُّ عليه الحقّ القانوني، بحزم.

يُعترفُ في ورقة العمل بهذا الحقّ-الواجب علينا، حيثُ تَنُصُّ الفقرة 6 ما يلي:"إن أعضاء الكنائس ذات الحكم الذاتي هم المؤمنون، بصفتهم أشخاصًا فرديّين وبصفتهم أعضاء فى جماعاتهم الخاصة." يبدو بديهيًّا أنّه يجب أن يتوّفر، حتّى وإن خارج بلادهم، لهم وضعٌ يستطيعون فيه ممارسة إنتمائهم الأصليّ هذا مع ضمان جميع الوسائل التي بحوزة كنيستهم من أجل العناية الرعويّة: كهنة خاصّين، طقسٍ خاصّ، روحانيّة خاصّة، حياة جماعيّة خاصّة.

قد يُثار إعتراض أن هذا الضمان يمكن أن يُشكّل عائقًا أمام الإندماج في الوقائع الجديدة حيث قرّر مؤمنونا أن يعيشوا.

إنّ خبرتنا طويلة الأمد تعلّمنا أن هذا الأمر غير صحيحٍ البتّة: إنّ مؤمنينا في الأميركيّتين وفي أستراليا، بالإضافة إلى بلدان أوروبّا المتعدّدة، هم مندمجون إندماجًا كاملاً مع حفاظهم على تراثهم سليمًا ويمارسون إنتماءهم كاملاً إلى الكنيسة الروم الكاثوليكيّة الأوكرانيّة.

واسمحوا لي أن أقدّم ملاحظة بهذا الخصوص: أحد آباء الكنيسة قد حدّدها بـ "circumdata varietate" أي أنّ وحدة الكنيسة لا تتماهى مع الشكل الواحد، ولكنّها تُعبّر عن غنى الله الخالق في تناغم التنوّع أوالكثرة، إذا أردنا استعمال الكلمة المختارة والمستعملة في ورقة العمل. كما شرح القدّيس إغناطيوس الإنطاكي جيدًا باستعماله صورة الأوتار المتّحدة في القيثارة والسينفونيّة التي تنشدها الجوقة، إنّ التنوّع لا يشكّل خطرًا، بل هو كنزٌ لا يمكن للكنيسة الجامعة أن تتخلّى عنه، آخذين بعين الإعتبار طبيعيًّا أنّ خليفة بطرس يملك المهمّة الإلهيّة بإدارة الجوقة كي لا يحصل نشازٌ وبهذا تبقى سينفونيّة الحقيقة والمحبّة مضمونتين.

علينا أن نجد الشجاعة، في الروح القدس، لنعيش الإنسجام ضمن التعدّديّة أو التنوّع في كافة المناطق التي، حتّى بضع عقود خلت، كانت تتميّز، ولأسبابٍ تاريخيّة، بوجود طقسٍ واحد، مُعتادةً هكذا على نوعٍ من الإحتكار. للملاحظة، ليست الأرض اليوم كالسابق، في مواجهة تحدٍّ للهجرة متنامٍ حسب المفهوم الجغرافي، بل حسب مفهومٍ أنتروبولوجيّ. بتطبيق المبدأ المنصوص عليه في الاستشهاد المذكور أعلاه من ورقة العمل ، يبدو لي بأنّه من الواجب أن أستخلص أنَّ أرض هذه الكنائس ذات الحقّ الخاصّ تتكوّن من أشخاص المؤمنين الذين، تِبعًا لضروراتٍ مختلفة، قرّروا أن يعيشوا فيها. لذلك يجب إعادة النظر ومراجعة الأدوات حتّى القضائيّة لضمان تطبيق هذا المبدأ عمليًّا، لتأمين خلاص نفوس مؤمنينا الذين نحن مسؤولون عنهم في كلّ مكان، بصفتنا رعاة، ومن أجل تخطّي خطر الذوبان المحتمل الذي قد يضعف البنية الطبيعيّة للكنيسة كما ارادها ربّنا يسوع المسيح.

