2010-10-15 16:09:38

حضرة السيّد حارس شهاب، أمين عامّ اللجنة الوطنيّة للحوار الأسلاميّ-المسيحيّ المحترم (لبنان)


إنّه لمفارقة أن نشاهد المسيحيّين الذين هم عنصر مكوّن للشرق، قبل مجيء الإسلام، يواجهون معضلةً، هي الخيار بين الإختفاء والإنعزال اللذين ينهيان حضورهم التاريخيّ ورسالتهم.

وقد تفاقمت حدّة هذه المشكلة في العقود الأخيرة، فرأينا هذه الأرض، تفرَغ من المسيحيّين تدريجًا، وهم الذين اسهموا في صنع حضارتها، وكانوا على الدوام روّاد النضال من أجل حرّيّتها، وإيصالها إلى الحداثة. ولا يمكن أن نعزو أسباب هذا "النـزوح" إلى جملة أسباب محض اقصاديّة، وإلاّ كانت كلّ المنطقة أرضًا مفرغة من السكان تمامًا، ومن الواضح، أنّ التمييز والاضطهاد في أماكن شتّى، والخوف من الآخرين، وغياب الحرّيّة، وعدم المساواة في الحقوق، هي جميعًا أساس هذه الحركة.

إنّ كلّ سؤال حول مستقبل المسيحيّين في المنطقة، يقودنا إلى مجموعة من الأسئلة المتعلّقة به، بدءًا بالحوار بين الأديان: أين هو وما هي آفاقه، وما العلاقة بين الدين والدولة، وبعبارة أخرى بين شؤون الدين والدنيا، والعلمنة، والحرّيّة والتطرّف والأصوليّة والإرهاب، هذه المواضيع الكثيرة التي تتناولها وسائل الإعلام مطوّلاً.

ومع الأسف، فالمؤتمرات والمحاضرات الكثيرة التي تعالج الحوار الإسلاميّ-المسيحيّ، والذي يرتبط نجاحه باستمرار الحضور المسيحيّ الفاعل في منطقتنا، لا تعطي المكانة الأولى التي تستحقّها هذه المواضيع، مكتفيةً بالتشديد على نقاط الالتقاء، وهذا جيّد ومفيد، ولكنّ التعامي عن هذه المشاكل، أو في أحسن الأحوال، مقاربتها بطريقة خجلة، لا يخدم قضيّتنا، بل على العكس. فالمكتسبات تبقى سريعة العطب، وتغيب أمام أوّل مواجهة لمشكلة جدّيّة. وهكذا تتعمّق الهوّة شيئا فشيئا، بين طاولات المؤتمرات حول الحوار، والشأن اليوميّ المعاش، حيث لا تجد الصيغ الأدبيّة المستخدمة، ولا نقاط الالتقاء، طريقًا إلى تطبيق عمليّ.

لذلك، يجب على هذا النمط أن يخلي المكان من الآن وصاعدًا، إلى نمط آخر تلغى منه لغة المجاملات، لنصل إلى الحقيقة، مهما كانت قاسية، مرفقة طبعًا بالمحبّة والصدق، ومن شأنها توعية المسلم على وعي حقيقة مشاكلنا، وذلك ، للمصلحة المتبادلة لكلّ الأطراف ولمنطقتنا.

ينبغي تكثيف عقد المؤتمرات والاجتماعات لمساعدة المشاركين على خوض قضايا شائكة. فلغاية اليوم، وحتّى في الأوراق المقدّمة من قبل خبراء مسلمين، حول السينودس، لا تتخطّى الملاحظات الإطار التقليديّ المتعارف عليه، لأنّه إطار سهل، في مجتمع يتغيّر بسرعة، وتبدو المشاكل المتعلقة في إطاره المتنوّع ثقافيًّا ودينيًّا معقدّة للغاية. هذا فضلاً عن إن إعادة قضيّة مزمنة تعود إلى مئات السنين، أي إلى ما قبل نشوء الصراع العربيّ-الإسرائيليّ، إلى الدعم الذي يقدّمه الغرب لإسرائيل، بطريقة تخلط بين المسيحيّين والغرب، لأمر يحاول إراديًّا إخفاء الأسباب الحقيقيّة للمشكلة.

ومن ناحية أخرى، هنالك جهد متعاظم لمسلمين عديدين، ممّن يعيشون الأمانة لإيمانهم ولديانتهم، ولا ينفكّون يصرّحون بأنّها ترفض وتمنع تحرّكات مشابهة. وعلى مستوى بعض الدول، بتنا نلاحظ تسامحًا ما، لم يصل طبعًا إلى المستوى المطلوب، لكنّه على الأقل يعطي أملاً في المستقبل.

ومهما كان الأمر، فقد عقدنا العزم في لبنان، مسلمين ومسيحيّين، على السير قدمًا نحو الأمام، وعلى تثبيت عيشنا المشترك، وعلى مواجهة مشتركة لتحديّات تيّارات التطرّف والتعصّب والأصوليّة التي ترفض حقّ الإختلاف، مدركين الصعوبات التي تعترضنا، ولكنّنا مصمّمون على إنجاح نقل رسالتنا في العيش المشترك.








All the contents on this site are copyrighted ©.