2007-08-19 14:23:52

البطريرك الماروني: ما نشهده على الساحة السياسية في لبنان من انكفاء لدى بعضهم لا يحمل على الامل بحل العقد التي تعرقل سبل الحياة المألوفة


ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير قداس الاحد في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان شمال لبنان وألقى عظة بعنوان:"خرج الزارع ليزرع"، قال فيها: "يتحدث الانجيل اليوم عن مثل الزارع، وهو مثل معبر. وكان يسوع يجول في المدن والقرى ليعظ ويبشر بملكوت الله. وضرب لمن احتشد حوله من الناس مثلا عرف بمثل الزارع. وقال: "خرج الزارع ليزرع، وفيما هو يزرع وقع بعض الحب على جانب الطريق، فداسته الاقدام واكلته الطير، وبعضه وقع على الصخر فما ان نبت حتى يبس، لانه لا رطوبة له، وبعضه وقع على الشوك، فخنقه الشوك ولم يدعه ينمو. وبعضه وقع على الارض الطيبة فنبت واثمر مائة ضعف.

وشرح لهم المثل بقوله لهم: ان الزرع الذي هو كلام الله، اربعة انواع. فمنه ما يقع كالحب على جانب الطريق اي في قلوب لا تأبه له، فيأتي ابليس وينتزعه لكيلا يؤمن اصحابه ويخلصوا. هذا هو النوع الاول. ومنه ما وقع على الصخر، وهو يمثل الذين سمعوا كلام الله وتلقوه بفرح، لكنهم لم يحفظوه، لانهم لا اصل لهم، وهم يؤمنون به الى حين، وفي وقت التجربة يرجعون الى سابق حالهم. هذا هوالنوع الثاني. ومنه ما وقع على الشوك، وما ان نبت حتى خنقه الشوك، وهذا يمثل الذين يسمعون كلام الله ولكن هموم الدنيا تخنقه فيهم، وهذه هي الفئة الثالثة. اما الفئة الرابعة فهم الذين يتقبلون كلام الله ويحفظونه فيثمر فيهم، فهو كالحب الذي وقع في ارض جيدة.

لنكن من اهل الفئة الرابعة الذين سمعوا كلام الله وعملوا بمقتضاه، فأثمر لديهم ثمرا كثيرا. وننتقل الى الكلام عن بعض الامور التي غالبا ما يكون لها تأثيرها على العائلة، فتفسد جوها، اذا لم تعالج معالجة فعالة. ومن هذه الامور الاجهاض الذي اصبح يسمى ايقاف الحمل الطبي، الذي ينصح به او يجريه الطبيب لمصلحة الولد، او ايقاف الحمل الطوعي، اي الاجهاض لمصلحة الام، ونزولا عند ارادتها.

الايقاف الطبي للحمل

هذا التعبير يمكن ادراجه في خانة التلاعب بالرأي العام، كما يظهر اليوم من خلال استعمال لغة مبهمة لاسباب نفعية. ومنذ اواخر الستينات من القرن الفائت، حلت عبارة الايقاف الطوعي للحمل محل الاجهاض، عندما شرعت، في معرض المطالبة بحقوق المرأة، هذه الطريقة في حال الخطر على المرأة. وهذا التساهل في التعبير يخفيه تعبير آخر هو ايقاف الحمل الطبي، بحيث يركز الانتباه، ليس على الام، بل على الجنين المريض او المعاق. وعندما يتعلق الامر بايقاف الحمل الطبي، فلا اهمية للوقت بالنسبة الى الحمل، لاجراء عملية الاجهاض. وهذه عملية تستدعي تدخل الاطباء. وهؤلاء يأخذون على عاتقهم تقرير المصير. وغالبا ما يقرر الاطباء مصير الجنين بحجة تجنيب المرأة تحمل الالم. وتختبىء وراء هذا الاهتمام بصحة الام اسباب اجتماعية واقتصادية. وهناك حالات يلجأ فيها الى الاجهاض للحيلولة دون ولادة اولاد معاقين وبحجة تحسين النسل. وهذه نظرية تعود الى النازية التي اشتهرت في عهد هتلر في المانيا. وهكذا في العمل على ازالة الحياة ازالة غير عادلة، ويصار الى التضحية بالحياة ذاتها، وبالشخص البشري. وليس من يردع في مثل هذه الحالات عن استخدام خلايا الجنين استخداما تجاريا لغايات طبية. وهذه طريقة تتنافى والآداب والاخلاق.
ان الغاية من ايقاف الحمل طبيا، اي الاجهاض هي القضاء على الولد لضعفه او مرضه او اعاقتها، وذلك خلافا لايقاف الحمل الطبي الذي يتركز على المرأة فيما ايقاف الحمل الطوعي يتركز على الولد. ان اسباب ايقاف الحمل الطوعي يتعلق بالمرأة وهي اسباب شخصية خاصة بينما اسباب الحمل الطبي يجب دائما توضيحها.

