2009-04-11 14:15:04

كلمة البابا في ختام درب الصليب ليل الجمعة العظيمة في الملعب الروماني


ترأس البابا بندكتس الـ16، بتمام التاسعة والربع ليل أمس الجمعة، رتبة درب الصليب التي جرت في ملعب كوليزيوم الروماني ونقلتها محطة التلفزة الإيطالية عبر الأقمار الاصطناعية. وقد أعد تأملات درب الصليب وصلواتها المطران توماس مينام بارامبيل رئيس أساقفة غواهاتي بالهند، في التفاتة روحية تضامنية مع المسيحيين المضطهدين في ولاية أوريسا الهندية. وألقى الأب الأقدس في ختام الرتبة عظة للمناسبة:

"في ختام رواية الآلام المأساوية، يقول الإنجيلي مرقس: "فلما رأى قائد المائة الواقف تجاهه أنه لفظ الروح هكذا، قال: "كان هذا الرجل ابن الله حقا!"(مر 15/39). لا يمكننا إلا الذهول أمام إعلان إيمان هذا الجندي الروماني، الذي شهد على مراحل الصلب كلها. حين بدأ الظلام بالحلول في يوم الجمعة المميز في التاريخ، عندما تمت ذبيحة الصليب وهرع الحاضرون للاستعداد للاحتفال بفصح اليهود، في ذلك الصمت أمام ذلك الموت الفريد، تردد صدى الكلمات القليلة التي لفظتها شفتا قائد روماني مجهول. فهذا الضابط في الجيش الروماني، الذي شهد على قتل واحد من بين المحكوم عليهم بالموت، عرف أن يرى في ذلك الرجل المصلوب، ابنَ الله، متروكا مهانا. كان على نهايته المخزية أن تسم انتصار البغض والموت على المحبة والحياة. ولكن ذلك لم يحصل! على الجلجلة ارتفع صليب عُلق عليه رجل مائت، غير أن ذلك الرجل كان "ابن الله"، كما اعترف قائد المائة "حين رآه يلفظ الروح".

في كل مرة نصغي فيها إلى رواية الآلام بحسب القديس مرقس يتردد على مسامعنا إعلان إيمان هذا الجندي. ونحن أيضا في هذا المساء، نتوقف فنصوب أنظارنا نحو وجه المصلوب، في ختام درب الصليب التقليدي، الذي يجمع، بفضل النقل المباشر عبر الإذاعة والتلفزيون، أناسا من كل أصقاع العالم. عشنا مرة أخرى خبرة مأساوية لرجل فريد في تاريخ كل الأزمنة، رجل غيّر العالم، ليس من خلال قتله للآخرين، بل بالسماح بقتله معلقا على صليب. فهذا الرجل الذي يبدو واحدا منا في الظاهر والذي يصفح عن قاتليه بينما يُقتل، هو "ابنُ الله"، وكما يقول القديس بولس: "هو الذي في صورة الله لم يعد مساواته لله غنيمة، بل تجرد من ذاته متخذا صورة العبد وصار على مثال البشر وظهر في هيئة إنسان، فوضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب(في 2/6-8).

إن آلام الرب يسوع المؤلمة لا يمكنها إلا أن تليّن قلوبنا، لأنها قمة وحي محبة الله لكلٍ منا. يقول القديس يوحنا: " فإن الله أحب العالم حتى إنه جاد بابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية"(يو3/16) بمحبته لنا، يسوع مات على الصليب! قوافل من الرجال والنساء دهشوا من هذا السر وتبعوه على مر العصور، وجعلوا حياتهم هبة للإخوة على مثاله وبمعونته. إنهم القديسون والشهداء الذين نجهل العديد منهم. كم من الأشخاص في عصر اليوم أيضا، يضمون معاناتهم في صمت حياتهم اليومية إلى معاناة المصلوب ويصبحون رسل تجدد روحي واجتماعي حقيقي! ما الإنسان من دون المسيح؟ يقول القديس أغسطينس: "كنت لتكون دائما في حالة بؤس، لو لم يظهر لك الرحمة، لم تكن لتعود إلى الحياة لو لم يتقاسم معك موتك. لم تكن لتنجح لو لم يأتِ لمساعدتك. كنت لتضيع لو لم يأت إليك"(خطاب 185/1) فلم لا نقبله في حياتنا؟

لنتأمل هذا المساء بوجهه المشوه، وجهِ رجل الأوجاع الذي أخذ على عاتقه كربنا المائت. إن وجهه يتجلى في شخص مهان ومذلَل، مريض وموجوع، وحيد ومتروك ومُحتقَر. ولما أهرق دمه، أنقذنا من عبودية الموت، كاسرا عزلة دموعنا، مختبِرا كل آلامنا وآهاتنا.

أيها الإخوة والأخوات! في اللحظة التي يرتفع فيها الصليب فوق الجلجلة، تتطلع عيون إيماننا نحو فجر اليوم الجديد ونتذوق فرح الفصح وشعاعه: "إذا متنا مع المسيح، يقول القديس بولس، نؤمن بأننا سنحيا معه"(رو 6/8). بهذا اليقين، نواصل مسيرتنا. يوم غد السبت المقدس (سبت النور)، سنسهر ونصلي مع مريم، العذراء المتألمة، ونصلي مع المتألمين كافة، ونصلي بنوع خاص مع المفجوعين جراء الزلزال في لاكويلا. نصلي كي يسطع نجمُ الرجاء في هذا الليل المظلم، ونورُ الرب القائم من بين الأموات. أتمنى للجميع فصحا مجيدا بنور الرب القائم من بين الأموات!

(نقلا عن وكالة زينيت)








All the contents on this site are copyrighted ©.