2009-05-09 12:20:59

البابا يزور المتحف الهاشمي ومسجد الحسين بن طلال في عمان


قام البابا بندكتس السادس عشر عند الساعة الحادية عشرة والنصف بتوقيت الأردن بزيارة للمتحف الهاشمي ومسجد الحسين بن طلال الذي شُيد برغبة من الملك عبد الله الثاني تخليدا لذكرى والده، ودُشن في الثاني عشر من أبريل نيسان 2006. التقى الحبر الأعظم في المسجد القادة الدينيين المسلمين، السلك الدبلوماسي ورؤساء الجامعات وبعد كلمة ألقاها الأمير غازي بن طلال خاطب بندكتس السادس عشر الحاضرين قائلا:

صاحب السمو الملكي،

سعادة السفراء،

أيها السيدات والسادة،

إنه لفرح كبير لي أن ألتقي بكم اليوم في هذا المكان الرائع. أود أن أشكر الأمير غازي بن محمد بن طلال على كلمته الترحيبية اللطيفة. إن مبادراتكم العديدة، يا صاحب السمو الملكي، الهادفة إلى تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات تحظى بتقدير مواطني المملكة الهاشمية واحترام الجماعة الدولية. أعلم أن هذه الجهود تلقى دعم باقي أفراد العائلة الملكية وحكومة الوطن وتترك أصداء كبيرة من خلال مبادرات التعاون العديدة بين الأردنيين ولهذا أريد التعبير عن إعجابي الصادق.

إن أماكن عبادة شأن مسجد الحسين بن طلال الذي يحمل اسم العاهل الراحل تنتصب كدرر على سطح الأرض. من المبنى القديم إلى الحديث، من المبنى الرائع إلى مبنى متواضع ينسبه الكل إلى الإله المتسامي الكلي القدرة. لقد اجتذبت هذه المعابد عبر القرون رجالا ونساء توقفوا فيها للصلاة ولتكريم الكلي القدرة وكذلك أيضا للإقرار بكوننا جميعا خلائقه.

ولهذا السبب لا يمكننا ألا نعبر عن قلقنا أمام من يدعي اليوم أن الدين فشل في أن يكون بدافع طبيعته باني الوحدة والتجانس وتعبيرا عن الاتحاد بين الأشخاص والله. في الواقع يرى البعض أن الدين بالضرورة دافع انشقاق في عالمنا ولهذا السبب فإن التقليل من أهميته يزيد من أهمية الحياة العامة. لا يسعنا رفض وجود توترات وانشقاقات وللأسف بين أتباع التقاليد الدينية المختلفة وبالأحرى ألا يمكن الإقرار بأن التلاعب الإيديولوجي في الدين، وغالبا لأهداف سياسية، يشكل حافزا للتوترات والانشقاقات وفي بعض الأحيان للعنف في المجتمع؟ أمام هذا الوضع حيث يحاول معارضو الدين إسكات صوته وبالأحرى استبداله بصوتهم تظهر بقوة ضرورة أن يكون المؤمنون أمناء بشكل عميق لمبادئهم ومعتقداتهم. إن المسلمين والمسيحيين، بدافع تاريخهم المشترك الذي تميز في غالب الأحيان بعدم التفاهم، مدعوون اليوم إلى السجود لله ليكونوا أمناء للصلاة وراغبين في التصرف والعيش حسب توجيه الكلي القدرة تغذيهم الرحمة والرغبة في أداء شهادة لكل ما هو حق ومستحب مستذكرين دائما بالأصول المشتركة وبكرامة جميع الكائنات البشرية التي تبقى في طليعة تصميم الله الخالق للعالم والتاريخ.

ويستحق كل تقدير قرار المربين الأردنيين وكذلك أيضا القادة الدينيين والمدنيين بأن تعكس الناحية العامة للدين طبيعته الحقيقية. ويظهر إسهام الدين الإيجابي في قطاعات التربية والثقافة والحياة الاجتماعية وقطاعات خيرية أخرى في المجتمع المدني في المثال الذي يقدمه أفراد وجماعات وكذلك أيضا في برمجة دورات التهيئة. ولقد تسنى لي أن ألاحظ شخصيا هذا الروح من خلال النشاط التربوي والتأهيلي لدى مركز سيدة السلام حيث يعمل مسيحيون ومسلمون على تغيير حياة عائلات برمتها عبر تقديم العناية للأبناء المعوقين كي يكون لهم مكانهم في المجتمع. صباح اليوم باركت حجر الأساس لجامعة مادبا حيث يستفيد شباب مسلمون ومسيحيون من التهيئة العليا ليساهموا بشكل فاعل في النمو الاجتماعي والاقتصادي لأمتهم. جديرة بالاستحقاق أيضا المبادرات العديدة للحوار الديني المشترك بدعم من العائلة المالكة والسلك الدبلوماسي بالاتصال في بعض الأحيان مع المجلس البابوي للحوار ما بين الأديان. إن هذه المبادرات تشمل أيضا عمل المؤسسات الملكية للدراسات الدينية المشتركة والفكر الإسلامي. رسالة عمان لعام 2004، رسالة عمان لعام 2005، والرسالة الأخيرة كلمة سواء  التي شكلت صدى لموضوع مشابه لما جاء في أول رسالة عامة لي: الرابط العميق بين محبة الله ومحبة القريب وكذلك أيضا التضارب الأساسي الكامن في اللجوء إلى العنف والتهميش باسم الله. (الله محبة، 16).

