2010-10-22 16:58:27

سيادة المطران منيب يونان، أسقف الكنيسة اللوثريّة الإنجيليّة في الأردن والأرض المقدّسة، رئيس الاتحاد اللوثريّ العالميّ السامي الاحترام (إسرائيل)


الخميس 21 تشرين الأول أكتوبر

"فأناشدكم إذا، أنا السجين في الرب، أن تسيروا سيرة تليق بالدعوة التي دعيتم إليها، سيرة ملؤها التواضع والوداعة والصبر، محتملين بعضكم بعضا في المحبّة ومجتهدين في المحافظة على وحدة الروح برباط السلام. فهناك جسد واحد وروح واحد، كما أنّكم دعيتم دعوة رجاؤها واحد. وهناك ربّ واحد وإيمان واحد ومعموديّة واحدة، وإله واحد أب لجميع الخلق وفوقهم جميعا، يعمل بهم جميعا وهو فيهم جميعا" (أفسس 4: 1-6).

صاحب القداسة، أصحاب النيافة، أصحاب السيادة، أحمل لكم التحيّات من القدس، مدينة آلام وموت ربّنا، ومدينة قيامته وصعوده، ومدينة العنصرة وميلاد الكنيسة. يدعونا الرسول بولس في أفسس 4: 3 لأن نجتهد "في المحافظة على وحدة الروح برباط السلام"، لذا أقف اليوم أمامكم "بتواضع ووداعة"، لأتحدّث عن همومنا المشتركة في جسد المسيح.

في 21 أكتوبر عام 1999، كنّا معا في أووسبرغ في ألمانيا، للتوقيع على بيان مشترك حول عقيدة التبرير، وكان حدثا تاريخيّا أزالَ الإدانات السابقة، وكتب فصلا من مستقبلنا المشترك. ومن الجيّد أن نرى العلاقة بين اللوثريّين والكاثوليك قد تطوّرت بهذا الشكل، وهي مستمرّة في التقدّم. في صيف هذا العام، التأمت جمعيّة الإتّحاد اللوثري العالميّ في شتوتجارت في ألمانيا، وكان موضوعنا "أعطنا خبزنا كفاف يومنا". فنحن نتقاسم الرغيف ذاته، كما نتقاسم ذات المسؤوليّة تجاه الجياع إلى الخبز، في استئصال الفقر، ومحاربة الأمراض الفتّاكة.

وبشكل خاص، أود التأكيد على العلاقة الطيّبة، بين كنيسة المخلّص اللوثريّة الإنجيليّة في القدس والكنيسة الكاثوليكيّة في فلسطين وإسرائيل والأردن. أنا مغبوط بالعلاقات الجماعيّة والأخويّة مع الأساقفة الكاثوليك ورؤساء الأديرة في القدس. وعلى هذا أن يستمرّ لمصلحة شعبنا وشهادتنا المشتركة.

وأسطّر كلمة امتنان على مبادرتكم للإهتمام بمسيحيّي الشرق الأوسط عبر هذا السينودس. فالشرق الأوسط هو مهد المسيحيّة، وسيكون مأساويّا إنْ أشرفت هذه الشهادة على الإختفاء. وأنا اسألكم هنا: ماذا سيكون الشرق الأوسط بدون مسيحيّين؟

نحن نتقاسم هذا الهمّ المشترك. ومع هذا ، لا أودّ الخوض في المشاكل، إلاّ أنّني أرغب أن أذكر ثلاثا منها بإختصار: الحالة السياسيّة غير المستقرّة، نقص الوظائف بسبب الوضع الإقتصادي، ونموّ التطرّف- التطرّف السياسيّ والدينيّ- الذي يشوّش المنطقة ويقود إلى الهجرة. وبالنسبة لي، إنّ مستقبل المسيحيّة متعلّق بالسلام والعدالة في الشرق الأوسط. فكيف نقدّم شهادةً حيّة وديناميّة؟ من الأساسيّ ألاّ نركّز على الشهادة الطائفيّة، بل إنّنا نتكلّم بصوت واحد وبشهادة مشتركة.

إّن شعبَنا ينتظر أن يرانا نعمل معا، ونشهد معا، ونعيش معا، ونحبّ معا. لذا من الأساسيّ أنْ نقوّي علاقاتنا المسكونيّة في كل من إسرائيل وفلسطين وفي كلّ الشرق الأوسط.

كيف نحقّق ذلك؟ أوّلا إنّ مجلس كنائس الشرق الأوسط هو الجسم الوحيد في العالم الذي يجمع عائلاتنا الأربعة: الكاثوليك والارثوذكس والكنائس المشرقيّة، والإنجيليّة. إلاّ أنّنا الآن لا نسير بنشاط كما يجب، إنّنا نعرج. لذا، أناشدكم أن تساعدونا على إحياء هذا الإطار المسكوني الذي بوسعنا فيه أن نعمل معا.

