2010-10-15 16:13:52

مداخلة المدعوّ الخاص صاحب السماحة آية الله سيّد مصطفى موهاغيغ أحمدابادي، أستاذ في كلّيّة القانون في جامعة الشهيد بيهيشتي (طهران)، عضو الأكاديميّة الإيرانيّة للعلوم (إيران) السامي الاحترام (إيران)


خلال العقود الأخيرة، واجهت الديانات ظروفًا جديدة وجانبها الأكثر أهمّيّة هو اضطراب تلاميذها المطوّل في الأماكن الحقيقيّة للحياة الاجتماعيّة، كما في الحلبات الوطنيّة والعالميّة. قبل الحرب العالميّة الثانية، وبالرغم من التطورات التكنولوجيّة، عاش مؤمنو الديانات المختلفة تقريباً داخل حدودهم الوطنيّة. لم تكن المسألة الضخمة للهجرة موجودة، ولم يوجد هكذا انتشار للاتصالات يربط بين مجتمعات مختلفة كثيرة. ولم يكن العالم قد أصبح بعد "قرية كونيّة" "تربط" المصائر المتعدّدة معا. نشهد اليوم التغييرات الكبيرة التي حصلت منذ نصف قرن وما زالت مستمرة بطريقةٍ عجيبة. وهذا لا يحمل تأثيرا نوعيّا على العلاقات بين الأديان فحسب، بل أثّر أيضًا على العلاقات بين أجزاء الديانات وعلى مؤمنيها. بالتأكيد، ليس باستطاعة أيّة ديانة لا مبالية إزاء حالة التطوّر السريع هذه.

في نهاية الألفيّة الثانية، إنّ التعدّد الثقافيّ بات مقبولاً بدرجاتٍ متفاوتة. ولغاية ذلك الوقت، كان الفهم للمجتمع المتعدّد الثقافات مختلفًا عمّا نختبره اليوم. ولعلّ الثقافة الجديدة والدخيلة إلى المجتمع قد قُبِلَت لأنّها "ثقافة جديدة" وليس لأنّها تستحق ذلك. واليوم نجد تناقصا في المجتمعات والمجموعات التي تقبل بثقافة أحادية في أيّ مجتمع. فالخبرة البلقانية قد اثبتت أنّ الاستئثار الثقافي والإثنيّ لفريق على الآخرين لا يمكن قبوله لأنّه يحتقر المجموعات المتواجدة في ذلك المجتمع. هذه ضرورة معاصرة وليست مفهوما عقليا ومنعزلا.

وفي مجتمعات تتواجد فيها فرقٌ عرقيّة لها لغاتها ودياناتها الخاصّة، ومن أجل استقرار إجتماعي ونقاء أخلاقي، علينا احترام حضورها وحقوقها. وانّ مطابقة المصالح والرخاء الاجتماعي على المستويات المحليّة والدولية يكمنان في عدم استبعاد أي بلد أو جماعة. وهذه هي حقيقة وقتنا الحالي. وكما وصفت، إنّ الفهم المتبادل بين الأديان يعكس أوضاعًا جديدة، وعليه أن يأخذ وبالضرورة، هذه الأوضاع، بعين الإعتبار. فالكل سيتقاسم ذات المصير مع الآخر. واليوم، يتبنّى هذه الفكرة العديد من قادة الرأي، وبات يؤيّدها عديد من الناس رويدا رويدا. ومن متطلّبات هذا النوع من التفكير أن تستبعد الأشكال التقليدية والمشروطة في النظرة نحو الديانات والثقافات، من أجل تكوين نمط تفكير موضوعي.  علينا أن ننظر نحو الثقافات الأخرى بعين التفهم والإحترام والتضامن.

وفي ذات الوقت، لا نستطيع أن ننكر وجود النظرات الجزئيّة وردود الفعل النابعة من الأحكام المسبقة عبر التاريخ، ومن الرغبة في تمدّد وسيطرة نظام تفكير سياسي وثقافي. لكنّي أومن بأنّ هذا النمط من التفكير التمييزي والشوفيني قد بات ضعيفا وفي طريقه إلى الزوال.

وإلى جانب هذه التحوّلات، نشأت متغيّرات جديدة، وإن جاءت بإطار العالم الغربي والصناعي. وهذا ما أحدث تساؤلا وشكا في العقول، حتى حول مسائل كانت في السابق لا "استغناء عنها". فاليوم هنالك رغبة متعاظمة وحاجة لاكتشاف "الآخرين" والثقافات وطرق العيش لدى الآخرين، والفلسفات والديانات الأخرى. وهي رغبة لا تعني فضولا بمقدار كونها حاجة داخليّة وروحيّة. وهي حالة العديد من الشباب والمفكرين في هذه المجتمعات. وتكمن الأهمية في كون هذه الفكرة سوف تؤثر على الفهم الروحي للأديان الواحدة نحو الأخرى. ومن الضروري أن نشير هنا إلى أن التوجه الأكبر حاليا هو في الإنتباه إلى المعتقدات الآسيويّة والشيع الدينيّة التي تنتمي إلى المجتمعات الصناعيّة ذات الأسس الروحيّة. وتجد هذه الجماعات من يتبعها يوميّا.