واضح أن هذه المبادرات تقود إلى تفاهم متبادل أعمق وتنمي الاحترام تجاه ما لدينا من قواسم مشتركة وما نفهمه بطريقة مختلفة ولذا ينبغي أن تحمل المسيحيين والمسلمين على الغوص في مفهوم العلاقة الأساسية بين الله وعالمه وهكذا نعمل سويا كيما يسير المجتمع بتناغم مع تدبير الله. في هذا الصدد يشكل التعاون الذي تم هنا في الأردن مثالا مشجعا، في المنطقة والعالم بأسره، للإسهام الإيجابي والخلاق الذي يمكن ويجب أن يقدمه الدين للمجتمع المدني.

أيها الأصدقاء الموقرون، أود الإشارة إلى مهمة تحدثت عنها في مناسبات مختلفة وكلي ثقة بأن المسيحيين والمسلمين قادرون على القيام بها وخصوصا من خلال إسهامهم المشترك في حقلي التربية والبحث العلمي وفي خدمة المجتمع. إن هذه المهمة تشكل تحديا للعمل من أجل الخير في إطار الإيمان والحقيقة على إنماء طاقات العقل البشري. في الواقع يصف المسيحيون الله كعقل خلاق، ينظم ويقود العالم. الله يعطينا القدرة على المشاركة في عقله والتصرف وفقا لما هو صالح. يعبد المسلمون الله، خالق السماء والأرض، الذي خاطب البشرية. إننا كمؤمنين بالله الواحد نعلم أن العقل البشري هو بحد ذاته عطية من عند الله يسمو إلى العلاء عندما يستنير بحقيقة الله. في الواقع، إن العقل البشري حينما ينقيه الإيمان لا يضعف أبدا، لا بل يزداد قوة في مقاومة الرغبة في تخطي حدوده. وبهذه الطريقة ينتعش العقل البشري في التزامه من أجل تحقيق هدفه النبيل في خدمة الإنسانية إذ إنه يعطي تطلعاتنا المشتركة تعبيرا ليوسع الحوار العام بدل تضييقه وتشويهه. إن معانقة صافية للدين تحول دون انكماش العقل وتوسع أفق التفاهم بين البشر وهذا ما يحمي المجتمع المدني من الأنانية الطائشة التي تميل إلى إعطاء النهاية طابع المطلق وتقليص اللانهاية بشكل تمارس فيه الحرية بتناغم مع الحقيقة وتغتني الثقافة بكل ما هو صادق، خيّر وجميل.

إن إدراكا مماثلا للمنطق، يدفع باستمرار العقل البشري إلى البحث عن المطلق، يطرح تحديا ويتضمن معنى الرجاء والحذر على السواء. على المسيحيين والمسلمين أن يبحثوا معا عما هو عادل ومستقيم. وعلينا أن نلتزم بتخطي مصالحنا الخاصة وتشجيع الآخرين وخصوصا المسؤولين والقادة المدنيين على هذا البحث بهدف خدمة الخير المشترك حتى عبر التضحيات الشخصية. وبما أن كرامتنا البشرية تشكل أصل الحقوق الإنسانية الجامعة فإن هذه الحقوق تصلح لكل رجل وامرأة بدون أي تمييز ديني، اجتماعي أو عرقي. وفي هذا المنظار نلاحظ أن الحق في الحرية الدينية يذهب أبعد من مسألة العبادة ويتضمن حق الجميع ـ وخصوصا بالنسبة للأقليات ـ في دخول عالم العمل والحياة المدنية.

قبل أن أغادركم هذا الصباح أريد أن أشير بشكل خاص إلى حضور غبطة البطريرك عمانوئيل الثالث دلي، بطريرك بغداد، بيننا والذي أحييه بمودة كبيرة. إن حضوره يذكرنا بمواطني العراق الذين وجد كثيرون منهم ضيافة ودية في الأردن. على جهود المجتمع الدولي لتعزيز السلام والمصالحة، إلى جانب جهود القادة المحليين، أن تواصل إعطاء ثمار في حياة العراقيين. أعبر عن تقديري جميع الذين يدعمون الجهود الرامية لزرع الثقة وإعادة تعمير المؤسسات والبنيات التحية اللازمة لرفاهية المجتمع العراقي. مرة أخرى أطلب وبإصرار من الدبلوماسيين ومن الجماعة الدولية التي يمثلونها وكذلك أيضا من القادة السياسيين والدينيين المحليين بذل كل الجهود الممكنة لضمان حق تلك الجماعة المسيحية العريقة وتلك الأرض النبيلة في التعايش السلمي بين جميع المواطنين.

أيها الأصدقاء الموقرون، آمل بأن تترك المشاعر التي عبرت عنها اليوم رجاء متجددا بالمستقبل. فالمحبة والواجب أمام الكلي القدرة لا ينعكسان فقط في العبادة إنما أيضا في المحبة والاهتمام بالأطفال والشباب والعائلات وجميع المواطنين في الأردن. أنتم تعملون من أجلهم وهم بمثابة دافع لكم كي تضعوا خير كل شخص بشري في محور اهتمام المؤسسات والقوانين ووظائف المجتمع. لا بد لحياة الأمة ومؤسساتها أن تتميز بمفعول العقل، الذي أضحى نبيلا ومتواضعا بعظمة حقيقة الله، كيما تنمو العائلات ويعيش الجميع بسلام مساهمين في الثقافة التي توحد هذه المملكة العظيمة.








All the contents on this site are copyrighted ©.