2010-10-19 11:17:51

من ورقة العمل:


24 لذلك يحسن أن نذكّر بأن المسيحيين هم "مواطنون أصليون"، وأنهم ينتمون حتما وقانونا إلى النسيج الاجتماعي، وإلى الهوية ذاتها لبلادهم الخاصة. وفى اختفائهم خسارة للتعدّدية التي ميّزت دائما بلاد الشرق الأوسط. وغياب الصوت المسيحي سيسبّب إفقار المجتمعات الشرق أوسطية .

25 وإنما مبدئيا، يجب على الكاثوليك أن يعملوا على تقديم أفضل مساهمة، في تعميق مفهوم الدولة "العلمانية الإيجابية"، [3- راجع بنديكتوس 16 – الرحلة الرسولية فى فرنسا، مراسيم الاستقبال فى قصر الإليزيه : مجلة الوثائق الكاثوليكية، 2409 (2008) 824-25.] بالاشتراك مع باقى المواطنين المسيحيين، وأيضاً مع المسلمين  المفكّرين والمُصلحين. وبذلك سيساعدون في تخفيف الصبغة الثيوقراطية (الحكم باسم الله) لبعض الحكومات، مما يسمح بمزيد من المساواة بين المواطنيين من مختلف الديانات، ويعمل على تنمية ديموقراطية سليمة، علمانية إيجابية، تعترف اعترافا كاملا بدور الدين، حتى على مستوى الحياة العامة، مع كامل الاحترام للتمييز بين كل من النظام الديني والنظام الزمني.

28 وحتى اذا كان المسيحيون أقلية ضعيفة في جميع بلاد الشرق الأوسط تقريبا، إلا أنهم فى كل مكان يعملون بحيويّة، وديناميكيون، ومُشرِقون، حيث يكون ذلك ممكنا اجتماعيا وسياسيا. ويكمن الخطر في الإنطواء على الذات والخوف من الآخر. فيجب فى الوقت نفسه تقوية إيمان وروحانية مؤمنينا، وتدعيم الرباط الاجتماعي والتضامن فيما بينهم، من دون أن نقع فى حالة الخندقة (الجيتو).

51 وطبقًا لبعض الإجابات، فإن أعضاء الحياة المكرسة مدعوون إلى التغلب على تجربة السلبية،  وكذلك على تقديم المصالح الشخصية على مقتضيات الإيمان. إنهم مدعوون إلى أن يكونوا شهودًا عِبر حياة مسيحية مثالية، فى ممارسة نذور الطاعة والعفة والفقر، وفى إتّباع أفضل دائما ليسوع المسيح، مثال كل كمال.

52 هذا هو المنوال، الذي ينبغي على كل أعضاء شعب الله، من رعاة، ومكرَّسين وعلمانيين، أن يسعوا إلى الحياة بموجبه، كل واحد وفقا لدعوته الخاصة، بمزيد من الانسجام مع الحياة الشخصية والجماعية، في مؤسّساتنا الاجتماعية، والخيرية، والتربوية، لكي يصبح أبناؤنا المؤمنون هم أيضًا شهودا أفضل على الدوام لقيامة الرب، في وسط المجتمع. ولهذا الغرض، فإن العديد من الإجابات عبّرت عن الرغبة في أن يعمل تكوينُ الاكليروس والمؤمنين، والتعليمُ الديني والعظات، على ضرورة أن يعطوا للمؤمن المعنى الحقيقي لإيمانه، وأن ينمّوا وعيه بدوره في المجتمع، الذي يقتضيه هذا الإيمان. ينبغي أن نعلّمه أن يبحث عن الله وأن يراه في كل شيء وفي كل شخص، وأن يجتهد في أن يجعله حاضرًا في مجتمعنا وفي عالمنا، بممارسة الفضائل الشخصية والاجتماعية: العدالة، والنزاهة، والاستقامة، والترحيب، والتضامن، وانفتاح القلب، وطهارة الأخلاق، والأمانة...وغيرها.