علينا أن نحلّل هنا ما هي الحالة المثالية للمؤمنين والتابعين؟ وكيف نحصل على الحالة الأفضل؟ يبدو أنّ العالم المثاليّ هو في دولةٍ يعيش فيها المؤمنون، من أيّ معتقد، بحرّيّة ومن دون أيّ ضغطٍ أو خوف أو إكراه، ويكون بمستطاعهم العيش بحسب المبادئ الأساسيّة وطريقة أعرافهم وتقاليدهم. وعلى الدول والمجتمعات أن تمارس هذا الحق المعترف به عالميا.

كذلك، فإنّ الحق في تأويل المعتقدات هو حق للمؤمنين من ذات الديانة، ما دام هذا التأويل يتأسّس على الأحكام العلميّة والروح الأساسيّة لتلك الديانة. فالحقيقة هي أنّ أولئك المؤمنين لهم السلطة وحق التفسير لمعتقداتهم أكثر من غيرهم. ولا حاجة للتذكير بأنّ كلّ معتقد عليه أن يؤمّن شارحين لكل عصر، وبدونهم تصبح المهمّة شاقّة جدّا. ولا أحد يملك حقّ التفسير باسم الآخرين أو أنْ يقرّر عنهم. ولكلّ إيمان منطقه الخاصّ وطريقته الخاصّة المبنيّة على متطلّباته الخاصّة وعلى لحظات التاريخ. ولا شرعيّة لأيّ تطبيق وتأويل خارج الإطار المتعارف عليه من المؤمنين، ولذلك لا استمراريّة ولا تاثير له.

وهذا ينطبق على جوهر كل ديانة ومؤمنيها، ويستطيع تلاميذ كلّ معتقد أن يمارسوا حقوقهم بدون خجل أو خوف وأن يعيشوا بحسب تراثهم وثقافتهم التاريخيين. فاستقرار العالم يعتمد على استقرار وحياة المجموعات والمجتمعات كبيرةً كانت أم صغيرة. 

ويتحقّق هذا الاستقرار فقط عندما يستطيع كل إنسان أنْ يعيش بدون خوف أو تهديد من الآخرين. وهو العنصر الأهم للوصول إلى استقرار وسلام اجتماعيًّا وأخلاقيًّا. ويتحتّم علينا أن نعمل على تأمين هذه الظروف.

أمّا العلاقات بين المسيحية والإسلام، والمشادة على الهامات ومعطيات القرآن الكريم، فقد تأسست مع الإسلام في المملكة السعودية، على الصداقة، والإحترام، والفهم المتبادل. ففي القرآن الكريم، إنّ يسوع هو "كلمة الله"، وانّ الإيمان به هو مطلب أساسي من المؤمنين، لدرجة أنّ الشكّ في قيادته بات مرفوضًا: "... ولتجدنّ أكثرهم مودّة للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى ذلك بأنّ منهم قسّيسين ورهبانا وأنّهم لا يستكبرون" ( المائدة، 82).

" إذ قالت الملائكة: يا مريم، إنّ الله يبشّرك بكلمة منه إسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدّنيا والآخرة ومن المقرَّبين" ( آل عمران 45).

من المؤسف ، أنّه على مدار ال 1400 سنة سابقة، وأحيانا لاعتبارات سياسيّة، قد اعترت هذه العلاقات لحظات سوداء. ولكن لا أحد عليه أن ينسب هذه الأفعال غير الشرعية لأفراد أو جماعات للاسلام أو للمسيحية.  وفي معظم الدول الاسلامية، ومنها إيران، وبحسب تعاليم القرآن، وكما أقرّت بالشريعة، يعيش المسيحيّون جنبا إلى جنب مع وبسلام مع أخوتهم المسلمين. ولديهم كامل الحقوق كأيّ مواطن آخر، ويمارسون شعائرهم بكل حريّة.

وفي الختام، يطيب لي أن اشكر قداسة البابا بندكتس السادس عشر، على كلماته التاريخيّة والحيويّة وخطاباته في القدس واسطنبول حول أهميّة الاستمرار بعلاقات صداقة سليمة بين المسلمين والمسيحيين. وهذه المقاربة وبهذه الطريقة هي اساسيّة لكلّ المؤمنين، ومهمّة من أجل السلام في العالم.

شكرا لكم، بارككم الله !








All the contents on this site are copyrighted ©.