2. إنّ الموضوع الثاني الذي أودّ أن أوّجه تأمّلنا الجماعيّ إليه موجود في الفقرة 20 من ورقة العمل التي موضوعها "الأصل الرسولي والدعوة الإرساليّة". يُؤكَّدُ في هذه الفقرة: "حيث أنّها رسوليّة، تقع على عاتق كنائسنا رسالة خاصّة، في حمل الإنجيل إلى العالم أجمع، كما كان الحال طوال التاريخ". عليّ ان أوافق الرأي بألم كلّّ الانتقادات التي أتت في ما بعد، بالرجوع إلى انغلاقٍ سائدٍ في ذهنيّة الذي يشعر أنّه محاصر أو الذي عاش في داخل الحدود العرقيّة او الإيديولوجيّة المطلقة، كما كان الحال بالنسبة إلينا على مدى سبعين عامًا في ظلّ نظام الحكم الشيوعي السوفياتي. صحيحٌ أنّ الإندفاع الإنجيليّ قد تراجع. أتساءل: أليست المحن الحاليّة التي تعيشها كنائسنا ذات الحقّ الخاصّ – حتّى إنّ الكنيسة الأوكرانيّة بدأت تشعر بمؤشّرات مصاعب جديدة- والظاهرة الفريدة التي تُصيبُنا بهذا العُمق من جرّاء هجرة مؤمنينا الكثيفة، أليست هي علامة أرسلها لنا الروح القدس لكي نتخلّى، كما فعل إبراهيم، عن يقينيّات أور الكلدان، فنقوم بسفرٍ إلى العالم أجمع؟ ولا أخاف أن أقول للعالم أجمع، ما يعني أيضًا حيث عرفت الكنيسة حتّى اليوم أو حتّى البارحة أوضاعًا يمكن أن أحدّدها بالامتلاك السلميّ الذي هو حاليًّا في أزمة عميقة بسبب الخلل أو السطحيّة أو تناقضات أشخاص وثقافات معادية للمسيحيّة. إنّني أتساءل: إن كانت الكنيسة الجامعة رسوليّة، أليس هذا الوضع مُحَفِّزًا لنا، نحن أبناء التقليد الشرقيّ، لنقرّر الانطلاق إلى الأمم، حيث تحتاج تلك الأمم إلى الكلمة التي تخلّص أو تنتظرها؟ إنّ غنى روحانيّتنا وليتورجيّاتنا هي تراثٌ علينا أن نتشارك به لا أن نحتفظ به بغيرة، أو، أسوأ من ذلك، أن نخبّئه ضمن جماعاتنا. صحيح أنّنا فقراء بالنسبة إلى العديد من إخوتنا الآخرين، ولكن علينا إلاّ ننسى أبدًا أنّ الله يختار دائمًا المتواضعين والفقراء ليتمّم أعماله المُدهشة، كما فعل، على سبيل المثال السامي، مع مريم، الـ"ثيوتوكوس" (والدة الإله).

3. إنّ الموضوعيّن اللذَين لفتّ الانتباه الجماعيّ إليهما، هما فقط جزء صغير من التحدّيات الكبرى التي يجب أن نواجهها يوميًّا والتي أمامها غالبًا ما نشعر بأننا مُعدَمون وغير ملائمين أو ضعفاء، وفي أي حالٍ في مأزقٍ صعب. نحن بحاجة إلى عون بطرس.

وهذا هو الاقتراح-النداء الذي أقدّمه بكلّ بساطة وثقةٍ عميقة: إنشاء هيئة مؤلّفة من البطاركة ورؤساء الأساقفة الكبار للكنائس الشرقيّة في شركةٍ مع روما على مثال السينودس الدائم للتقليد الشرقيّ، الذي من خلاله يستطيع خليفة بطرس أن يؤاسينا ويدعمنا ويسدي لنا النصائح مانحًا الطابع الإنجيليّ التامّ لخدمتنا ورسالتنا.

4. تباعًا للاقتراح الأوّل هذا، أقدّم الثاني. أطلب من المشاركين في هذا السينودس أن يسألوا الأب الأقدس أن يكرّس قريبًا جدًا سينودسًا آخر للموضوع العامّ في طبيعة الكنائس الكاثوليكيّة الشرقيّة ودورها.








All the contents on this site are copyrighted ©.