2007-09-28 17:17:50

رسالة المجلس البابوي للحوار بين الأديان بمناسبة ختام شهر رمضان


المجلس البابويّ للحوار بين الأديان

رسالة بمناسبة ختام شهر رمضان

عيد الفطر 1428 هـ الموافق 2007 م

"مدعوون، كمسيحيين ومسلمين،إلى تعزيز ثقافة السلام"

 

أيها الأصدقاء المسلمون الأعزاء،

١. يسرّني أيّما سرور أن أقدّم لكم، للمرة الأولى، باسم المجلس البابوي للحوار بين الأديان، أصدق التهاني وأحرّها بمناسبة حلول عيدكم البهيج، عيد الفطر، الذي يختم مسيرة شهر الصيام والصلاة في رمضان. إنّ هذه المسيرة تشكّل زمنًا مميّزًا في حياة المسلمين وتمدّ كل أحد بدفع جديد في حياته الشخصية والعائلية والاجتماعية. وبالفعل، فمن المهم أن يشهد كل أمرئ للرسالة الدينية بحياة أكثر استقامةً وأكثر توافقًا مع تصميم الله الخالق، فيحرص على خدمة إخوته وعلى إبداء مشاعر التضامن والأخوّة مع أتباع الديانات الأخرى وعموم البشر ذوي الإرادة الصالحة، بهدف العمل المشترك لأجل الخير العام.

۲. في هذا الزمن المضطرب الذي نمرّ به، يقع على أتباع الديانات فوق كل شيء، بصفتهم خَدَمَةً للعليّ الكلي القدرة، واجب العمل لصالح السلام، وهو أمر يشترط احترام المعتقدات الشخصية والجماعية لكل إنسان، إضافة إلى حرية الممارسة الدينية. إنّ الحرية الدينية، التي لا تقتصر على مجرّد حرية العبادة، هي في الواقع أحد الأوجه الأساسية من حرية الضمير، التي هي وَقْفٌ لكل أحد وحجر الزاوية في حقوق الإنسان. ولا يمكن بناء ثقافة السلام والتضامن بين البشر إلا عندما يولى هذا المقتضى ما يستحقه من اعتبار، فيصبح بمقدور الجميع أن يلتزموا بعزمٍ بناءَ مجتمع يزداد أخوّة، مستنفذِين كلّ وسعهم لرفض أيّ شكل من أشكال العنف، شاجبين ورافضين كل لجوء إلى العنف، الذي لا يمكنه أبدًا أن يقترن بدوافع دينية، لأنه يمسّ صورة الله في الإنسان. كلنا يعرف أنّ العنف، ولا سيما الإرهاب الذي يضرب عشوائيًا فيوقع ضحايا كثيرين معظمهم أبرياء، هو أعجز من أن يسوّي النزاعات، وكل ما يفضي إليه هو تسعير دوامة الحقد الغاشم التي تولّد الموت والدمار على حساب الانسان والمجتمعات.

۳. يقع على عاتقنا جميعًا، نحن أتباع الديانات، أن نكون قبل كل شيء مربين على السلام، وعلى حقوق الإنسان، وعلى حرية تحترم الجميع، ولكن أيضًا على حياة اجتماعية أوثق عُرًى، لأنّ من واجب الإنسان أن يعتني بإخوته وأخواته في الانسانية دون أي تمييز. لا يجوز نبذ أحد من الجماعة الوطنية بسبب عرقه، أو دينه، أو أية خاصّية شخصية أخرى. كلنا مدعوون معًا، كأتباع لتقاليد دينية متعددة، إلى نشر تعليم يجلّ كل مخلوق بشري وإلى بثّ رسالة محبة بين الأفراد والشعوب. ويقع علينا بالأخصّ أن نُنَشّئ الأجيال الجديدة على هذه الروح، هم الذين سيتعهدون عالم الغد. من واجب الأسر أولاً، ثمّ المسؤولين في عالم التربية، فكامل السلطات المدنية والدينية، أن يحرصوا على تعميم تعليم صحيح وعلى توفير تربية مناسبة لكل إنسان في شتى الميادين المشار إليها، ولا سيما تربية مدنية تدعو كل شابّ إلى احترام كل مُجاوريه واعتبارهم بمثابة إخوة وأخوات يتعيّن عليه أن يشاطرهم الحياة اليومية لا بروح اللامبالاة، بل بحَدْب أخوي. لذا فمن الملحّ اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن نلقّن الأجيال الجديدة أمّهات القيم الإنسانية والأخلاقية والمدنية التي هي من الضرورات إنْ في الحياة الشخصية أو في الحياة العامة. وكل تَمادٍ في السلوك يجب أن يكون مناسبة لتذكير الشبّان والشابات بما يُنتظر منهم في الحياة الاجتماعية. فما هو على المحكّ إنما هو الخير العام لكل مجتمع وللأسرة البشرية جمعاء.

٤. بهذا المعنى ينبغي إيلاء الأهمية لمتابعة الحوار بين المسيحيين والمسلمين وتكثيفه، وذلك في بعده التربوي والثقافي، لكي تتجند جميع القوى في خدمة الانسان والانسانية، ولكيلا تصطفّ الأجيال الجديدة كتلاً ثقافية أو دينية متناحرة، بل يكونون حقًا إخوة وأخوات في الانسانية. والحوار أداة يمكنها أن تعيننا على الخروج من دوامة لا تنتهي من النزاعات والتشنجات المختلفة التي تمر بها مجتمعاتنا، فتحيا كل الشعوب بطمأنينة وسلام ضمن الاحترام المتبادل والوئام الطيّب بين مكوّناتها المختلفة.

من أجل ذلك، أناشد بكل جوارحي اهتمام الجميع من أجل أن يعمل المسيحيون والمسلمون معًا، عبر اللقاءات وتبادل الآراء، لصالح السلام ومستقبل أفضل لجميع البشر، وذلك في احترام متبادل، فيكونون لشبيبة اليوم مثالاً يُحتذى وبه يُقتدى. عندئذ يستعيد الشبان والشابات ثقتهم بالحياة الاجتماعية، فيحرصون بازدياد على الانخراط فيها والمشاركة في تطويرها. كذلك فإنّ هاتين التربية والقدوة ستكونان، بالنسبة إليهم، منبعًا لمقاربة المستقبل بعين الرجاء.

٥. تلك هي الرغبة الحارة التي أتقاسمها وإياكم: أنْ يطوّر المسيحيون والمسلمون علاقات أخوية وبنّاءة أكثر فأكثر لكي يتشاطروا كنوزهم الخاصة، وأنْ يسهروا أشدّ السهر على جودة شهادتهم كمؤمنين!

أجدّد لكم، ايها الأصدقاء المسلمون، تهانيّ الحارة بحلول عيدكم، ملتمسًا من إله السلام والرحمة أن ينعم عليكم بالعافية والطمأنينة والازدهار.

الكارد ينال جان ـ لويس توران

الرئيس

 

رئيس الأساقفة بيير لويجي شيلاتا

أمين السر

 








All the contents on this site are copyrighted ©.