2008-03-16 13:47:10

أحد الشعانين والآلام: محطة روحية عند كلمة الحياة


ولما قربوا من أورشليم، ووصلوا إلى بيت فاجي عند جبل الزيتون، حينئذ أرسل يسوع تلميذين وقال لهما: "اذهبا إلى القرية التي تجاهكما، تجدا أتانا مربوطة وجحشا معها، فحلاّ رباطهما وأتياني بهما. فإن قال لكما قائل شيئا، فأجيبا: "الرب محتاج إليهما"، فيرسلهما لوقته". وإنما حدث هذا ليتم ما قيل على لسان النبي: "قولوا لابنة صهيون: هوذا ملكك آتيا إليك وديعا راكبا جحشا ابن أتان وجحش ابن دابة". فذهب التلميذان وفعلا كما أمرهما يسوع وأتيا بالأتان والجحش. ثم وضعا عليهما رداءيهما، فركب يسوع. وكان من الناس جمع كثير، فبسطوا أرديتهم على الطريق، وقطع بعضهم أغصان الشجر، ففرشوا بها الطريق. وكانت الجموع التي تتقدمه والتي تتبعه تهتف: "هوشعنا لابن داود! تبارك الآتي باسم الرب! هوشعنا في العلى!" ولما دخل أورشليم، ضجت المدينة كلها وسألت: "من هذا؟" فأجابت الجموع: "هذا النبي يسوع من ناصرة الجليل". (متى 21/1-11)

 

التأمل

 

ها نحن قد بلغنا نقطة الوصول، بعد عبورنا فترة الصوم، وقد تسلّحنا بالإماتات والصلوات وتدريب الذات على اكتساب الروح، في تأمل حقيقيّ بحياة يسوع ومعجزاته وكلماته... يسكننا هذا اليقين. "يسوع الناصري هو ملك حقيقي".

خيبات الأمل كثيرة، والشعور بهشاشة طبعنا عميق، والرغبة بالخلاص تأخذ الصدارة، فليس من سبيل إلا لاستقبال يسوع في أورشليم ملكا. لقد سئمنا ملوكنا البشريين. اختبرنا خواء الأنا، علِمنا كم يفتّش الآخرون عن مجدهم لا عن خيرنا، ورغم الأسى رجَونا. وها رجاؤنا يتحقّق بملك السلام في طرقات أورشليم. نتقاسم والأطفال الهوشعنا، نفرش له دروب قلوبنا بأغصان الزيتون والنخيل، ونهتف من دون خوف: "هوشعنا! تبارك الآتي باسم الربّ"...

مع يسوع يبدأ العهد المسيحاني، تتحول الأرض إلى ملكوت سلام وعدل، يقترب الخلاص منا ويعي الظالم أنّ ساعة أفول نجمه قد حانت. نبتهج بملك جديد، لا نعرف صورة مُلكه، ولا نعي ما يخبِّئ لنا مستقبل الملكوت!

ونبدأ بأسبوع مميز، أسبوع آلام. أورشليم المبتهجة بأمير السلام، تصمت فجأة، تحوك المكائد. أجواؤها باردة، أبناؤها مشكِّكين وخائنين، أهدافها ظلمة وموت. والكنيسة ترى النور في يسوع، هو يؤسّسها على الصخر، يهبها ذاته خبزا وخمرا، وهي تتأمله منتظرة...

أورشليم تفرح بالظلم، والكنيسة تتألّم مع المسيح السائر طريق الحكم الجائر، والآلام المبرّحة والموت على الصليب! أورشليم تعلن انتصارا على مَلك لم ير مُلكه النور، والكنيسة ترجو، في صمت الآلام، حلولَ النور من عند أبي الأنوار. ونحن ننتظر، نبغي الحياة في عالم يُحبّذ الموت، لا نعرف كيف نتوجّه! أنكون من أبناء أورشليم ونُغلَب لأنانيتنا؟  أم نكون من أبناء الكنيسة ونعبّ غمار الألم نحو الخلاص الموعود؟

هوذا جنون الحبّ، في قلب الزمن والمكان. هوذا انفتاح العوالم على حقيقة الله، لتكون الحياة واحدة في السماء وعلى الأرض. هوذا يسوع يجعل كل شيء جديدا. وفي قلب العالم، في هذا الظلام الدامس من جراء العنف والحروب والظلم والعنصرية وإيديولوجيات الموت، نختار أن نكون مع المسيح. نحيا اليقين أنّ الله حياة، ولا يمكن إلا أن يُحَقِّق فينا الحياة.  ونهوى الخلاص، خلاص كل إنسان، فنكرّس البشريّةَ لإله مُعَلَّق على الصليب، يغمر بذراعيه البشرية كاملة، من آدم حتى آخر الأزمان، يُعلن أن ما من حياة من دون الله. نسجد لآلامك أيها المسيح.  آمين.  

(إعداد الأب مارون الشدياق المريمي)








All the contents on this site are copyrighted ©.