2007-12-09 14:22:40

البطريرك الماروني: انتخاب رئيس للجمهورية استحقاق ينتظره جميع الناس ويوفر لهم ما يصبون اليه من استقرار وأمان


ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير قداس الاحد في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي ـ لبنان، وبعد الانجيل المقدس، ألقى عظة بعنوان: "وكانت يد الرب معه" (لو1: 66), متحدثا فيها عن "مولد يوحنا المعمدان", من اليصابات في شيخوختها, "ذلك انه ليس عند الله عسير", وتطرق بعد ذلك الى شرح العلاقة القائمة بين الزواج والطلاق, وجاء في العظة الآتي:

"هذا الأحد هو أحد مولد يوحنا المعمدان. ويروي الأنجيلي لوقا كيف أن تلك التي كانت فقدت كل أمل بأن يكون لها ولد، أشفق الله عليها، ورزقها ولدا في شيخوختها. ذلك أنه ليس عند الله أمر عسير. أجل ليس عند الله أمر عسير، فهو سيد الكون وما فيه من جماد وحيوان وانسان. وهو في امكانه أن يخرج على نظام الطبيعة، وهذا ما فعله مع أليصابات، ومع زكريا الشيخ الذي انعقد لسانه، ولم يقو على الكلام الا بعد مولد ابنه يوحنا. وكانت يد الرب مع يوحنا.

زواج وحيد ونهائي

ان اللجوء القانوني الى الطلاق يبدل معنى الزواج. فهو يفقده بعده المؤسساتي بوصفه زواجا "وحيدا ونهائيا"، ليصبح مجرد عقد خاص. وهناك من ينسون أن التعهد القانوني في الزواج يخلق كائنا حقوقيا يكفله المجتمع من أجل الخير العام. والزواج يرتدي انتظارا ومواعيد، وهو المثال الأعلى الذي يجب بلوغه. وعلى الرغم من الثلاثين بالمائة من الزواجات التي تنتهي بالطلاق، فلا يحسب أي حساب لسبعين بالمائة من الزواجات التي تبقى قائمة. فالزواج اذن أمر جدي، وبهذه الروح، يرغب الكثيرون من الأزواج في أن يتزوجوا وفقا للطقس الكاثوليكي. وطلب زواج واحد ونهائي يعبر عن مطلب ملازم لصلة المحبة القائمة بين الرجل والمرأة. وهذه حقيقة انسانية تتعدى الخاصة الدينية.الزواج الديني، والزواج السري يستند الى شروط بشرية تؤسسه:الزواج الحر، الواحد والنهائي، الموجه الى تربية الأولاد. ان الوحي المسيحي ينير ويتعمق في هذه المطالب البنيوية. والعماد هو في أساس الزواج المسيحي. وأمام الادعاءات الجنسية التي تقوم في الزواجات بين أشخاص من جنس واحد، ان الدستور المدني يجب أن يشير الى أن الزواج محفوظ للرجال والنساء، وهذا ما كان يعرفه الحس العام. وأمام تعدد زواجات الأمر الواقع، واختلاط العلاقات التي يولدها، لا بد من التذكير بحس الزواج البشري الذي يشكل الضمان الاجتماعي. وعلى المسيحيين أن يظهروا أن تعهد رجل وأمرأة في الزواج انما هو طريق سعادة لا يمكنها أن تتحقق كيفما كان.

في مجتمعاتنا المتطورة، يعبر تعدد حوادث الطلاق بطريقة متنامية وغير ملموسة عن مقاربة الزواج الثقافي، ونقل هذا التغيير القانوني. وأمام هذا التغيير، يبدو أن الزواج الوحيد والنهائي: هو صعب فهمه بالنسبة الى معاصرينا. وهم يرون هذا المطلب كأنه أمر خاص طائفي لا يتفق ومجتمعنا الحاضر، وهو لا يقبل بسهولة أن تتمكن الكنيسة الكاثوليكية التي لا تأتلف والمجتمع الحاضر، أن تعبر عن مثل هذا المطلب. وانا نريد أن نلقي الضؤ على الوضع ومعنى الشرط الكنسي لسر الزواج. وهناك أسباب عديدة لتراخي الرباط الزواجي، ويصعب ايراد لائحة كاملة بها.
غير أن ما يجدر بنا أن نذكره هو سببان: أولهما يتعلق بتطور ممارسة رابط الزواج ومفهومه. ومنذ ثلاثين سنة، طهرت نصوص تشريعية عديدة طابقت النصوص القانونية، على تبدل العادات، على الأقل تلك التي أريد لها أن تتميز عن سواها. ومجموع هذه التغييرات يرمي الى تقديم الزواج كعقد خاص بين الزوجين، وهذا عقد يرتضي المجتمع بأن يكون شاهدا عليه، ولكنه لا يبدو أنه ينتظر منه أي فائدة للقيام بما عليه من واجب. ومن هذا العقد الخاص، المعقود بحرية الزوجين، لا نرى ان يخرج منه كائن حقوقي يكفله المجتمع، وبامكان هذا المجتمع أن يدافع عنه لخير الجسم الاجتماعي المشترك.

وهكذا لان ممارسة الطلاق قد تغيرت، وكان يفترض أن القاضي يعاون الزوجين على المحافظة على الحياة الزوجية، على الرغم من تطور الأزمة. وهو يحتفظ بسلطته ليضع امكانية شروط انسانية واقتصادية للطلاق ليخفف من وقعه على الأم والاولاد.