53 ولتحقيق ذلك، ينبغي أن نضاعف الجهود المبذولة، والتي ترمي إلى مواصلة اكتشاف وتكوين "الكوادر" الضرورية، من الكهنة، والرهبان، والراهبات، والعلمانيين من الرجال والنساء، لكي يكونوا في مجتمعنا شهودا حقيقيين لله الآب، وليسوع المسيح القائم من بين الأموات، وللروح القدس الذي أفاضه على كنيسته، ليثبّتوا إخوتهم وأخواتهم في هذه الأزمنة الصعبة، ويحافظوا على النسيج الاجتماعي، ويساهموا في بناء المجتمع.

100 أمّا عن مساهمة المسيحيين في المجتمع، ففى بلادنا اليوم تحدّيان يجب أن يواجهما الجميع: المسيحيون، واليهود، والمسلمون، والدروز، بدون فَرق. ففى مواجهة الصراعات والعمليات العسكرية، تبرز تحدّيات السلام والعنف. فالكلام عن السلام والعمل من أجل السلام، بينما ينتشر الحرب والعنف، هو تحدٍ حقيقي. إن حلّ الصراعات في أيدي مَن يدعم الحرب. والعنف فى أيدي القوّي، كما فى أيدي الضعيف، الذي قد يلجأ هو أيضاً إلى العنف السهل المنال، لكي يتحرّر. تعيش بعض بلداننا فى حرب، وتعاني منه المنطقة كلها مباشَرة منذ أجيال. ويستغلّ هذا الوضعَ الإرهابُ العالمي الأكثر تطرّفا.

101 وفي معظم الأحيان تُوَحِّد بلادنا بين الغرب والمسيحية. فإذا كان صحيحا أن الغرب له تقليد مسيحي، وأن جذوره مسيحية، فمن الواضح أيضا أن حكوماته اليوم علمانية، ولا تستلهم السياسةُ الإيمانَ المسيحي، بل كثيرا ما تحارب بعض تعبيراته. ولكن العالم الإسلامي لا يفرّق بسهولة بين الجانب السياسي والجانب الديني، وهذا ما يتسبّب فى ضرر كبير لكنائس منطقة الشرق الأوسط، لأن الرأي العام الإسلامي يتّهم فعليا الكنيسة بأية خيارات سياسية للدول الغربية. فمن المهمّ أن نشرح معنى العلمانية، وشرعية استقلال الواقع الزمني، كما يعلّم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني [40- المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني - دستور رعوي عن الكنيسة في العالم المعاصر: فرح ورجاء، 36].  

102 في هذه الظروف، تقوم مساهمة المسيحي في أن يقدّم ويعيش قِيَم الإنجيل، وأيضا في قولِ الحق في وجه الأقوياء الذين يقترفون الظلم، أو يتبعون سياسات ضد مصالح البلد، وكذلك فى وجه مَن يجاوبون على الظلم بالعنف. إن أسلوب السلام واقعي، حتى وإن تعرّض للرفض من الغالبية العظمى. كما أن إمكانيات قبوله عديدة، حيث أن عنف الأقوياء والضعفاء على السواء، قاد منطقة الشرق الأوسط إلى فشل متكرّر، وإلى مأزق عام. فمساهمتنا، التي تقتضي شجاعة كبيرة، لا غنى عنها.

111 للمسيحي إسهام نوعي ولا غِنَى عنه فى المجتمع الذى يعيش فيه، ليُثريَه بقِيَم الإنجيل. فهو شاهد للمسيح وللقِيَم الجديدة التي حملها للبشرية. ولذلك، ينبغى على التعليم المسيحي أن يُكوّن، فى الآن نفسه، مؤمنين ومواطنين، فعّالين في مختلف مجالات المجتمع. فالالتزام السياسي الخالي من القِيَم الإنجيلية هو شهادة مضادة، ويسبّب ضررا أكثر مما يعمل خيرا. وفي العديد من النقاط، تتلاقي هذه القِيَم مع قِيَم المؤمن المسلم، بالأخص فيما يتعلّق بالحقوق الإنسانية، مما يثير الاهتمام بالعمل معا لتنميتها.