الاجهاض المشرع

وتاريخ الاجهاض المشرع يعود الى السبعينات، ابتدأ من ازالة الاولاد المشوه تكوينهم. وبعد ذلك سرعان ما انتشر تشريع الاجهاض، وامتد الى الحالات التي تشكو فيها المرأة الخوف غير المبرر. وهذا ما دعي ايقاف الحمل الطوعي. وشاع اذذاك حق الاجهاض المطلق القائم على القضاء على الولد، اذا كان غير مرغوب فيه، وذلك ساعة تشاء امه، بحجة ان جسدها هو لها. ولكن هذا الانتصار المزعوم لحرية المرأة حجب بعض الشيء التشريع الخاص بالاجهاض المتعلق بالاولاد المشوهين المسمى: ايقاف الحمل الطبي الذي ابيح اجراؤه بسهولة. واذا كان الاجهاض مسموحا به دون شرط ما عدا تحديد المدة الضيقة للولادة، اصبح في الوقت عينه مباحا بسبب تشويه المولود. وهذه كلها انحرافات غير مباحة. والاجهاض القائم على الانانية مرذول لان هناك طرقا عديدة لمداواة الانزعاج الادبي الناشىء عن الحبل غير الاجهاض وقتل الولد. واما الاجهاض بحجة ان الجنين مشوه وان صحة الام في خطر لم يعد الامر يتعلق بشخص الام فقط بل بمصلحة الولد وبحياة الام وبسلامة العائلة بكاملها المعنية بهذا الامر.
ولكن ماذا عن الالم؟ وماذا نعمل به؟ انه المفهوم المسيحي مشاركة في عمل الفداء الذي قام به السيد المسيح. ان الولد المصاب بتشويه، وهو في حشا امه، يمكنه الافادة من ايقاف الحمل. وكثيرون هم الوالدون الذين يحسبون ذلك حقا لهم. وبعد، ان ايقاف الحمل يقوم به الاطباء وليس الام، والشريعة تخولهم حرية العرض على الام ايقافه. والتسليم فقط بولادة اولاد سليمي البنية يدعى نوعا من الانتقاء البغيض. ان القضاء على فريق من الناس بحجة انهم معافون هو في الحقيقة قتل جماعي. وهذا ما حدث ابان الحرب الكونية الاخيرة.

وما الفرق بين ايقاف حمل طبي وايقاف حمل مجرم؟ في كلتا الحالتين تعتبر طريقة التنفيذ هي ذاتها. غير ان النية تختلف، ففي العمل الطبي للقضاء على الجنين تؤخذ في الاعتبار سلامة القصد وحسن النية ونوعية الغاية المتبعة. ان كل الامر يتعلق بالقصد.

ان المرض شر لا يحتمل. غير ان الكنيسة تعلمنا ان ايماننا بالله وبالسيد المسيح الذي عانى ما عانى من آلام على الصليب يوجب علينا الاقتداء بالمسيح حتى في ما تحمل ما تحمل من آلام. وهذا يكسبنا اجرا عظيما عند الله".

وتابع البطريرك صفير:"ان ضحايا الاجهاض تفوق بما لا يحد ضحايا الحروب والويلات. لذلك يجب ان نحترم الحياة مهما كان هذا الواجب مزعجا لا بل موجعا في بعض الاحيان. وان ما تقوم به رابطة كاريتاس لبنان يرمي الى المحافظة على الحياة ورفع مستواها. وانا اذ نشكر القيمين عليها وفي مقدمهم رئيسها حضرة الاب لويس سماحة لما يقومون به من نشاط خير، خصوصا تجاه الفقراء والمعوزين. نسأل الله ان يجزيهم خيرا، ونرغب الى القادرين ان يساعدوهم للقيام بعملهم الانساني وتلبية الحاجات الملحة في هذه الايام التي يصعب فيها على الكثير من الناس في لبنان تأمين عيشهم اليومي.

وان ما نشهده على الساحة السياسية في لبنان من انكفاء لدى بعضهم لا يحمل على الامل بحل العقد التي تعرقل سبل الحياة المألوفة. وهناك جدل مستمر حول المطلوب لتصويب مسيرة الشؤون السياسية، وكل من الاطراف يعتصم برأيه وموقفه، ولا يخطو خطوة واحدة في سبيل التقارب والتفاهم. وهذا من شأنه ان يوقع اليأس في قلوب المواطنين، ويحملهم على الهجرة الكثيفة بحثا عن وطن آخر آمن بديل، يعيشون فيه بعيدا عن تجاذب يومي ومهاترات بغيضة، وجدل عقيل. وما من احد الا ويعرف ان العمل السياسي يهدف عادة الى خدمة المواطنين سعيا الى تحسين اوضاعهم ولا يمكن ان يقتصر على فائدة القائمين به وتمكينهم من ارضاء رغباتهم واهوائهم مشروعة كانت ام غير مشروعة .نسأل الله ان يهدينا جميعا سواء السبيل".








All the contents on this site are copyrighted ©.