وهناك كثيرون من المعاصرين لا يرون ما للزواج من بعد اجتماعي، ولا مسؤوليته في تربية الأولاد. ولا يبقى منه سوى اتفاق متبادل قائم على منافع عاطفية يستخرجها منه كلا الزوجين، ولكنها تفقد أساسها عندما تفقد هذه الفوائد العاطفية.

الزواج الموظف

ان ما يشكوه الزواج من ضعف اجتماعي، ان لم تقابله، ويا للأسف، حالات حقيقية، فهو لا يتجاوب وانتظار الزوجين. ولا بد من التأكد من أن في مجتمع فيه الطلاقات، أي حوالي ثلاثين بالمائة, فان مثل العائلة المتفاهمة والزواج الناجح، يبقى عامل انجذاب للشبان الذين يضعون العائلة في قمة اهتماماتهم المستقبلية. كيف يمكننا أن نترجم هذا التناقض؟.

نعرف أن الجواب على استطلاع الرأي لا يوازي التزاما بوضع كل الوسائل الممكنة لترجمة هذا التناقض. ويمكن أن تعرب عما لا نريده. ان قساوة الحياة الاجتماعية، ومتطلبات الحياة الاقتصادية، والعنف الذي نختبره في غالب الاحيان، في الحياة الاجتماعية، تجعل من العائلة ملاذ أمان ومعرفة للذات ؟ ويمكن القول ان الزواج هو ضحية نجاحه.

ان الزواج القائم على الاختيار المحب - أقله الواعي- فهو يجمع كل الانتظارات وكل الآمال التي تعد بسعادة الحياة. والذين يحصرون همهم في العلاقات الجنسية غالبا ما يصابون بخيبة أمل.

مضار الطلاق

ان تحقير الطلاق الثقافي والاجتماعي له نتيجة تخل بالعلاقات الزوجية. وتنشأ عن ذلك أزمات خطيرة بين الزوجين. ويكون الطلاق في هذه الحالة مخرجا، ولكنه موجع وتصحبه آلام كثيرة. وهناك حوادث انفصال كثيرة، وهذا يدخل القلق على جو العائلة. وربما كانت هناك حالات يفضل الزوجان فيها عدم الزواج، على الزواج الذي لا تستقيم فيه الحياة الزوجية الهادئة.

الزواج أمر جدي

الزواج يبقى القاعدة في الحياة. ان الاحصاءات تدل في فرنسا على أن اربعين بالمائة من الزواجات تتم في الكنيسة. وذلك لأن الزواج أمر جدي. وهذا يرد الى أمور كثيرة منها:

أن الزواج لا يزال له طابع سر واجتماعي، وهذا لا يوفره الزواج المدني.

ان الطلاقات لا تحمل على الاعتقاد أن الزواج المدني هو المطلوب.

ان القيام بالمعاملات القانونية اللازمة للطلاق، وما تحمله معها من مخاوف بالنسبة الى الزوجين والأولاد تحمل على عدم وضع الذات موضع الطلاق.
وهناك من ليسوا مسيحيين يحاولون الاستعداد للزواج كما يستعد له المسيحيون.

ان أساس الزواج المسيحي ليس محصورا في الكنيسة. وهو يقوم على أساسين يجب ألا نصرف النظر عنهما.عندما سئل يسوع عن الاذن بالطلاق، أجاب بالعودة الى تاريخ الخلق: في البدء لم يكن هكذا. فالله، وليس الانسان، بل الله هو من رسم سر الزواج.

وكسائر الأسرار، ان العماد هو الأساس في حياة المسيحي. والذين يريدون أن يعيشوا سر الزواج، يجب أن يحصلوا على ملء هبات الروح القدس الذي يقبلونه بواسطة سر التثبيت. ان المسيح لا يسمح لنا بأن نعيش كسائر الناس.

الزواج هو العقد الذي يبرمه الرجل والمرأة أمام الله والناس بأن يعيشا معا عيش الرضى والتعاون المخلص، والقيام بما عليهما من مسؤولية أمام البنين الذين يرزقهما الله اياهم، وأمام المجتمع. ومن لا يحسن تدبير بيته، فكيف في امكانه أن يحسن تدبير مجتمعه.

ويبدو ان تدبير أمور المجتمع لا يخلو من صعوبة. وهناك مطامع كثيرة، ورغبات يصعب تحقيقها، لكن الانسان لا يمكنه أن يحقق جميع رغباته، لذلك عليه أن يقنع بما يمكن تحقيقه، دون أن يطلب المستحيل. والطموح مشكور، لكنه اذا تجاوز الحدود أصبح ضربا من الخيال. وما من أحد بامكانه أن يستسلم لخياله والا يكون قد خرج على الواقع المعاش. واللبنانيون ينتظرون بفارغ الصبر الانتهاء من عملية انتخاب رئيس للجمهورية، على الرغم من كل المصاعب، وهو استحقاق ينتظره جميع الناس، ويوفر لهم ما يصبون اليه من استقرار وأمان. واذا كان لا بد من تعديل الدستور، فلا بأس اذا كان الخيار بين تعديله والفراغ. فالتعديل أفضل من الفراغ".








All the contents on this site are copyrighted ©.