112 وتوجد في الشرق الأوسط صراعات مختلفة، محورها الرئيسي هو الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وعلى المسيحي أى يسهم إسهاما خاصا في مجال العدالة والسلام .  ولذلك، فمن واجبنا أن نشجب العنف بشجاعة، من أي طرف يصدر، وأن نقترح الحلّ، علما بأنه لا يمكن أن يتحقّق إلا من خلال حوار.

113 علاوة على ذلك، فبينما نطالب من ناحية بالعدالة للطرف المظلوم، من الضرورى من ناحية أخرى أن نحمل رسالة المصالحة، المبنية على الصفح المتبادل. وقوة الروح القدس تجعلنا قادرين على الغفران وعلى طلب المغفرة. وهذا الموقف وحده يقدر أن يخلق إنسانية جديدة. والسُلطات السياسية هى أيضا تحتاج إلي هذا الانفتاح الروحي، الذي يمكن أن تقدّمه مساهمة مسيحية متواضعة ومتجرّدة عن كل مصلحة. فالسماح للروح القدس بالدخول إلى قلوب الرجال والنساء، الذين يعانون في منطقتنا من أوضاع صراعات مختلفة، هى المساهمة النوعية للشخص المسيحي، والخدمة الأفضل التي يمكن أن يقدّمها لمجتمعه.

114 وحيث أن أوضاع البلاد تختلف كثيرا فيما بينها، يلزم أيضا أن تكون التطبيقات مختلفة. وقبل كل شيء، يلزم تربية الناس والمسيحيين أنفسهم، على أن يتبيّنوا بعنايةٍ المساهمةَ التى يمكن أن يقدّموها، في مختلف مجالات الحياة والمؤسّسات المدنية والسياسية. لأن المسيحيين يعلمون أن من واجبهم أن يولوا عنايتهم للخير العام، وللقضايا العامة، كالفقر، والتعليم، ومكافحة العنف والإرهاب. وللمسيحيين مشاريع سلام، للتعايش المشترك في هدوء، مع خلق العلاقات والروابط. فواجبنا في مجتمعاتنا هو أن نربّى على الانفتاح وندعو اليه، وليس على التعصب. وإنما يجب أن نطالب، بالوسائل السِلمية، أن تعترف السلطات المدنية بحقوقنا المشروعة كذلك.

115 وفي المجال الاجتماعي فإن شهادتنا الأكثر أهمية هى الحب المجاني للإنسان. وهو يتجلّى فى الخدمات الاجتماعية، كالمدارس، والمستشفيات، والعيادات الصحية، والمؤسسات الأكاديمية، التى تقبل الجميع، وتعلن محبتنا للجميع، في سبيل خلق مجتمع أفضل. كما أن أنشطتنا الخيرية لصالح الأكثر فقرا والمستبعَدين، بلا تفرقة، هى أجلى صورة لانتشار الفكر المسيحي. وكثيرا ما تنفرد مؤسساتنا وحدها بتقديم هذه الخدمات.

116 إن الكرازة بالإنجيل في مجتمع مسلم، يمكن إن تتمّ فقط من خلال حياة جماعاتنا، ولكنّ الأمر يتطلب أن يتمّ ضمانها أيضا بتدخّلات خارجية مناسبة. وإنما واجبنا الأكثر إلزاما يقوم فى أن نحيا الإيمان فى بلادنا. فأن نحيا الحق وأن نعلنه في المحبة وبشجاعة هو التزام حقيقي. والشهادة الأكثر فاعلية هي أن نترك أعمالنا تتكلم أكثر من الكلام، بأن نعيش مسيحيتنا بأمانة، ومظهرين التضامن بين المؤسسات المسيحية كافة، مُقدمين هكذا شهادة قوية عما نحن عليه وعما نعيشه.

117 ونحن المسيحيين لا يجب أن نتوقف عند الأمور السطحية، بل يجب أن نذهب إلى العمق، في سبيل إعلاء مصداقية كل ما تمّ فى الأراضي المقدسة، مثل حياة المسيح والرسل، فنعيش بشجاعة إيمانا ناضجا، حتى لو تطلب ذلك منا تضحيات. إن الصلاة، والوفاق الداخلي فى الكنيسة، وتنمية الوحدة بين المسيحيين، والحياة بحسب روح الإنجيل، والحياة الباطنية، والاشتراك في الطقوس، كلها أعمال صحيحة لشهادة حقيقية صادرة عن اقتناع، يجب أن نُعِدَّ لها الجميع، بالأخص الشباب، بأساليب تناسب أعمارهم وثقافتهم.

