2007-08-15 15:55:35

محطة روحية في عيد انتقال العذراء إلى السماء


وفي تلك الأيام قامت مريم فمضت مسرعة إلى الجبل إلى مدينة في يهوذا. ودخلت بيت زكريا، فسلّمت على أليصابات. فلمّا سمعت أليصابات سلام مريم، ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت من الروح القدس، فهتفت بأعلى صوتها: "مباركة أنتِ في النساء! ومباركة ثمرة بطنك! من أين لي أن تأتيني أمُّ ربي؟ فما إن وقع صوت سلامك في أذنَيّ حتى ارتكض الجنين ابتهاجا في بطني. فطوبى لمن آمنتْ: فسيتمّ ما بلغها من عند الربّ".

فقالت مريم:

"تعظّم نفسي الربَ، وتبتهج روحي بالله مخلّصي،لأنه نظر إلى أمَته الوضيعة. سوف تهنّئني بعد اليوم جميع الأجيال، لأن القدير صنع إليّ أمورا عظيمة: قدوسٌ اسمه، ورحمته من جيل إلى جيل للذين يتّقونه. كشف عن شدّة ساعده، فشتّت المتكبرين في قلوبهم. خلع الأقوياء عن العروش ورفع الوضعاء. أشبع الجياع من الخيرات والأغنياء صرفهم فارغين. نصر عبده إسرائيل، ذاكرا، كما قال لآبائنا، رحمتَه لإبراهيم وذريّته للأبد". وأقامت مريم عند أليصابات نحو ثلاثة أشهر، ثم عادت إلى بيتها. (لوقا 1/39-56)

 

عيد إنتقال العذراء بالنّفس والجسد إلى السّماء

 

تحتفل الكنيسة اليوم، بذكرى انتقال العذراء مريم إلى السّماء، بالنّفس والجسد. وهي حقيقة إيمانيّة قديمة الأيّام، مستوحاة من الله نفسه، أعلنها البابا بيوس الثّاني عشر عام 1950، بعدما قذفت بها إلى ميناء اللاهوت المعاصر، أمواجُ تقليد مسيحيّ عريق، يعود إلى إيمان أتباع يسوع الأوائل، رسّخته فيما بعد تعاليم آباء الكنيسة القدّيسين، وعبرّت عنه "جماعة المؤمنين"، بطقوسها وترانيمها وأعيادها. فالله الذي شاء أن تحافظ مريم بكلِّ أمانةٍ في غُربة الإيمان على الإتحاد مع إبنها حتّى الصّليب حيث كانت واقفة تتألَّم بقوّةٍ معه، مشتركةً بقلبها الأموميّ في ذبيحته، أراد أيضا أن تشاركه قيامته المجيدة، وفصحه الجديد، وانتصاره الباهر على الموت والعالم والشّيطان، فأصعدها بالنّفس والجسد، إلى "المساكن المملوءة نورا"، بحسب تعبير الكنيسة المارونيّة.

فها هي تلتحف بالشّمس وعلى قدميها القمر! منها اشرق حبّ الله غير المحدود على العالم بأسره، فصنع بها ومن خلالها العظائم على ما يؤكّد الإنجيل المقدّس. إنّها المباركة بين النّساء، ببركة ثمرة أحشائها... تَغبِطُها جميع الأجيال! فطوبى لها وطوبى لمن آمن بما حدث لها من قِبل الرّبّ.

إنّ انتقالها إلى السّماء، لهو إثبات جديد لنا، على أنّ كلّ إنسان يوم القيامة العامّة، سوف يقوم من الموت لابسا حلّة جديدة، أي جسداً ممجّداً كجسد مريم وجسد ابنها؛ وقد أكّد القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ مرارا عديدة في كتاباته الكثيرة، أنّ جسد مريم لم يعرف فسادا لأنّه لم يعرف الخطيئة.

فهي في تمجيدها الآن في السماء بجسدها وروحها تبقى تلك الصّورة المثاليّة لكنيسة يسوع التي ستبلغ كمالها في الحياة الآتية، وهي على ما تعلمّه الكنيسة نفسها، تزهو على هذه الأرض علامةَ العزاءِ والرّجاء لشعبِ الله في غربته، إلى أن يأتي يوم الرّب. وفي الواقع، إن دورها في الخلاص لم ينتهِ بعد انتقالها إلى السّماء، لأنّنا لا نزال نحصل بشفاعتها على النِعَمِ الضّروريّة لخلاصنا الأبديّ.








All the contents on this site are copyrighted ©.