ثانيا، علينا أن نعمل معاً لتوفير الوظائف، وفي تزويد السكن الآمن واللائق، وفي تحسين المدارس وتقوية المؤسّسات المسيحيّة لأنّها تخدم كلّ شخص ، بغضّ النظر عن جنسه أو أصله أو سياساته أو ديانته. مدارسنا اللوثريّة، على سبيل المثال، تعلّم عددا متساويّا من المسيحيّين والمسلمين، الأولاد والبنات، جنبا إلى جنب، ساعين إلى خلق مناخ من الإحترام المتبادل. هذه هي قوّتنا، وعلينا أن نواصل الجهود لكي يبقى المسيحيّون ثابتين في أوطانهم، كعنصر كامل من نسيج مجتمعاتهم، عاملين من أجل خير الجميع.

ثالثا، شهادتنا المشتركة في الكنيسة، مع تناقص أعدادنا، ضروريّة لبناء مجتمع مدنيّ حديث، وديمقراطيّ، ويحترم حقوق الإنسان، وينمّي الحريّة الدينيّة، ويكون ضميرا للشرق الأوسط كلّه، للإسرائيليّين كما للفلسطينيّين، وللعالمين العربي والإسلامي.

على مدار ألفي عام، لم تلعب المسيحيّة دورا مسيطرا في حكم المنطقة، لكنّا قدّمنا على الدوام شهادة حيّة كخمير في عجينة مجتمعاتنا. فالكنيسة ليست خجولة أو مختبئة ولا خائفة من أجل البقاء حيّة، لكنّها واثقة بالقوّة التي يزوّدها الروح بها، لتكون نبويّة وناطقة بالحقّ أمام القوّة، ولتنمّي العدالة مع السلام والمصالحة والمسامحة.

رابعا، إنّ شهادتنا المسكونيّة تظهر ذاتها بالحوار النشط بين الأديان. وهذا يتم بعدّة مسارات: الأول في السعي إلى حوار إسلامي مسيحيّ أفضل. وإنّنا لنقدّر ما جاء في رسالة القادة المسلمين الموقّعة عام 2007، بعنوان "كلمة سواء"، والتي بيّنت أنّ جوهر الديانة هو في "محبّة الله ومحبّة القريب". كما نقدّر رسالة عمّان التي أطلقها الملك عبدالله الثاني في الأردن عام 2005. وعلينا أن ندعم من يجسّدون الإسلام الحقيقي ويحاربون التطرّف. وأصادق هنا على دعوة الملك عبدالله الثاني أيضا التي أطلقها في الأمم المتحدة، الشهر الماضي، داعيا إلى "أسبوع سنويّ للوئام بين الأديان". وهل أفضل من القدس لتقديم نموذج للعيش والحوار مع المسلمين؟

المسار الثاني في الحوار  الديني، يمرّ عبر تنمية العلاقات الإسلاميّة المسيحيّة اليهوديّة. إنّ مجلس المؤسّسات الدينيّة في الأرض المقدّسة، ليجمع قادة الديانات الثلاثة في القدس لتعزيز العيش المشترك، والتصدّي معا للأصوليّة، والبحث عن حلول للمشكلات الإجتماعيّة. وحاليا، يعكف مستشارون أكاديميّون على دراسة المناهج الدراسيّة في المدارس الإسرائيليّة والفلسطينيّة، لكشف وأزالة ما تحتويه من تمييز وازدراء للآخر. وهذا المشروع هو الأفضل للعدالة والسلام والمصالحة. كما أنّ المجلس ذاته يحضّر وثيقة أساسيّة للنقاش بين الأديان في المستقبل. وهو بيان مبسّط حول البيت الروحي للأديان الثلاثة. والسؤال هو: لماذا القدس مقدّسة بالنسبة لليهود والمسيحيّين والمسلمين؟

فالتحدّي الأكبر ليس سوى في أن نحبّ القريب، حبّنا لأنفسنا. وفيما يعلن الكثير من الناس حبّهم لله، فكيف يحبّون الله الذي لا يرونه، بينما لا يحبّون أخاهم أو أختهم اللذين لا يرونهما. (1 يو 4: 20).

نحن اللوثريّين، ملتزمون بالعمل سويّة معكم أنتم الكاثوليك، كما مع الكنائس الأرثوذكسيّة، والكنائس الإنجيليّة، من أجل شهادة مشتركة في الشرق الأوسط.

وهكذا، نلزم انفسنا "في المحافظة على وحدة الروح برباط السلام".








All the contents on this site are copyrighted ©.