119 وحتى إذا حدث أحيانا أن يستسلم الرعاة والشعب لليأس، فيجب أن نتذكر أننا تلاميذ المسيح القائم من بين الأموات، المنتصر على الخطيئة وعلى الموت. لنا إذا مستقبل ! ويجب أن نأخذه على عاتقنا. وهو يتعلق بدرجة كبيرة بكيفية تعاوننا مع ذوي الإرادة الصالحة، في سبيل الخير العام للمجتمعات التي نحن أعضاؤها. نستطيع اليوم أيضا أن نكرر لمسيحيي الشرق الأوسط: " لا تخف أيها القطيع الصغير" (لوقا 12: 32)، لديك رسالة، عليك يتوقّف نمو بلدك وحيوية كنيستك: ولن تتحقق هذه الأمور إلا بواسطة السلام والعدالة والمساواة بين جميع مواطنيه. 

120 إن الرجاء، الذي وُلد في الأراضي المقدسة، قد أحيا الشعوب والأشخاص الذين يعانون الآلام في العالم كله على مدى ألفي عام. ووسط الصعوبات والتحدّيات، يظل الرجاء نبعا لا ينضب للإيمان، والمحبة، والفرح، لتكوين شهود الرب القائم من الأموات، والحاضر دوما وسط جماعة تلاميذه.

121 ولكن الرجاء يعني، من جهة، أن نضع ثقتنا في العناية الإلهية، الساهرة على مسيرة تاريخ الشعوب كلها. ومن جهة اخرى، يعني أن نعمل مع اللّه، أن نكون "معاونين لله" (1كورنثوس 3: 9)، وأن نعمل كل المستطاع لنساهم مع النعمة الإلهية فى هذه المسيرة، في جميع مجالات الحياة العامة لمجتمعاتنا، لاسيما فى كل ما يتعلق بحقوق الإنسان وكرامته، والحرية الدينية. وبهذا سيكون للأجيال القادمة مزيد من الثقة فى مستقبل منطقتهم.

122 إن تسليمنا للعناية الإلهية يعني أيضا من جهتنا مزيدا من الشركة. وهذا يعني مزيدا من التجرّد، ومزيدا من التحرّر من الأشواك التي تخنق كلمة الله وعمل نعمته فينا. [41- راجع مَثل أنواع التربة، مثلا في متى 13: 7 وما يوازيها).  وكما يوصي القديس بولس : " أحبّوا بعضكم بعضا كإخوة، مفضّلين بعضكم على بعض في الكرامة، غير متكاسلين في الاجتهاد، متّقدين في الروح، عاملين للرب، كونوا فرحين في الرجاء، صابرين في الضيق، مواظبين على الصلاة" (رومة 12: 10-12). ويقول السيد المسيح: " لو كان لكم إيمان بمقدار حبة الخردل، لقلتم لهذا الجبل: انتقل من هنا الى هناك، فينتقل، ولما عجزتم عن شيء" (متى 17: 20 ؛ راجع متى 21: 21).

123 تحتاج كنائسنا اليوم لمِثل هولاء المؤمنين، سواء على مستوى رؤسائنا وآبائنا، أم على مستوى مؤمنينا. نحتاج إلى مؤمنين يكونون شهودا، عالمين أن الشهادة للحق يمكن أن تقود إلى الاضطهاد. فلتساعدنا العذراء مريم، الحاضرة مع الرسل في يوم العنصرة، أن نكون رجالا ونساء مستعدّين أن نقبل الروح القدس، وأن نعمل بقوّته. ويا ليت كنائس الشرق الأوسط الخاصة تتقبّل اليوم أيضا الدعوة التي وجّهتها أُمّ يسوع في قانا الجليل: "إعملوا كل ما يأمركم به" (يوحنا 2: 5).








All the contents on this site are copyrighted ©.