2008-03-21 14:29:22

محطة روحية حول الجمعة العظيمة المقدسة


فأمسكوا يسوع. فخرج حاملا صليبه إلى المكان المعروف بالجمجمة، ويقال له بالعبرية جلجثة. فصلبوه فيه، وصلبوا معه رجلين، كل منهما في جهة، وبينهما يسوع. وكتب بيلاطس رقعة وجعلها على الصليب، وكان مكتوبا فيها: "يسوع الناصري ملك اليهود". وهذه الرقعة قرأها كثير من اليهود، لأن المكان الذي صلب فيه يسوع كان قريبا من المدينة. وأما الجنود فبعدما صلبوا يسوع أخذوا ثيابه وجعلوها أربع حصص، لكل جندي حصة. وأخذوا القميص أيضا وكان غير مخيط، منسوجا كله من أعلاه إلى أسفله. فقال بعضهم لبعض: "لا نشقه، بل نقترع عليه، فنرى لمن يكون". فتمت الآية: "اقتسموا ثيابي، وعلى ثوبي اقترعوا". فهذا ما فعله الجنود.

هناك عند صليب يسوع، وقفت أمه، وأخت أمه مريم امرأة قَلُوبا، ومريم المجدلية. فرأى يسوع أمه وإلى جانبها التلميذ الحبيب إليه. فقال لأمه: "أيتها المرأة، هذا ابنك". ثم قال للتلميذ: "هذه أمك". ومنذ تلك الساعة أخذها التلميذ إلى بيته. ورأى يسوع بعد ذلك أن كل شيء قد تم، ولكن، ليتم الكتاب، قال: "أنا عطشان". وكان هناك إناء مملوء خلاّ. فوضعوا إسفنجة مبتلة بالخل على قضيب من الزوفى، وأدنوها من فمه. فلما تناول يسوع الخل قال: "تم كل شيء". ثم حنى رأسه وأسلم الروح. (يوحنا 19/ 17-30)

 

التأمل

 

في هذا اليوم تحتفل الكنيسة الجامعة بسرّ الخلاص الذيّ تمّ في وسط الأرض، بموت الربّ يسوع، الكلمة المتجسد، على الصليب. لماذا الصليب؟  لماذا لا يعتبر المسيحيون فراغ القبر علامة خلاصهم النهائي؟ لماذا يتوقّفون أمام الصليب ويعبدون أداة العذاب المبرِّح، علامةَ الشكّ والجهالة؟ بالحقيقة، لا يعبد المؤمنون بيسوع خشبة صمّاء، إنما يضعون أنفسهم في تيار حبّ الله الذي سلّم ابنَه للموت لأجل خلاصهم، فيسجدون ويعبدون المصلوب، ويرون في صليبه كلّ حدث الخلاص. ففي الصليب، شجرةِ الحياة الجديدة، علامةِ التمييز النهائي بين الخير والشرّ، يَحيَون آلامَ المخلّص، يحتفلون بموته سبب افتدائهم، يقبّلون جراحاته في واقع الإنسانية الجريحة المبرَّرة، ويتّحدون بالقيامة التي لا تنفصم عن حقيقة الموت. يرى عابدو الآب بالروح والحقّ، في صليب يسوع أكثر الأحداث ألما، وبالوقت عينه أغناها مجدا. ففي تيار الحبّ الإلهي يختبرون قيامةً محرِّرة، تطال منهم العقلَ والقلب والكيان، ويتأكّدون من أنّ كلّ شيء قد أضحى جديدا... لقد مات الموت وانهزم الظلام بموت المسيح وحلول الظلام على المسكونة. بالصليب المقدس تجتمع المتناقضات، يتبلور معنى الحياة، ويظهر الحقّ. لقد سأل بلاطسُ الربَّ وقت المحاكمة: ما هو الحق؟ من دون أن ينتظر جوابا. والبيعة تسأل يسوعَ السؤال عينه، لا من باب الاستفزاز والسخرية، بل معبِّرة عن شوقها لمعرفة الحق الذي يحرّر. فيجيبُها بأبلغ كلمة، كلمةِ فصلٍ وحُكم، كما كلمةِ حبّ ورحمة، كلمةِ الحق، الصليب. فبهذه العلامة – الحدث يتجلّى حبّ الله نهائيا، فينيرُ الصليبُ الحقّ صلبانًا يوميّة، تقضّ مضجع الإنسان، وتجرّبه بالاستسلام للعدم. هو يرى، يسمع، يفهم؛ يجيب، يعبد، يحبّ. ومن حقيقة الصليب الخلاصيّ يستنيرُ ليسجدَ للكلمة يسوع. والرب يستجيب. يحرره من مخاوف العالم، من تجارب العدم المحدقة به... وحده صليب يسوع يعبّر عن قوة الله، لأنّه قمّة الحبّ غير المشروط. المجد للحقّ الذي صار حياة لنا وحرية.  آمين. (إعداد الأب مارون الشدياق المريمي)








All the contents on this site are copyrighted ©.